مرت ذكرى إرهاب 11 ايلول سبتمبر 2001 وقد اختلطت بها اخبار فاجعة المدرسة الروسية في بيسلان التي راح ضحيتها نحو 350 شخصاً، معظمهم من الأطفال. في بلادنا، من فلسطين الى العراق، ومع مجزرة الديموقراطية في كل بلد هناك برج التجارة العالمي او مدرسة بيسلان كل يوم، والفارق ان الفلسطينيينوالعراقيين يقتلون بالمفرق، والقتل من اميركا الى روسيا كان بالجملة، غير ان النتيجة واحدة، ففي النهاية هناك مئات، او ألوف الضحايا الأبرياء. اريد قبل أن أكمل ان ادين الإرهاب بالمطلق. ارفض ان اجد له أي عذر او تبرير، وأعتبر من يحاول تبريره او الاعتذار له شريكاً فيه. هذا رأيي في إرهاب الدولة الإسرائيلي ضد الفلسطينيين الذي يشارك فيه الاعتذاريون لإسرائيل من المحافظين الجدد في الولاياتالمتحدة، وفي قتل المدنيين في اسرائيل، وفي إرهاب القاعدة حول العالم، وكل من يؤيدها، وفي إرهاب الشيشان والإرهاب ضدهم. ما لفتني والعالم يتذكر الإرهاب الذي ضرب الولاياتالمتحدة في ذكراه الثالثة ان الاحتلال الروسي في الشيشان لم يجد من يؤيده سوى اسرائيل، وأن حكومة فلاديمير بوتين، مثل حكومة آرييل شارون قبلها، حاولت ان تقارن، او توافق، بين اوضاع يختلف بعضها عن بعض، فالولاياتالمتحدة تعرضت لإرهاب غير مبرر ولا مبرر لأي إرهاب، وهي إهانة لضحايا الإرهاب الأميركي ان يقارنوا بما يحدث في اسرائيل، فهذه تحتل اراضي الفلسطينيين وتقتل وتدمر كل يوم، ثم تطلب ان يقف الفلسطينيون مكتوفي الأيدي إزاء إرهابها، او في اراضي الشيشان المحتلة ايضاً وشعبها المقموع. الولاياتالمتحدة لم تفعل شيئاً من هذا فقد جاءها القتلة واستهدفوا مدنيين يعملون في مكاتب مدنية. وقد تصرفت الإدارة الأميركية بحزم ضد الإرهاب ومصادره، ودعوت في حينه وأدعو اليوم الى تركها تقود الحملة العالمية ضد الإرهاب، لأن قدراتها اكبر، وإلى واجب كل دول العالم، خصوصاً العربية والمسلمة، مساعدتها لأن الإرهاب المجنون الفالت من كل عقال لا يوفر احداً، وقد رأينا كيف استهدف ارهابيون يزعمون انهم مسلمون، المسلمين في المملكة العربية السعودية، وهم مخطئون سواء أكان الضحية مسلماً او مستأمناً غير مسلم. بعد مجزرة بيسلان كررت حكومة بوتين النغمة نفسها، فهي رأت فوراً انها تعرضت الى "9/11" روسية، غير ان استنكارنا الجريمة وإدانتنا لها، لا يلغيان ان روسيا تحتل بلاد الشيشان منذ اجهضت استقلال البلاد سنة 1999، في حين ان الولاياتالمتحدة لم تحتل ارضاً للقاعدة او طالبان، ولم تعط سبباً من اي نوع لقتل مواطنيها المدنيين. روسيا ارتكبت كل خطأ ممكن إزاء الشيشان منذ اطاحة الرئيس المنتخب ديموقراطياً اصلان مسخادوف، وعبّدت طريق الخطأ منذ ذلك الحين بفشل امني مطبق في التعامل مع العمليات الإرهابية الشيشانية التي ادينها كلها، على رغم عدالة القضية. ويكفي ان بريطانياوالولاياتالمتحدة اللتين تقودان الحملة العالمية ضد الإرهاب نصحتا حكومة بوتين مرة بعد مرة بالبحث