ليست المرة الأولى التي يحاول فيها رئيس جمهورية لبناني أن يتمسك بعهده. فبشارة الخوري استقال خلال عهده الثاني وهذا استثناء. وأثار طلب كميل شمعون لعهد ثانٍ ثورة صغيرة، حرّضت الجيش ضد المدنيين، وقد أنقذت حكمة الجنرال فؤاد شهاب الوضع آنذاك. وحاول سليمان فرنجية العودة خلال الحرب الأهلية. وحده الياس الهراوي استطاع تعديل الدستور، وتمديد فترة عهده التي تقتصر على سنوات ستّ على "أن يشكل ذلك استثناءً لمرة واحدة فقط". منذ أيام، عدّل النواب الدستور لتمديد عهد الجنرال اميل لحود لسنوات ثلاث أخرى. وهذا استثناء آخر. وبرر كل من الرؤساء رغبته في التمديد ب"الظروف الاقليمية" التي تتم خدمتها أو مواجهتها، أو تفاديها، بسنوات أخرى في الحكم. وتلعب الطبيعة البشرية دوراً أساسياً في التمسك بالسلطة وممارستها. طبعاً، لكل مرحلة تعقيدات خاصة بها استدعت المستلزمات نفسها، وهي كذلك اقليمية. وقد انطبقت الشروط نفسها على المحاولة الأخيرة الناجحة، حين استدعت الظروف الاقليمية مرة أخرى الاجراءات عينها. لم يتعلق الأمر يوماً بمتطلبات داخلية أو وطنية أو لبنانية. انه لأمر نموذجي فعلاً في النموذج الأقرب الى الديموقراطية في العالم العربي! يوم انتخاب العماد اميل لحود لنصف ولاية، بواسطة تعديل الدستور أمضيت حوالى الساعة لأصل الى مكان عملي في وسط بيروت. كانت صور العماد تحتل معظم جدران المدينة، ولافتات التأييد تتدلى من أعمدة الكهرباء. في وسط بيروت، حيث الإعلانات قليلة، بسبب قوانين البلدية وشركة سوليدير، تفاجأت لرؤية صور يكاد يناهز طولها ارتفاع الأبنية قرب مجلس النواب، حيث اجتمع النواب، ممثلو الشعب ليؤيدوا التمديد. وعندما غادرت عملي، كانت الصحافة تنتظر ب"فارغ الصبر" القرار المصيري الذي ما ان طلع حتى أضيئت السماء بالألعاب النارية. وكانت قوى الأمن التي عزلت المنطقة تتحضر للرحيل. ومواكب سيارات المرافقة تتحضّر لقطع الطرقات، الواحدة تلو الأخرى، حتى وصول "الأشخاص" الى وجهتهم. في عالم تتخبط فيه الشعوب لتنال استقلالها، وحقها في تقرير مصيرها وسيادتها، نتخلّى نحن اللبنانيين، عنها كلها "لظروف اقليمية". وبعد ربع ساعة من الزمن، عادت حياة اللامبالين الهشة الى طبيعتها. لكن هذه المرة قد تكون اللامبالاة قاتلة. بيروت - غالب الصلح