لا يحتاج الأمر إلى نظام انذار مبكر وخبراء في الزلازل للتأكد من أن شروط الزلزال العراقي على وشك الاكتمال وان ما شهدناه، حتى الآن، على رغم أهواله، هو مجرد مقدمات. ومن يدري فقد يتكشف لاحقاً أن الأمواج التي سيطلقها الزلزال العراقي ليست أقل عنفاً من تلك التي ضربت سواحل ثماني دول في حوض المحيط الهندي. وقد يتكشف أيضاً أن الزلزال العراقي ينذر ببث سموم يمكن تصنيفها في خانة الأوبئة التي تهدد سلامة المنطقة وتفتك باستقرارها. ها نحن نشهد اليوم تحول دولة عربية إسلامية تقع في قلب منطقة حساسة، بثروتها وتركيبتها، ساحة لصراع أكبر منها ويفوق قدرة المنطقة على الاحتمال. منذ البداية، تعاملت إدارة بوش مع العراق بوصفه ساحة. اقتلعت نظام صدام حسين من دون التبصر بعواقب الفراغ الذي يمكن أن يعقب انتصارها العسكري السريع. أظهرت عجزاً غريباً عن فهم تركيبة الشعب العراقي ومشاعره. وأظهرت عجزاً عن فهم المزاج العام في المنطقة. تصرفت القوة العظمى الوحيدة كآلة عملاقة ساحقة ومن دون مراعاة الجانب المتعلق بمسؤوليتها عن الوضع الذي أوجدته. تعاملت مع العراق كساحة يمكن تسجيل الانتصار فوقها لاطلاق اشعاعات التغيير في المنطقة أو رسائل التهديد. مجرد التفاتة إلى الوضع العراقي الحالي نجد أنفسنا أمام صورة قاتمة مرت في بال زائر اسمه دونالد رامسفيلد، لكن من دون استخلاص العبر الضرورية. هناك قوة احتلال قادرة على توجيه ضربة قاصمة إلى قرية أو مدينة أو أي هدف واضح، لكنها عاجزة عن توفير الحد الأدنى الضروري من الأمن. إنها قوة منشغلة بسلامة قواعدها وعناصرها فيما يتساقط العراقيون بالعشرات يومياً بفعل التفجيرات أو الفلتان الأمني والممارسات الاجرامية. هناك قوات عراقية بنيت في ظل الوضع الذي قام بعد اسقاط النظام ويتهمها بعض العراقيين بأنها مجرد أداة للاحتلال أو يرون فيها أداة مستقبلية لفريق داخلي، ولهذا تتخذ الهجمات عليها طابع المقاومة أحياناً وطابع النزاع المذهبي أحياناً أخرى. وهناك انتخابات مقتربة تظهر بجلاء انقسام العراقيين بين مؤيد لانتخابات تحت الاحتلال وبحجة ضمان تقصير أمده وبين رافض للانتخابات لأسباب لا يمكن اختصارها فقط بوجود الاحتلال. بمعنى أن المتمسكين بالانتخابات يرون فيها فرصة لاثبات أنهم الأكثرية ولامتلاك الشرعية وان رافضي الانتخابات يريدون تأكيد رفضهم التسليم بالمعادلة الجديدة. وفي هذا التجاذب غلبت حسابات الموقع في الساحة على ضرورات تبادل التنازلات لانقاذ الوطن. وهناك المقاومة العراقية الممتدة من مقاومة الاحتلال وصولاً الى الرغبة في مقاومة الحقائق الديموغرافية. وهي مقاومات تمتد من البعث العراقي الى الاسلاميين العراقيين وصولاً الى المقاتلين الجوالين الباحثين عن فرصة للاشتباك مع القوات الاميركية. مع اعلان اسامة بن لادن تنصيب أبي مصعب الزرقاوي"أميراً لتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين"يمكن القول ان شروط الزلزال تتجه نحو الاكتمال ف"القاعدة"ايضاً تعتبر العراق ساحة توفر فرصة استنزاف الاميركيين وانتاج أجيال جديدة من الانتحاريين. وهذا يعني ان العراق بات ساحة المواجهة ويمكن ان يكون ساحة الانطلاق لزعزعة استقرار المنطقة. صحيح ان اعلان بن لادن يعطي جورج بوش فرصة القول انه لم يكن متسرعاً حين اعتبر العراق"جبهة اساسية"في الحرب على الارهاب. لكن الصحيح ايضاً هو ان"تنصيب"الزرقاوي سيساعده على وضع المجموعات الاسلامية في المقاومة تحت عباءته، ويجعل أي انسحاب اميركي متعذراً في المدى المنظور. انه المأزق الذي يفتح طريق الزلزال. ستحاول"القاعدة"ترسيخ وجودها في"المثلث السني"وسيتصاعد تبادل الضربات مع الاميركيين وسيزداد التباعد والتناقض في حسابات الشيعة والسنة. واذا تذكرنا ان العراق شعب ونفط ومذاهب وقوميات وعشائر وامتدادات وان العجز عن الحسم يرافقه عجز عن الحل جاز لنا التخوف من الزلزال العراقي وأمواجه.