لم تنتبه سوى قلّة الى رحيل حسين مجيب المصري عميد الأدب الإسلامي المقارن والدراسات الشرعية في مصر عن 88 سنة، في الأيام الأخيرة من العام الفائت، وعرف الراحل بالكثير من المنجزات الثقافية والأدبية والنقدية، في أكثر من لغة، في العربية والفارسية والتركية والأوردية والانكليزية والفرنسية والألمانية والايطالية والروسية واللاتينية، وهي لغات أتقنها المصري نطقاً وكتابة. بلغت مؤلفاته تسعين كتاباً في كشف الخبيء من الدُرر والنفائس والجواهر في الحضارة العربية والإسلامية. وكان الراحل جسراً بين الآداب الشرقية والأوروبية، وقد دعا الى الوحدة الثقافية بين الأمم والشعوب الإسلامية، المستمدة من عبق حضارتنا الأصيلة، المنفتحة على الآخر، والملتقية مع الآداب والفنون والثقافات الأخرى، في رحاب الإبداع الإنساني الرحيب. ترجم حسين مجيب المصري الأعمال الكاملة لشاعر الإسلام محمد إقبال الى العربية، ووضع عنه أحد عشر كتاباً منها:"إقبال بين المصلحين الإسلاميين"،"إقبال والعالم العربي"،"الأندلس بين شوقي وإقبال"،"إقبال والقرآن". وقد أسس مدرسة نقدية تعتمدة أساساً الأدب المقارن، في أكثر من خمس وعشرين جامعة عربية وعالمية، في مصر والسعودية والأردن والكويت والجزائر والمغرب والمجر وبريطانيا ورومانيا وإسبانيا والولايات المتحدة وإيران وباكستان وتركيا وكازاخستان. وعمل المصري خبيراً في مجمع اللغة العربية في القاهرة طوال سبعة وعشرين عاماً، أنجز خلالها خمسة معاجم أصيلة في العربية والفارسية والتركية والأوردية. لكنه - لسوء حظه - تعرّض لهجوم شرس من أعضاء المجمع، ورفضوا اختياره عضواً، بحجة أنه كفيف، في حين أن رئيس المجمع الأسبق طه حسين كان كفيفاً أيضاً. ولم ينل المصري أي جائزة مصرية ولا عربية، ولم تُطبع أعماله ضمن سلاسل وزارة الثقافة المصرية، بينما نال أوسمة دول أخرى. فالرئيس الباكستاني الأسبق ضياء الدين الحق منحه أعلى وسام باكستاني في العام 1988، ومنحه الرئيس التركي في الثمانينات وسام الجدارة العلمية، ومنحته جامعة مرمرة في تركيا الدكتوراه الفخرية. ونال الدكتوراه الفخرية من رابطة الأدب الحديث في مصر في العام الفائت. وقبل أيام من رحيله منحته جامعة عين شمس درعها، في مبادرة متأخرة جداً. ومن أعماله التي تشهد له بالريادة والموسوعية:"القدس الشريف بين شعراء الشعوب الإسلامية"،"في الأدب الشعبي الإسلامي المقارن"،"كربلاء بين شعراء الشعوب الاسلامية"،"مصر في العربية والفارسية والتركية والأوردية"،"المرأة في الشعر العربي والفارسي والتركي والأوردي"... علاوة على ترجمته الأمينة لموسوعة الرحالة التركي أيوب صبري باشا بعنوان"مرآة الحرمين الشريفين: مكة والمدينة وجزيرة العرب"في خمسة مجلدات، وقد صدرت حديثاً في القاهرة. وكان الراحل شاعراً وله ستة دواوين بالعربية، وديوانان بالفارسية والتركية، وقصائد عدة بالفرنسية. وفي إبداعاته الشعرية كان متأثراً بصوفية مولانا جلال الدين الرومي، وملحمية أشعار الفردوسي شاعر الشاهنامة، وهو أول عربي وقف على نهر البوسفور في تركيا يناجيه، ويتغزل في محاسنه، كاتباً"بوسفورياته"الشعرية.