هل مكتوب على أستاذ الجامعة الذي قضى أكثر من 60 عاماً في كواليسها أن يعيش بمفرده على حافة الحياة وأن يقتات الفتات، بينما ينعم الأقل منه قدراً ومكانة في رغد العيش وبحبوحته؟ الحقيقة أن أثرياء الخمسينات والستينات صاروا عالة على المجتمع، الآن. وفقراء الألفية الجديدة في مصر لا تكفي دخولهم الشهرية لتحقيق حياة آمنة لهم، تقيهم ذل السؤال والحرمان، وهم يحملون أرفع وأعلى الشهادات العلمية والادبية. إلا أن كل هذا لم ينفع، ولم يحصنهم من الفقر المدقع والعوز الشديد. ولعل حكاية الدكتور حسين مجيب المصري 87 عاماً، أستاذ اللغات الشرقية وآدابها في جامعة عين شمس، وصاحب 75 كتاباً أكاديمياً، والمترجم المعروف، هي حكاية ابن الباشا والذوات وحي الزمالك الراقي، الذي كان ينعم في قصر والده بكل مظاهر الثراء والأبهة، لكنه لم يدرك أن تقلبات الزمن قد تصيبه، وأنه، بين ليلة وضحاها، قد يصبح من المحتاجين بعد أن كان يرفل في مباهج الحياة ويهتبلها بنهم شديد. فعندما قامت ثورة تموز يوليو 1952، صودرت اموال الاقطاعيين والاثرياء، ومنهم اسرة حسين مجيب المصري، الذين اخذت منهم الحقبة الناصرية كل ما يملكون من ضياع وقصور وأراضٍ زراعية. والمحصلة ان الدكتور حسين مجيب المصري استبعد من الجامعة بوشاية. ولم يرجع الا بعد حكم قضائي، منتدباً في جامعة عين شمس. ومنذ اكثر من خمسة وعشرين عاماً تقاعد وأحيل الى المعاش. وهو الآن يتقاضى راتباً، يندى له الجبين، هو 195 جنيهاً مصرياً فقط. وهذه لا تكفيه مؤونة الحياة، ولا مصاريف الدواء الباهظة، ولا تليق به كأستاذ جامعي رائد في ميدان الدراسات الشرقية والتصوف والادب الإسلامي المقارن. وهو يملك مكتبة نادرة من نفائس الكتب وأمهاتها في العربية والفارسية والتركية والاوردية والانكليزية والفرنسية والالمانية والروسية والايطالية، يبلغ عدد كتبها أكثر من عشرين الف كتاب. لكنه مضطر الى بيعها الى الباعة الجوالين وأصحاب تجارة المكتبات. فهل تقدم جهة حكومية أو اجتماعية عربية على شراء هذه الثروة التي لا تقدر بمال، وتعويض هذا الرجل ما يقيم له حياة شريفة؟! مصر - صلاح حسن رشيد كاتب