عقد "البلاشفة" الروس مؤتمرهم السنوي في موسكو أمس على ضوء الشموع بعدما قطعت "قوى معادية" التيار الكهربائي عنهم، وأعلنوا تصميمهم على مواصلة القتال لإحياء السلطة السوفياتية، فيما اتهمهم "المناشفة" بالجمود والتحجر ونظموا مؤتمراً موازياً في أسوأ انقسام يواجهه الحزب منذ إعادة تأسيسه بعد سقوط الامبراطورية الشيوعية. ووصل الصراع الداخلي في صفوف الشيوعيين الروس إلى ذروته، عندما تحول المؤتمر العاشر للحزب الذي قام على أنقاض الحزب الشيوعي السوفياتي إلى مؤتمرين تبادلا الاتهامات. إذ تجمعت غالبية الحزب حول زعيمه غينادي زيوغانوف الذي عاد إلى قاموس ستينات القرن المنصرم معلناً استمرار "الحرب على الإمبريالية" وداعياً إلى "تأسيس أممية جديدة تناهض العولمة" التي وصفها بأنها "أخطر تجليات الإمبريالية". وتلا زيوغانوف خطابه وسط المئات من أعضاء المؤتمر الذين احتشدوا في قاعة مظلمة بعد انقطاع التيار الكهربائي عنها، وقرأ تقريره إلى المؤتمرين على ضوء بطارية جيب متهماً "قوى معادية للحزب" بمحاولة إطفاء نوره. وغدا المؤتمر الذي غاب عنه عدد من رموز الحزب الشيوعي المعروفين تظاهرة تضامن مع زيوغانوف بعدما اتهمه "المنشقون" بالجمود وحمّلوه مسؤولية الإخفاقات المتتالية للحزب خلال السنوات الأخيرة. لكن أكثر وفود المؤتمر دعت إلى تجديد انتخاب زعيم الحزب الذي قال إن الصراع الداخلي يدور بين وجهتي نظر، تدعو إحداهما إلى التخلي عن النظرية الشيوعية والعمل تحت واجهة ديموقراطية اشتراكية لا تترك من تراث الحزب إلا اسمه، فيما تصر الأخرى على الالتزام بمذهب الماركسية والمحافظة على هويته الطبقية ومواصلة العمل من أجل "ثورة اشتراكية ما برحت إمكاناتها متوافرة". وخاطب زيوغانوف أنصاره قائلاً إن الحزب الشيوعي يواجه تحدي أن يكون أو لا يكون. واللافت ان الزعيم اليساري الذي أكد أن الحزب لن يتراجع عن مبادئه الأساسية وسيظل قائداً للمعارضة اليسارية في روسيا استعار جزءاً من خطاب القوميين الروس عندما قال إن أيديولوجية الحزب تقوم على الجمع بين النظرية الاشتراكية العلمية والروح الوطنية للروس، مشدداً على أن المهمة الأساسية أمام الحزب حالياً "إنقاذ الشعب الروسي وضمان تمثيل أوسع لأبناء القومية الروسية في مؤسسات الدولة وقطاعات الأعمال والميادين الثقافية والإعلامية"، وهو ما اعتبره البعض إشارة إلى سيطرة اليهود على غالبية هذه القطاعات. ويعد انشقاق الحزب الشيوعي في هذا الشكل أسوأ ضربة توجه إليه منذ إعادة تأسيسه مطلع تسعينات القرن الفائت بعدما شهد خلال هذه الفترة سلسلة إحباطات وتراجعاً في نفوذه بلغ أقصاه في الانتخابات البرلمانية الأخيرة عندما حصل على أقل من 13 في المئة من أصوات الناخبين. وبعيداً من الشعارات، فإن كلمات بعض قادة الحزب كشفت جانباً من الصراع الدائر، إذ اتهم أحد أقطاب الحزب الموالين لزيوغانوف قادة الانقسام بالحصول على رشاوى من "حيتان المال" الروس بهدف إضعاف الحزب، وفي حال صحت هذه الاتهامات فإن الطلاق بين رفاق الأمس قد يفتح ملفات من مصلحة الجميع إبقاؤها مغلقة.