ليس قرار الحرب هو المشكلة في الازمة بين العراق والولايات المتحدة، وانما البحث في ذرائعها. ومنذ هجمات ايلول سبتمبر 2001 بدا التوجه نحو الربط بين العراق ومنفّذي الهجمات منطلقاً لتسريع قرار الحرب، تارة بزعم ان لقاء في براغ جمع بين محمد عطا ومسؤول عراقي، وتارة بنسج روايات عن امكان ضلوع العراق في انتاج الجمرة الخبيثة، واخرى من خلال اطروحة استئصال التهديد قبل وقوعه. والظاهر ان ادارة الرئيس جورج بوش الابن مهتمة فقط بجمع أدلة لتبرير الحرب وليس الحرب استناداً الى ادلة. والفارق بين الحالين ان الحرب واقعة مهما كان تعاون العراق مع المفتشين، طالما ان القرار جاهز وان امكان التحرك الانفرادي لا يعوز الادارة الاميركية. الربط بين الحرب ضد الارهاب واتخاذ سياسة اكثر تشدداً ازاء نظام الرئيس العراقي صدام حسين يراد له ان يكون سبباً وليس نتيجة. فالذهاب الى مجلس الامن كان منطلقه في الرؤية الاميركية ابراز ان تهديد المصالح الاميركية هو تهديد للعالم برمته. لكن التهديد بالتحرك الانفرادي مؤداه ان القوة العظمى لواشنطن يمكن ان تنوب عن العالم، وبالتالي فإنها وحدها تحدد ان يكمن المخاطر. انها سياسة صنع الاعداء تتحكم بالعقلية الاميركية. وعندما بدا ان انهيار الاتحاد السوفياتي سابقاً يسقط ذريعة مواجهة العدو، كان اللجوء الى الدين والى الارهاب واسلحة الدمار الشامل، طالما ان العدو الذي يجب ان تواجهه اميركا يفترض ان يشكل خطراً على مصالحها وعلى العالم، فقد صوّرت ادارة الرئيس جورج بوش الاب العراق في حرب الخليج الثانية على انه "القوة العسكرية الرابعة" في العالم، قبل ان يتبين في ساحة الميدان انها قوة تقليدية يعوزها درجة ادنى من الكفاءة، وما ان طلب بوش الابن من العراق الكشف عن اسلحة الدمار لم تتمكن فرق التفتيش من العثور على ما يؤيد احتمالات وجودها. لكن المشكلة ليست في وجود الاسلحة او في خلو العراق منها وانما في كيفية اقناع الرأي العام الاميركي والعالم بأن الحرب ضد العراق مشروعة وان بديل ما بعد الضربة لن يكون الخراب والفوضى فقط. فثمة تجارب في التعاطي الاميركي وأزمات عدة من الصومال الى افغانستان، أبانت عن محدودية الحلول الاميركية باستثناء الافراط في استخدام القوة. لكن الرسائل الاميركية موجهة الى اكثر من طرف، وسيكون صعباً على ادارة بوش ان تذعن لفكرة وجود مقاومة اوروبية بزعامة فرنسا والمانيا. تماماً كما يصعب ان تقبل عودة روسيا المنهكة الى مسرح الاحداث. فبعض الاخطاء التاريخية يصنع مسارات كبرى، ولم يكن غزو العراق للكويت الا واحداً من تلك الاخطاء التي لا ينتهي مفعولها في سنوات او عقود. والى ان يقدم كولن باول ما يفيد بقرائن الربط بين العراق وتنظيم "القاعدة"، يبقى قرار الحرب جاهزاً وان كان يُنظر اليه على انه يندرج بدوره في سياسة الاخطاء التي تصنع مسارات غير متوقعة.