توقفت قبل يومين أمام خبر في "التايمز" اللندنية شغل صفحة كاملة عنوانه: "الحملة السعودية ضد الارهاب في خطر" وتحته "أجهزة الاستخبارات تسلل إليها متعاطفون مع القاعدة والعمليات العسكرية تنتشر الى دول مجاورة". المقال ينسب المعلومات الى "مسؤولين عرب وغربيين" لا يسميهم، وقد كتبه ثلاثة هم: ريتشارد بيستون ودانيال ماغرغوري ورنا صباغ غرغور. وأعرف الأول من هؤلاء، وهو صحافي قدير، وكنت عرفت والده في بيروت قبله، و"التايمز" جريدة نافذة جداً. مع ذلك عندي ملاحظات: أولاً، ان الموضوع نشر كخبر، الا انه تعليق أو تحليل، فهو منطقي، ولكن لا يوجد "مسؤولون عرب وغربيون" يعرفون الاستخبارات السعودية من الداخل ليعرفوا انها مخترقة. ثانياً، لم تنتشر العمليات بعد الى بلدان مجاورة، فهناك محاولات، الا انها كلها أحبطت، والتسلل من كل البلدان الى بعضها بعضاً، وليس فقط من السعودية. ثالثاً، هناك تنسيق كبير بين دول الجوار، وهذه معلومة لا رأي، وعندما كنتُ في البحرين قبل شهرين، وقبل كل حديث لاحق عن تهديدات ارهابية ورحيل بعض الأميركيين، سمعت مباشرة من الملك ورئيس الوزراء ووزير الخارجية عن التنسيق الأمني مع السعودية، ورئيس الوزراء الشيخ خليفة بن سلمان قال لي ان أمن البحرين من أمن السعودية لذلك فالتنسيق بينهما قائم ومستمر. رابعاً، هناك تنسيق ايضاً مع أجهزة الأمن الغربية، وهذه ايضاً معلومة من وزير الداخلية السعودي الأمير نايف بن عبدالعزيز اليّ مباشرة. خبر "التايمز" يظل معقولاً، غير ان أمامي أخباراً أخرى وتعليقات تجمعت لي من دون طلب، وتجعلني أشعر بأن وراء الأكمة ما وراءها. سورية تتردد كثيراً في الأخبار هذه الأيام، و"الصنداي تلغراف" الصهيونية نشرت الأحد الماضي خبراً في صفحتها الأولى عنوانه "الحكومة العراقية الجديدة تتهم ايران وسورية بدعم المتمردين"، غير ان وزير خارجية العراق هوشيار زيباري الذي بنت الجريدة خبرها على أساس مقابلة خاصة معه تحدث عن وجود معلومات استخبارات عن دعم دول مجاورة المتمردين، الا انه لم يذكر اسم أي دولة، فتطوعت الجريدة بتسجيل اسمي سورية وايران لأن ذلك يناسب هواها. رأيي، وهو هذه المرة رأي لا معلومات، هو ان هناك تسللاً من ايران وسورية، ومن كل بلد مجاور، ومن بلدان حول الكرة الأرضية عبر دول الجوار، فالاحتلال الأميركي حوّل العراق الى مغناطيس يجتذب الارهابيين، وكل القوى المعادية للولايات المتحدة على حساب العراق وشعبه. وكانت "التايمز" سبقت التلغراف بيوم، وخصصت صفحة كاملة لأخبار تسرّب مقاتلين من سورية، وحديث عن "اهتزاز" النظام في دمشق. سورية وايران تقدران أبعاد الحملة عليهما وأسبابها ومن يقف وراءها، ولا بد من ان الرئيس بشار الأسد والرئيس محمد خاتمي راجعا الوضع بدقة في اجتماعهما في طهران هذا الاسبوع. الموضوع ليس جديداً، فعصابة الشر الاسرائىلية في الولاياتالمتحدة تسعى الى اثارته منذ زمن. والمعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي، الذي أُرسل جاي غارنر منه الى العراق، نشر في 19 أيار مايو الماضي مقالاً يتهم سورية بدعم التمرد على التحالف في العراق، وبتكديس أسلحة دمار شامل، وهي تهم اسرائىلية خالصة لا أسأل معها سوى هل مصادر المعلومات هذه هي المصادر ذاتها التي قالت ان في العراق أسلحة دمار شامل؟ المعهد اليهودي هذا، وهو اسرائىلي بالكامل عاد في الرابع من حزيران يونيو الماضي بموضوع مماثل عنوانه "سورية والعراقوالولاياتالمتحدة: عاصفة قادمة". وكرّر الأكاذيب التي سمعناها في وقت سابق من هذه السنة، ومنذ احتلال العراق. متابعة أنصار اسرائيل تفيد في أمر أساسي، هو معرفة توجّه السياسة الأميركية بعد شهر أو أشهر، لأن المحافظين الجدد أصحاب الولاء الواحد لاسرائيل يفرضون في النهاية مواقف اسرائيل على الادارة. وهكذا أقرأ عن المملكة العربية السعودية، وسايمون هندرسون، من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، وهو لوبي اسرائيلي آخر، كتب مقالاً بعنوان: "لماذا يموت الأميركيون في الرياض"، لم يأتِ مرة واحدة على ذكر الحقيقة، وهي ان التأييد الأميركي لحكومة مجرمي الحرب في اسرائيل هو السبب الأول والأهم للحملة الارهابية على الولاياتالمتحدة ومواطنيها، وهي حملة أدينها بالمطلق وأرفض أي تبرير لها. وبما ان جماعة اسرائيل يلغون من أناء واحد، فإن المعهد اليهودي نشر في الوقت نفسه من الشهر الماضي مقالاً عنوانه "الارهاب المتعلق بالنفط يزداد" وتحته "لماذا يفر العاملون الغربيون من السعودية؟". ولا يمكن لمثل موضوعي هذا ان يغفل مطبوعة "ويكلي ستاندارد" الناطقة باسم المحافظين الجدد، وما تبث من سموم، وأمامي مقال عنوانه: "ادفعوا بمعنى ادفشوا، أو اضغطوا على الامراء" هو تحريض سفيه على الحكومة السعودية، فهو يتهم المملكة العربية السعودية، وهي الهدف الأول للارهاب هذه الأيام، بأنها تشجع على الارهاب. وطبعاً فلا كلمة واحدة عن اسرائيل وارهابها وجرائم حكومتها. فمن أهداف الحملة على ايران أو سورية أو السعودية، وأي بلد عربي أو إسلامي آخر هو تحويل الانظار عن حيث يدبر الارهاب ويمارس.