يوماً بعد يوم تثبت المخرجة اللبنانية نادين لبكي مقدرتها على النجاح وتقديم صور جديدة تتجاوز النمطية القديمة لكليبات الفنانين العرب، كاشفة عن قدرات عالية على رغم حداثة سنها تؤهلها لأن تتجاوز هذه التجربة مستقبلاً لتجربة اكثر عمقاً ومهنية، ألا وهي الاخراج السينمائي للأفلام الطويلة او القصيرة. نجاح نادين لبكي لم يكن مؤسساً على أرضية نانسي عجرم، ولم تكن نانسي هي طريق لبكي للنجومية، بل العكس هو الصحيح. فلولا مخرجة ذات رؤية وحس فني عال تعرف من خلاله كيف تتعامل مع العدسة، وكيف ترسم للفنان الذي امامها شخصيته المناسبة وتختار له "اللوك" المتلائم معه، لا مجرد ملء المشهد البصري بمجموعة من الاجساد والفتيات الشقر، لولا كل ذلك لما كان لنانسي كل هذا الحضور وهذه الشهرة بلحظ امكاناتها الموسيقية والغنائية المتواضعة، او لنقل العادية التي تتشابه فيها مع أي مطربة أخرى. كليب الفنان اللبناني يوري مرقدي الأخير "بحبك موت" يأتي في سياق الحديث السابق. فمن خلال هذا الكليب استطاعت لبكي ان ترسم صورة جديدة لمرقدي تختلف عن صوره السابقة. في اغانيه السابقة كان مرقدي محاصراً بصورة محددة لا يخرج عنها، بل يُنوع ضمن اطارها، غير قادر على كسرها او تجاوزها، ما ادخله في نمطية رتيبة اخذ معها في الخفوت تدريجاً، بل حتى في أوج شهرته كان مقصوراً على فئة محددة ذات طابع شبابي أقرب للصورة الغربية منها للشرقية. الصورة السابقة استطاعت لبكي تجاوزها وبمهارة. وجعلت لمرقدي حضوراً جذاباً، ينشدّ اليه المستمع الشاب، والمستمع الكلاسيكي في الوقت نفسه كونهما يتقاطعان معاً في كليب "بحبك موت". قد يكون الكليب مسبوقاً في فكرته، بخاصة في الأفلام الاميركية والمصرية الكلاسيكية. وهي فكرة ألفها المشاهد المحب للأفلام الرومانسية والغنائية، حيث المغني الشاب الوسيم الذي تحتشد حوله الصبايا يبتغين محبته، ويحلمن بقبلة منه او اشارة او نظرة او وردة بيضاء يقدمها لهن. الصورة السابقة نجدها في أفلام الراحل عبدالحليم حافظ. ولبكي بعملها هذا تعيدنا لتذكر اسلوبها الفني في العمل القائم على التقاط مشاهد سريعة وقصيرة من افلام سابقة وإعادة انتاجها من جديد برؤيتها الخاصة المتناسبة مع شخص كل فنان او فنانة. وهي في ذلك تذكر بعمل كثير من الموسيقيين حينما يأخذون لحن اغنية ما ويقومون بإعادة توزيعها في شكل جديد، بحيث لا يعود هذا اللحن نسخة طبق الأصل للحن السابق، وإنما يغدو لحناً قائماً بذاته لا يدين لسابقه سوى بالأصل، من دون استمراريته. كلمات فيديو كليب "بحبك موت" عادية ومطروقة بكثرة، وبسيطة جداً، لكنها أتت متناغمة والعمل الفني ككل. فالكليب لا يمكن ان يقوم جزء منه بذاته من دون الآخر، لأننا نتحدث عن عمل متكامل، وليس عن مشهد بصري ثانوي تجميلي للموسيقى والغناء او العكس. ما يعني ان جميع العناصر يجب ان تتكامل مع بعضها بعضاً لتعطينا في النهاية عملاً ذا بنية عضوية متجانسة لا نفور بين اجزائها. الفتيات الأرستقراطيات، الفتى الوسيم ذو الصوت الجميل، الحس الرومنطيقي، كلمات العشق والحب، الوجد الزائد من الفتيات، توزيع النظرات والحب على الحضور، كل تلك المفردات نجدها في كليب مرقدي تتجاور مع بعضها بعضاً لتمتزج في رؤية فنية واحدة، على رغم المكان ومحدودية اللحظة الزمنية، ومحدودية اللقطات الدرامية، ومحدودية المشاهد، الا ان ذلك لم يمنع ان يكون الكليب ناجحاً، طالما كان مبنياً على رؤية محددة ومدروسة بعناية. يوماً بعد يوم تثبت نادين لبكي نجاحها، وهو نجاح ربما يكون مدخلاً لتغيير في النمطيات السائدة في التعامل العربي مع الفيديو كليب، وتحريره من سيطرة "الغرائزية" الفجة، لمشهدية أكثر امتاعاً للمشاهد مهما كان مختلفاً.