فيما نفت مصادر رسمية ما تردد في بعض وسائل الإعلام عن هجرة اعداد كبيرة من المسيحين العراقيين الى سورية والأردن في أعقاب التفجيرات التي تعرضت لها اخيراً كنائس في بغداد والموصل، تحدى قساوسة العراق مستهدفي دور عبادتهم بمواصلة أداء طقوسهم الاسبوعية، لكن مخاوف من وقوع هجمات أخرى خفضت عدد المصلين الى النصف تقريباً. ورأى الأسقف الكاثوليكي انطونيو اتاميان في الكنيسة الارمنية وأمامها سيارة محترقة مقلوبة على جانبها: "دفعنا ثمن محبتنا للعراق من دمائنا". وأضاف فيما تدلى من فوقه قطع زجاج مهشم من نافذة حطمها الانفجار وبقيت صورة قديس أرمني سالمة: "قلقين من موت مبادئ المحبة والتراحم التي تشكل روح العراق وليس من موت الجسد". وكان 11 شخصاً قتلوا في هجمات استهدفت خمس كنائس، ما أثار أجواءً من الهلع وسط ابناء الطائفة المسيحية الذين يبلغ عددهم حوالي 800 ألف نسمة. وقال مصلون في الكنيسة ان ثلث الذين اعتادوا حضور القداس جاؤوا الى الكنيسة الأحد، في ما يعتبر مخالفاً بشدة لعادات المسيحيين العراقيين الذين يفخرون بقوة ايمانهم. وأضاف آخرون وهم يغادرون الكنيسة التي يعلوها برج مهيب وتتميز بأقواسها الراسخة، ان لا مكان للأمن في بغداد حيث تدوي أصوات قذائف الهاون والصواريخ، فور غروب الشمس معظم الايام. ورأت ماي يوسف 46 عاماً التي صممت الزجاج الملون الذي تهشم في الانفجار: "ماذا يمكننا أن نفعل... ففي منازلنا نسمع كل مساء الانفجارات وهذا هو الحال في كل مكان". وقضت الانفجارات التي استهدفت الكنائس الاسبوع على أمل المسيحيين في تفادي هجمات مثل التي تعرضت لها بعض المساجد العام الماضي في محاولة لتفجير صراع طائفي. وتنامت مخاوف المسيحيين من مختلف الطوائف ومن بينهم الأرمن والآشوريون والكلدان، من استهدافهم على خلفية ايمانهم. وفي الكنيسة الكاثوليكية السورية حيث تجمع العمال لاصلاح الاضرار الناجمة عن تفجير سيارة ملغومة، لم يحضر سوى 70 مصلياً القداس الذي أقيم في قاعة مجاورة مقارنة بألف اعتادوا حضور قداس الاحد. وقال الأب رافائيل قطامي: "لا يحضرون كما كانوا يفعلون من قبل". وحض قساوسة العراق المسيحيين على مقاومة اغراء مغادرة البلاد للانضمام الى نظرائهم في دول أخرى مثل سورية، خوفاً من نزوح جماعي مسيحي قد يقوض مجتمعهم. وقال بيتر حداد في كنيسة ماري في بغداد حيث تعرت القوائم الخشبية في مقصورة الكنيسة خلال القداس الذي لم يحضره سوى عدد محدود: "لن نهرب من العراق ودماؤنا اختلطت بدماء الشهداء العراقيين"، مضيفاً: "اننا مسلمون ومسيحيون قلوبنا وجهودنا موحدة في هذا البلد وعلى هذه الارض". وبالنسبة الى مسيحيين مثل ليون ترزيان 72 عاماً وهو معماري صمم الكنيسة الأرمنية على غرار معابد عبدة النار لما قبل المسيحية، فقوّت الهجمات من إيمانه. ويقول وهو واقف قرب مذبح مزين بالورود الحمراء: "بعد كل مشكلة يتضرع الانسان الى ربه ويصلي...المسيحيون لا يسعون للانتقام بل يسامحون". في هذا الاطار، أكد بطريرك الكلدان في العراق مار عمانوئيل دلي في حديث الى "الحياة" عدم وجود هجرة مسيحية منتظمة، لافتاً الى ان اعداداً من العائلات الموسرة غادرت لقضاء فصل الصيف ليس غير. وأضاف ان الهجرة قائمة منذ سنين، لكن ليس بسبب الاحداث الاخيرة، ولا بالأرقام المتداولة اعلامياً. وعن تضاؤل عدد المصلين في قداس الاحد الماضي، رأى البطريرك دلي انه يعود الى "الصدمة التي سببها الأحد السابق يوم التفجيرات"، مشيراً الى ان "التوتر الامني يسود جميع مناطق العراق، ويؤثر في حركة الناس". وقال: "شجعنا الجميع على البقاء لأننا أخوة وأبناء هذا البلد، ونصلي من اجل ان يهدي الله الذين قاموا بمثل تلك الاعمال التي لا تسيء الى المسيحيين وحدهم، بل الى اخوانهم من المسلمين الذين جمعتنا واياهم وحدة الوطن... فالدين لله والوطن للجميع". واكد البطريرك دلي انه زار أخيراً دولاً تقطنها جاليات مسيحية عراقية مهاجرة، وقال: "وجدت ان 95 في المئة منهم غير مرتاحين الى وجودهم هناك، ويتطلعون الى اليوم الذي يعم فيه الامن والاستقرار بلدهم العراق ليعودوا اليه ويستأنفوا حياتهم فيه". وجاء ذلك فيما أكد مصدر مسؤول في "الحركة الديموقراطية الاشورية" ان "المسيحيين من أبناء شعبنا العراقي في الخارج متلهفون للعودة الى العراق"، مضيفاً: "عاد كثيرون منهم في الشهور الماضية واشتروا دوراً وعقارات، تمهيداً لعودتهم الى بلدهم الذي تعود جذروهم فيه الى سبعة آلاف سنة".