وافقت الدول ال147 الأعضاء في منظمة التجارة الدولية، أمس الأحد، على تحريك المفاوضات في شأن تحرير المبادلات التجارية الدولية، بعدما توصلت الدول الغنية والدول الفقيرة إلى اتفاق في شأن الزراعة. وقال خبراء في التجارة ان الاتفاق الذي أُبرم أمس لانقاذ محادثات التجارة يعزّز الآمال في تجارة زراعية"أكثر عدلاً"ويدعم الثقة في الاقتصاد العالمي. وبعد خمسة أيام من المفاوضات الشاقة في مقر المنظمة في جنيف، أقر المندوبون الاتفاق ليل السبت - الأحد وسط تصفيق الحضور، بعد دقائق من موعد انتهاء المهلة المحدّدة في 31 تموز يويو، أي أول من أمس، للتوصل إلى الاتفاق. وقال المدير العام للمنظمة، سوباشاي بانيتشباكدي:"انها لحظة تاريخية لمنظمتنا". وينص الاتفاق، للمرة الاولى، على فتح مفاوضات لتحديد موعد نهائي لالغاء دعم الصادرات الزراعية في الشمال، وهو الأمر الذي يرى الجنوب انه يدمّر المزارعين في الدول النامية. وحررت النص نحو 30 دولة بعد مناقشات حول الصيغة النهائية استمرت يومي الجمعة والسبت. وتسمح التسوية بوضع"اطار"للمفاوضات التي أُطلقت في الدوحة في نهاية 2001 حول خفض عام للحواجز الجمركية في العالم. وكان يمكن أن يؤدي فشل جديد، بعد الذي شهده مؤتمر كانكون المكسيك في أيلول سبتمبر الماضي، إلى ارجاء اختتام دورة الدوحة بكل جوانبها العملية الأرقام والبرامج الزمنية لتنفيذ الاتفاقات...، إلى ما لا نهاية. ويُفترض أن تختتم دورة الدوحة نظرياً قبل نهاية السنة الجارية. لكن الدول الأعضاء في المنظمة قررت ارجاء ذلك إلى أجل غير مسمى. وينص الاتفاق على أن"تضاعف الدول جهودها"للتوصل إلى نتيجة، تمهيداً للمؤتمر الوزاري المقبل الذي سيُعقد في هونغ كونغ في كانون الأول ديسمبر 2005. وشدد سوباشاي على الانعكاسات الايجابية للاتفاق على السكان الأكثر فقراً في العالم. وقال ان"المزارعين سيملكون وسائل أكبر لتصريف منتجاتهم في الأسواق الدولية، وسيؤدي الغاء دعم الصادرات إلى مكاسب أكبر لهم". وأضاف ان الاتفاق في شأن رفع الحواجز الجمركية أمام واردات المنتجات الصناعية سيؤدي إلى"توفير وظائف"، بينما ستترجم المفاوضات حول الخدمات باستثمارات في الدول النامية. وأعربت الدول النامية عن ارتياحها للاتفاق. وقال وزير الخارجية البرازيلي، سيلسو اموريم، انه يشكل"بداية نهاية دعم الصادرات الزراعية". من جهته، رأى الممثل الأميركي للتجارة، روبرت زوليك، ان الاتفاق"خطوة حاسمة من أجل التجارة العالمية"، مؤكّداً ان"مفاوضات منظمة التجارة الدولية أُعيدت إلى مسارها بعد المنعطف الذي شهدته في كانكون". أما المفوض الاوروبي للزراعة، فرانز فيشلر، فقد رأى ان الاتفاق يشكل"تسوية جيدة"للمزارعين الاوروبيين، فيما أكد المفوض الاوروبي للتجارة، باسكال لامي، ان النص"اتفاق جيد لفرنسا"، في إشارة إلى تحفظات عبرت عنها باريس سابقاً. وكانت فرنسا عارضت الجمعة وحدها مشروع التسوية الذي وصفه الرئيس الفرنسي، جاك شيراك، بانه"غير مقبول في وضعه الحالي"، معتبراً انه متساهل جداً مع دعم الصادرات الزراعية الأميركية. إلا ان فرنسا انضمت ليل السبت - الأحد إلى الاتفاق. وقال الوزير المنتدب للتجارة الخارجية فرانسوا لوس، ووزير الزراعة ايرفي غايمار، ان"التسوية مرضية ومتوازنة وتشكل خطوة مهمة على طريق المفاوضات التي فتحت في الدوحة في 2001". ورأى الوزيران في بيان مشترك ان"النص الذي تم التوصل إليه يقدم تحسينات كبيرة في القطاع الزراعي حسب الرغبة التي عبر عنها بالاجماع الوزراء الاوروبيون في اجتماعهم الأخير في بروكسيل"، الأسبوع الماضي. ومقابل تنازلات في الملف الزراعي، حصلت الدول النامية على موافقة لبدء مفاوضات في شأن خفض الرسوم الجمركية على المنتجات الصناعية. ويقول محلّلون انه على رغم ان المفاوضين ما زالوا بعيدين عامين أو عاماً على الأقل عن التوصل إلى اتفاق نهائي، إلا ان اطار العمل الذي أتفقوا عليه أمس يفتح الباب أمام"معاهدة طموحة"لخفض الرسوم الجمركية على المنتجات الزراعية والصناعية. وأضافوا انه يمهّد أيضاً لخفض"جوهري"في الدعم الذي تقدّمه الدول الغنية لمزارعيها، ويسهّل على المصارف وشركات التأمين وغيرها من المؤسسات العاملة في صناعة الخدمات، العمل عبر الحدود. ويهيئ الاتفاق المؤقت الساحة أمام إبرام اتفاق جديد في شأن اجراءات الجمارك التي لم يتم تحديثها منذ الأربعينات. ونجاح هذا الأمر قد يقلص فترات التأخير في عمليات الشحن البحري التي يقول البعض انها ترفع كلفة الأعمال في بعض الدول بنسبة 5 في المئة. وقال غاوين كريبكي من مجموعة"اوكسفام"الخيرية للتنمية انه يرحب بالاتفاق المؤقت، على رغم انه جاء"قاصراً"في عدد كبير من المجالات. وأضاف:"كنا نود أن نشاهد تعهدات أقوى بالاصلاح من الدول الغنية وضغوطاً أقل على الدول الفقيرة لتقديم تنازلات". ويولي إطار العمل اهتماماً خاصاً لبرنامج القطن الأميركي الذي تسلطت عليه الأضواء منذ أكثر من عام بسبب شكاوى دول في غرب أفريقيا من تضرر مزارعيها نتيجة الاعانات الكبيرة التي يتلقاها المزارعون الأميركيون. وعلى رغم ان المفاوضين الأميركيين عرقلوا مطالب دول غرب أفريقيا بإجراء محادثات منفصلة في شأن القطن، فقد أبرز النص هذه السلعة على أنها نموذج لكيف يمكن أن يتضرر العالم النامي بسبب اعانات الدول الغنية. وقال خبير في سياسة التجارة الزراعية، طلب عدم نشر اسمه، ان مزارعي القطن الأميركيين سيشكون من تعرضهم لضربة قاسية. لكنه أوضح ان اطار العمل يوفر مرونة كافية للولايات المتحدة لتخفيف الأمر على المزارعين.