عن حل سياسي لقضية الشيشان، وهما منحتا منشقين معروفين من الشيشان حق اللجوء السياسي فيهما، ما يعني انهما تريان ان للشيشان قضية سياسية. حكومة بوتين اغلقت هذا الباب بعد 1999، وفشلت في مواجهة عواقب اعمالها، ولعل من القراء من يذكر حصار مسرح في موسكو، في تشرين الأول اكتوبر 2002 ومقتل عشرات في داخله بعد فشل قوات الأمن في تنظيم هجوم حسن الإعداد لإطلاق الرهائن، وهو ما تكرر في حصار مدرسة بيسلان قبل اسبوع. بين هذا وذاك وقعت حوادث ارهابية كشفت عجز الدولة، ففي شباط فبراير الماضي فجرت شابة انتحارية نفسها في عربة مترو في موسكو وقتل 41 شخصاً، وفي ايار مايو انفجرت قنبلة تحت مقعد الرئيس الشيشاني احمد كاديروف الذي اختارته موسكو، وهو في استاد يتفرج على "مهرجان نصر"، فقتل مع عدد كبير من مساعديه. وفي حزيران يونيو هاجم مسلحون يرتدون ملابس شرطة رجال الشرطة الحقيقية في اقليم انغوشيتا المجاور، وقتل نحو مئة شخص قبل ان ينسحب المقاتلون. ووقع هجوم مماثل في آب اغسطس في غروزني قتل فيه 22 شخصاً. ويعتقد الآن بأن الطائرتين اللتين سقطتا في 24 من الشهر الماضي وقتل فيهما 90 شخصاً راحتا في عمليتين لشابتين انتحاريتين من الشيشان. ولم ينقض الشهر الماضي حتى كانت شابة انتحارية تفجر نفسها في محطة مترو في موسكو وتقتل عشرة اشخاص. والمجموع نحو ألف ضحية منذ عملية المسرح في موسكو. لم يجد الرئيس بوتين إزاء هذا العجز سوى ان يتهم الغرب بإيواء الإرهابيين، إلا ان هذا ليس صحيحاً، والولاياتالمتحدة لم تخسر اي مدنيين منذ ارهاب 11/9/2001، وقد اطاحت نظام طالبان وشردت القاعدة. وكشفت حكومة بوتين نفساً سوفياتياً مقلقاً في تعاملها مع مأساة المدرسة، فقد كذبت حتى في عدد الرهائن وزعمت انه في حدود 300، ثم تبين ان هناك اكثر من ألف رهينة. وقالت ان الإرهابيين نحو 20 وتبين انهم 32 مقاتلاً. وقالت ان هناك عشرة عرب بين الإرهابيين وهؤلاء لهم علاقة بالقاعدة، ولم يثبت هذا او ذاك، ثم زعمت ان الإرهابيين قتلوا اطفالاً فاضطرت القوات الروسية الى التدخل، وتبين ان انفجاراً وقع داخل المدرسة والقوات الروسية الخاصة تتدرب على الاقتحام في مدرسة مجاورة، وأسرع اهالي الرهائن ورجال ميليشيات محلية الى إطلاق النار وبدأت المجزرة. بل ان بوتين زعم للصحافيين الأجانب ان تسجيلاً التقط حديثاً بين احد الإرهابيين وزميل له في الخارج يسأله ماذا يفعل، ويرد الإرهابي: اشعر بالملل لذلك اتسلى بقتل بعض الأطفال. هذا كذب سوفياتي، ودعاية سوداء مريضة كنا اعتقدنا ان روسيا تركتها وراءها، غير ان فلاديمير بوتين ضابط استخبارات سابق، ويبدو ان من الصعب عليه ان يتغير. ارجو ان يؤدي تحقيق للبرلمان الروسي الى كشف الحقيقة، كما ادى تحقيق لجنة الإرهاب في الولاياتالمتحدة الى كشف الحقيقة هناك. غير انني لست متفائلاً، فالبرلمان الروسي "صوت سيده" مع انني أذكر عن "صوت سيده" الأصلي انه "فونوغراف" من اختراع اميركي.