عشية اطاحته لم يكن نظام صدام حسين خطراً على أمن المنطقة والعالم على النحو الذي صوّره جورج بوش. لم يكن يمتلك أسلحة دمار شامل. كان النظام منهكاً والجيش منهكاً بفعل الحصار والعقوبات. لم يكن قادراً على اطلاق حرب جديدة أو تهديد جيرانه. كان نظام صدام حسين خطراً على العراقيين وحدهم. لكن الخيار وقع عليه. غداة هجمات 11 ايلول سبتمبر قررت الإدارة الاميركية، وبضغط من المحافظين الجدد، توجيه ضربات استباقية. قررت ان تذهب الى مهد "الأخطار" اي الى الشرق الأوسط. وقررت ايضاً ان تقاتل اعداءها بعيداً كي لا تضطر الى مواجهتهم على الأرض الاميركية نفسها. هكذا وقع الخيار على العراق ليكون الحلقة الثانية في "الحرب على الارهاب"، وبعد توفير مجموعة ذرائع أولاها الربط بين الارهاب وترسانات اسلحة الدمار الشامل الموجودة في ايدي الدول "المارقة". وكان وضع النظام العراقي يسهّل استهدافه. نظام اطلق حربين ضد دولتين مجاورتين وقمع شعبه بفظاعة ووحشية، وعرّض نفسه لسلسلة من قرارات الشرعية الدولية وإداناتها. وضعت ادارة بوش قرار الحرب على العراق في سياق "الحرب على الارهاب"، وضرورة تغيير الشرق الأوسط. تحدثت عن بناء نموذج عراقي ديموقراطي، سيشكل نجاحه تهديداً طبيعياً للأنظمة غير الديموقراطية في المنطقة. حلمت بنظام يعتنق القيم الديموقراطية ويشكل قاعدة ارتكاز لها لتغيير المنطقة أو لإحداث تغييرات فيها، تزيل مسببات انطلاق الارهاب منها وشيوعه. في المقابل شكلت الحرب على العراق فرصة للمقاتلين الجوالين الباحثين عن فرصة اشتباك مع الأميركيين على مدى العالم. واعتبر هؤلاء الساحة العراقية نموذجية - فتوافدوا الى العراق لمقاتلة الاميركيين فوق حقول النفط، وفي بلد عربي واسلامي تحتله قوات اجنبية. جاء المقاتلون الجوّالون بالمشروع المضاد، وهو منع قيام دولة عراقية وفقاً للتصور الاميركي، والتحصن في الساحة العراقية لتحويلها افغانستان جديدة تستقطب "المجاهدين" وتدربهم ثم تعيد تصديرهم الى بلدانهم. انه مشروع الزرقاوي الذي يقوم على انشاء حكومة اسلامية في العراق، أو إمارة اسلامية ترسل اشعاعاتها الى الدول المجاورة. بين مشروعي بوش والزرقاوي يجد المشروع العراقي صعوبة في العثور على مكانه. فالإنضواء في المشروع الاميركي يعني الطلاق مع شريحة واسعة من العراقيين ابتهجت بإسقاط صدام ولم تبتهج بالاحتلال واخطائه. والانضواء في مشروع الزرقاوي، غير وارد اصلاً، فهو مشروع الحرب الطويلة والعزلة والحرائق التي لا تنطفئ. اظهرت التجارب عدم واقعية مشروع بوش. اصطدم بحقائق التركيبة العراقية وما فيها من حساسيات ومخاوف. واظهرت التجارب خطورة مشروع الزرقاوي. في ضوء هاتين الحقيقتين تبدو حكومة علاوي، وعلى رغم ظروف ولادتها والواقع القائم على الأرض، المشروع العراقي الوحيد الممكن شرط ان تنجح في لجم ضربات الزرقاوي من جهة، وان تقنع العراقيين بالقدرة على قيادة برنامج عراقي يختصر أمد الاحتلال ويغلق الساحة أمام المقاتلين الجوّالين.