إنه حدث 2005 بامتياز!". بهذه العبارة، استقبلت ندى قرباني عقل أمينة مكتبة"كلية العلوم الاجتماعية"في الجامعة اليسوعية في بيروت، ، نبأ اعتزام موقع محرك البحث"غوغل"google تأسيس"غرفة قراءة"الكترونية وتتألف من مجموع كتبه ومراجع خمس من أهم جامعات العالم. وُصفت تلك الغرفة بانها"اضخم مكتبة في العالم منذ ابتكار مطبعة غوتنبرغ في العام 8441". انطلق العمل لانجاز هذا المشروع الهرقلي الطابع، وشرعت فرق تابعة للموقع في المسح الضوئي لمحتويات المكتبات المذكورة. ثورة"القراءة الالكترونية" ترى عقل ان أقل ما يوصف به هذا المشروع بأنه"ثوري". فحتى لو رأى البعض في تشبيهه باكتشاف الطباعة على يد يوهان غوتنبرغ، بعضاً من المبالغة، الا انه فتح بوابة واسعة أمام عهد جديد من"الثقافة الالكترونية"،"لا ندري أين يمكن أن ينتهي وأي معادلات سيقلب على مستوى نهج التعاطي والتعامل الفكري"، بحسب كلمات عقل. وأوضحت ايضاً ان ثمة فكرة أساسية تقف خلف هذا المشروع، مفادها وضع الثروة الفكرية للانسانية في متناول الجميع. بمعنى آخر، تساهم مكتبة"غوغل"في تعميم المعرفة ونشرها عالمياً بحيث لا تبقى حكراً على القادرين فقط على الوصول إليها."يمكن القول انه مشروع عنوانه ان الثقافة تصل إليك بدلاً من أن تبحث أنت عنها". على هذا المستوى، من المؤكد أن تحقيق هذا الحلم الاكاديمي لمؤسسيّ موقع"غوغل"يعد بإثارة الكثير من ردود الفعل وبإنتاج تداعيات مهمة، إضافة إلى تطوير تقنيات وخلق مجالات عمل ومهن جديدة، قد تتولد من هذا الحدث الانقلابي. من ناحية أوّلية، تبرز أهمّية المشروع على مستوى البحث العلمي والأكاديمي. وتشدّد عقل على هذا الملمح. وتعتبر ان نتائجه"مدهشة... ومن شأنها إثراء البحوث والدراسات وتسهيلها". في المقلب الآخر، يفرض هذا المشروع ضرورة توجيه الباحث وإرشاده، لأنه سيجد نفسه أمام كمّ هائل من المعلومات التي عليه معرفة التعاطي معها وانتقاء الجيّد منها، حتى لا يضيع وجهة بحثه. وتفترض عقل ان يصبح موضوع"المحتوى الرقمي"Digital Content مادة أساسية جديدة تُدرَّس لجميع الطلاب بمختلف اختصاصاتهم، في القريب العاجل. في السياق نفسه، كشف فابيو سلموني المتحدّث الرسمي باسم موقع"غوغل"، عن محادثات تجرى مع جامعات أخرى، بعضها في بلدان لا تتكلّم الإنكليزية. اذاً، يبدو أن كرة الثلج هذه ستكبر بسرعة لتحوّل أغلفة الكتب الى مجرّد شاشات قد تهدّد مستقبل رفوف المكتبات بأسرها. يصرّ البعض على تقديس تلك العلاقة بين الكتاب والقارئ، ويقولون انه لا يمكن استبدالها. ولا تخلو اوصاف تلك العلاقة من خيالات ايروسية، خصوصاً عندما تستخدم في وصفها ألفاظ تحكي عن متعة فريدة في ملمس... الورق! اذاً، يبدو ان انقلاباً في المقاييس بات قريباً، خصوصاً إذا ما نجح محامو"غوغل"في اجتياز العقبة الأبرز، التي تتمثل في مسألة حقوق النشر. فالمعروف أن الموقع يحاول نشر نحو 8 ملايين مرجع من جامعة ستانفورد، و7 ملايين من جامعة ميشيغن، وقسم من مراجع مكتبة جامعة أوكسفورد الصادرة قبل عام 1900، وبعض من أرشيفي جامعة هارفرد ومكتبة نيويورك. وبالتالي يُفترض ان يتمكن زوار"غوغل"من تصفّح المحتوى الكامل للنصوص التي سقط عنها حق المؤلف، اضافة الى مقتطفات من الكتب التي ما زالت تخضع لحقوق النشر. وقد يكون من الصعب تصوّر أن تتوقف حدود المشروع عند تلك النقطة.والأرجح أن ينهمك محامو"غوغل"بالتحضّر لصوغ اجتهادات قانونية في هذه المسائل. وربما قاد الامر الى توسّع مساحة العام على حساب الحق الخاص. ال"هاكرز"آخر من... يهتم! بعيداً من هذا المشهد، للنبأ-الحدث وقع شبه استفزازي، عند فئة معيّنة من زائري الشبكة: ال"هاكرز"hackers، الذين يوصفون بأنهم"قراصنة"الكومبيوتر. الحال أن المشروع يحاربهم مستعملاً ذريعتهم، ويفتح أبواب الشبكة أمام الثروة الفكرية ناقضاً فكرة المعلومات المخفيّة والحصريّة. في المقابل، يقدم بعض ال"هاكرز"قراءة أخرى. يعتبر أحدهم ان موقع البحث أسدى له ولرفاقه خدمة عظيمة، اذ يساهم في توجيه عملهم بطريقة توفّر عليهم الكثير من الجهد والوقت. في هذا المعنى، يميّز"القرصان"بين نشر بعض المراجع من جهة، ومسألة تعميم المعرفة من الجهة الاخرى. فنشر مجموعة معيّنة من الكتب يحوّل انتباه ال"هاكرز"نحو ما لم يُنشر! وبذلك يكون"غوغل"قام بعمليّة تصنيف تخدمهم بشكل كبير، إذ تجعل"خطة اقتحامهم"أكثر تركيزاً. وبذا، سيهتم هؤلاء الشبان بما لا يقدر"غوغل"على تعميمه أو تحمّل مسؤولية نشره على الانترنت لأسباب مختلفة! وبقول آخر، فقد باتت مغامرات اقتحام كومبيوترات المؤسسات ومكتباتها أكثر خطورة لأن موقع البحث قام"بدفع الحدود إلى مكان أبعد". ثمة ما لم يتغيّر ابداً في عمل"هاكرز"، خصوصاً شعار"كل شيء مكشوف"! من هذا المنطلق، يترصّد ال"هاكرز"تطورات مكتبة"غوغل"لكي يحددوا خطط عملهم المقبلة. راهناً، يلتزم منافسا"غوغل"الأبرز، موقعي"ياهوو!"yahoo و"ام اس ان"msn، الصمت حيال هذا الموضوع. لا ندري ما سيكون"ردّهما"في سوق مضاربة باتت مفتوحة على مصراعيها. الحال أن المنافسة لن تكون فقط تجارية. لن تقتصر على المواقع الالكترونية فقط، بل ستفرض مقارنة فكرية وثقافية محتّمة في مضامين ما يُنشر، وتضع كل مرجع موضع الامتحان والتقويم. فماذا عن المحتوى العربي؟ الاجابة واضحة راهناً.