أول من أمس، كان الطابق الثاني الخاص بالموسيقى في متجر "فيرجن ميغاستور" البيروتي، يعجّ بحركة غير عاديّة. وكانت شاشات الفيديو تبث ثلاثة كليبات متلاحقة، مختلفة كثيراً عمّا نشاهده عادة في هذا المكان من انتاجات عالميّة. ثلاثة كليبات "محليّة" لثلاثة فنانين لبنانيين يغردون خارج سرب الاغنية العربية السائدة، وكلّ منهم كان يحتفل ذلك المساء باطلاق عمله الجديد، عن شركة أسطوانات تبحر بدورها عكس التيار... المناسبة كانت إذاً أشبه بإعلان ولادة شركة أسطوانات جديدة في بيروت، هي "فوروارد ميوزيك". تراهن هذه الشركة التي يشرف عليها الثنائي غازي عبد الباقي موسيقي وكارول منصور سينمائيّة، على الابداع المغاير، وموسيقى الشباب، وتهدف الى تشجيع أنماط جديدة مبدعة، مازجة بين تيارات متعددة، تنهل من معين التراث العربي، وتتحاور في الآن نفسه مع موسيقى العالم. ويبدو توجهها واضحاً من خلال خياراتها الأولى إذ تصدر أعمالاً لكلّ من زياد سحاب "عيون البقر" وبول سالم "مدينتنا" وغازي عبد الباقي "بلاغ رقم واحد"، وأيضاً من خلال التأنّي الواضح على مستوى الشكل الفنّي لكل من الأسطوانات الثلاث. في "فيرجن ميغاستور" كان حشد من الشبان - والأقل شباباً - يتدافعون لتوقيع الاسطوانات التي اشتروها، ويتابعون على احدى الشاشات الكثيرة المزروعة في المكان نماذج من الاعمال الثلاثة تصوير كارول منصور. وإذا كان زياد سحّاب بات يحتل موقعه على الساحة الفنية، بفضل حضور متنوّع الأشكال راجع المقالة عنه في مكان آخر من الصفحة، وإذا كان غازي عبد الباقي معروفاً في الأوساط الفنية والموسيقية منذ سنوات، فإن وجود بول سالم بين الفنانين أثار دهشة كثيرين. خصوصاً الذين يعرفون نشاطاته في مجال البحث والعمل الميداني التنموي والمؤسسات غير الحكومية. لكن سالم الذي يقيم علاقات سريّة مع الموسيقى، ويعرف آلات عدّة لا يخوض تجربته الأولى، إذ سبق أن أصدر عام 1998 أسطوانة أولى بعنوان "سماء". ويواصل هنا مزج المصادر من موسيقى عربية وجاز كلاسيكي وموسيقى برازيلية بوسانوفا... وتتمحور مقطوعات اسطوانته الجديدة حول بيروت... "مدينتنا"، وهو عنوان الأغنية التي يؤديها من كلمات الشاعر نزار قبّاني "مدينتنا، بحمد الله/ راضية بما فيها.../ ومن فيها.../ بآلاف الأموات تعلكهم مقاهيها ... مدينتنا بلا حبّ/ بلا امرأة تمنحها معانيها". ونزار قباني حاضر أيضاً - بعيداً من الكليشيه الذي حشره فيه كاظم الساهر - في أسطوانة غازي عبد الباقي "بلاغ رقم واحد"، وهي الثالثة له بعد "Bare necessity, Crucial" 1994 و"بيروت سالسا" 1999. هذا العمل قائم أيضاً على الدمج الموسيقي بين مراجع عدّة تراوح بين البوسانوفا والريغي وال.... Rap أغنية "ريدها" اللافتة. والى جانب قصيدة نزار "الوصية"، لا يتردد عبد الباقي في تلحين قصيدتين "كلاسيكيتين" لإيليا أبو ماضي، احداهما: "قال السماء كئيبة وتجهّما/ قلت: ابتسم يكفي التجهّم في السما". ونصل أخيراً الى زياد سحّاب الذي يخرج تدريجاً من وضعيّة "الطفل المعجزة" و"اليساري الغاضب"، ليسلك منحىً فنياً متماسكاً، ويفاجئ الجمهور ببعض الأغنيات التي سيرددها طويلاً، وبعضها من كلمات الشاعر المصري الكبير صلاح جاهين، اضافة الى كلمات سحّاب التي تشارك في غنائها ياسمينا فايد.