حين وردت أخيراً أخبار اختفائهما في العراق لم يكن الصحافيان الفرنسيان الصديقان جورج مالبرونو وكريستيان شينو قد وجدا، بعد شهور من البحث والاتصالات، دار نشر عربية تتولى ترجمة كتابهما الأخير "سامان عبد المجيد: سنوات صدام"، على رغم النجاح الذي حققه هذا الكتاب والاعترافات الجديدة التي أتى بها الصحافيان على لسان عبد المجيد، المترجم الخاص للرئيس العراقي السابق. ومن يعرف مالبرونو وشينو يدرك جيداً أنهما ليسا غريبين عن منطقتنا ولا عن همومها، ويعرفان الكثير عنها وعن خبايا السياسة فيها، ويبديان تأييداً لقضاياها. كريستيان شينو الذي أحب العرب بعدما تابع دورة صحافية في مصر نهاية الثمانينات من القرن الماضي، قرر درس اللغة العربية وانتقل للعيش في عمان، حيث يسهل التنقل إلى فلسطين واسرائيل والعراق وسورية ولبنان، وهو جدي ونشط، يتكلم بسرعة ويتحرك بسرعة، ويزخر برنامجه اليومي بلقاءات متنوعة. تراه في أحاديثه بعيداً دائماً من الاستنتاجات المتطرفة، صحافي في "راديو فرانس أنترناسيونال" ويتعاون مع بعض المجلات الفرنسية. أما جورج مالبرونو، فهو مراسل لصحيفة "لو فيغارو" ويتعاون أحياناً مع مجلة "لوبوان". جاء قبل أكثر من عشر سنوات إلى القدس مراسلاً لصحف عدة، ولم يكن يعرف الكثير عن الصراع العربي - الإسرائيلي لكنه صار في ما بعد "مرجعاً" في هذا الشأن، بعدما أمضى شهوراً طويلة في شوارع المدينة القديمة وتنقل على الحواجز الإسرائيلية، وعرف قادة الانتفاضة وأبناءها وسياسيين إسرائيليين. زياراته للبنان وسورية والعراق والأردن كانت كثيرة أيضاً، وكتب مقالات كثيرة عن هذه الدول. في فندقه المفضل في شارع الحمراء كانت تكثر اتصالاته بنائب، أو بوزير أو بمحلل سياسي لمعرفة الوضع أكثر، ومساء كانت محطته أحد مقاهي بيروت، وفي شوارعها التي يعرفها جيداً وبين ناسها الذين صار يفهم ثقافتهم. زملاؤه في فلسطين وأصدقاؤه في لبنان يذكرون دائماً تلك "الروح المرحة" التي يتمتع بها، وقد نقلت إدارة "لو فيغارو" أن مالبرونو ترك بغداد فجر الجمعة الماضي متجهاً إلى النجف ثم اختفت أخباره. وكان آخر مقال أرسله شينو إلى "راديو فرانس أنترناسيونال" في عنوان "الإنذار الأخير لمقتدى الصدر" وتمت إذاعته الأسبوع الماضي. نجح شينو ومالبرونو في عكس صورة حقيقية عن الصراع العربي - الإسرائيلي وعن الوضع العراقي قبل الحرب وبعدها، ولم يبديا يوماً تأييداً للديكتاتور العراقي السابق ولم يؤيدا الحرب الأميركية على العراق، لكنهما في المقابل أصرّا على تأدية مهمتهما الصحافية على أكمل وجه فلم يقولا إلاّ ما يمليه عليهما الضمير والأمانة الصحافية. لم يقتصر عملهما على المقالات المرسلة الى المؤسسات التي يتعاونان معها، بل استغلا معرفتهما بالمنطقة لإصدار الكتب عنها، وهي كتب على درجة كبيرة من الحياد والموضوعية، لكنها ثرية بما تتضمنه من معلومات جديدة ورؤية عميقة، بشهادة النقاد الفرنسيين والعرب. وأشهر ما كتبه مالبرونو كتاب "من الحجارة إلى البنادق، أسرار الانتفاضة" الصادر عام 2002، وكتب مع شينو "عراق صدام حسين، بورتريه كامل" الصادر عام 2003، كما أصدر شينو بالتعاون مع الصحافية جوزفين لاما كتاباً عام 1998 في عنوان "فلسطينيو 1948-1998، جيل الفدائيين"، وله كتاب في عنوان "الصراع حول المياه في الشرق الأوسط" صدر عام 1993.