بغداد - أ ف ب - احتفل مسيحيو العراق بعيد الميلاد أمس وسط دعوات لإحلال السلام في بلاد قتل فيها العشرات قبل أيام في هجمات وترافقت مع أزمة سياسية تزيد يوماً بعد يوم من حدة التوتر الطائفي. وفي كنيسة «سيدتنا للقلب الأقدس» في شرق بغداد، تجمع مئات المصلين للمشاركة في قداس صباحي استمر حوالى ساعة ونصف الساعة، وهو واحد من ثلاثة تجمعات دينية تنظمها الكنيسة لمناسبة عيد الميلاد. وخارج الكنيسة، كانت ست سيارات للشرطة وآلية للجيش تؤمن الحماية للمصلين، إلى جانب العديد من أفراد الشرطة الذين ظلوا يجوبون الشارع المقابل لمكان التجمع طول فترة القداس بينما انتشر عناصر آخرون من الشرطة على سطح الكنيسة. وقال أسقف الكلدان في بغداد شليمون وردوني إن «المؤمنين المسيحيين لديهم مخاوف ككل العراقيين». وأوضح: «هم يشعرون بأن السلام مفقود، وكذلك الأمن، لذا يتوجهون إلى حيث يستطيعون العيش بسلام». وتابع: «لا نوافق على ذلك ولا نريدهم أن يغادروا، لكنهم يقولون لنا: إذا قررنا عدم الذهاب، فهل تضمنون لنا سلامتنا وعملنا ومستقبلنا؟». وقال وردوني: «نحن لا نستطيع أن نضمن سلامتنا، فكيف نضمن سلامتهم؟ الحكومة أيضاً لا تستطيع أن تضمن سلامتهم، فكيف نضمن نحن سلامتهم؟ هذه هي المعضلة الأساسية». ووصف الهجرة بأنها «مرض مؤذ جداً، ومعد أيضاً». وذكر الأسقف أنه يريد لأبرشيته «أن تصلي لكل العراق حتى يصبح أكثر هدوءاً وأكثر سلاماً وأكثر اختلاطاً وتحاوراً بين السنة والشيعة والمسيحيين». وألغى وردوني قداساً كان يفترض أن يبدأ منتصف ليل السبت - الأحد بسبب المخاوف الأمنية بعد تفجيرات الخميس التي قتل فيها 60 شخصاً في أنحاء بغداد، في أسوأ هجمات منذ آب (أغسطس) حين قتل 78 شخصاً في يوم واحد. وبعكس السنوات الماضية، لم يبث المسجد القريب من الكنيسة آيات قرآنية عبر مكبرات الصوت خلال القداس. وقالت الصيدلانية نبراس نعمة (30 سنة): «جئنا إلى هنا والخوف يعترينا، إلا أننا نقوم بواجب لا مفر منه». وأضافت: «لا نريد أن تفرغ الكنائس من مصليها بسبب الخوف»، مشيرة إلى أنها لا تتمنى مغادرة العراق إلا أن «العنف المستمر والوضع الأمني السيء قد يجبرني على ذلك». وفي كركوك (240 كلم شمال بغداد) حيث يتواجد عدد كبير من المسيحيين، ألغيت أيضاً قداديس منتصف الليل، وقال رئيس أساقفة كركوك والسليمانية للمسيحيين الكلدان المطران لويس ساكو: «نحن قلقون من الوضع الأمني». وبلغت أعداد المسيحيين في العراق حوالى مليون نسمة قبيل 2003، إلا أنها تراجعت اليوم وتدنت إلى حوالى 400 ألف نسمة يتوزعون خصوصاً على المحافظات الشمالية والعاصمة بغداد، وفقاً لأرقام الكنائس ومراكز الأبحاث. وتعرض المسيحيون خلال السنوات الماضية إلى هجمات دامية عدة. ويقول ساكو إن 57 من بين نحو 170 كنيسة ودار عبادة استهدفت في العراق منذ 2003 وحتى اليوم، فيما أدت هذه الهجمات إلى مقتل 905 مسيحيين وإصابة أكثر من ستة آلاف بجروح. وقتل في تشرين الثاني (نوفمبر) من العام الماضي 44 شخصاً في عملية تفجير نفذها تنظيم «القاعدة» في كاتدرائية في بغداد، في أكبر اعتداء على المسيحيين في العراق حمل المئات منهم على الرحيل. كما تعرضت كنيسة وردوني إلى هجوم بسيارة مفخخة كان يقودها انتحاري في 12 تموز (يوليو) 2009، ما أدى إلى مقتل أربعة وإصابة 21 بجروح. ويأتي الاحتفال بالميلاد هذا العام بعد أيام من إكمال القوات الأميركية انسحابها من البلاد، في ظل صراع مسلح دام مستمر منذ نحو تسع سنوات قتل فيه عشرات الآلاف، وشهد بين عامي 2006 و 2007 حرباً طائفية بين السنة الشيعة حصدت أرواح الآلاف.