القبض على شخصين في تبوك لترويجهما الحشيش و(9000) قرص "إمفيتامين"    بمشاركة 25 دولة و 500 حرفي.. افتتاح الأسبوع السعودي الدولي للحِرف اليدوية بالرياض غدا    استقالة مارتينو مدرب إنتر ميامي بعد توديع تصفيات الدوري الأمريكي    6 فرق تتنافس على لقب بطل "نهائي الرياض"    أوكرانيا تطلب أنظمة حديثة للدفاع الجوي    مدرب الفيحاء يشتكي من حكم مباراة الأهلي    بحضور وزير الثقافة.. «روائع الأوركسترا السعودية» تتألق في طوكيو    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    أمانة الشرقية تقيم ملتقى تعزيز الامتثال والشراكة بين القطاع الحكومي والخاص    رحلة ألف عام: متحف عالم التمور يعيد إحياء تاريخ النخيل في التراث العربي    دوري روشن: التعادل الايجابي يحسم مواجهة الشباب والاخدود    الهلال يفقد خدمات مالكوم امام الخليج    «الصحة الفلسطينية» : جميع مستشفيات غزة ستتوقف عن العمل    المملكة توزع 530 قسيمة شرائية في عدة مناطق بجمهورية لبنان    اعتماد معاهدة الرياض لقانون التصاميم    منتدى المحتوى المحلي يختتم أعمال اليوم الثاني بتوقيع 19 اتفاقية وإطلاق 5 برامج    «طرد مشبوه» يثير الفزع في أحد أكبر مطارات بريطانيا    انطلاق مهرجان الحنيذ الأول بمحايل عسير الجمعة القادم    فيتنامي أسلم «عن بُعد» وأصبح ضيفاً على المليك لأداء العمرة    شقيقة صالح كامل.. زوجة الوزير يماني في ذمة الله    هل يعاقب الكونغرس الأمريكي «الجنائية الدولية»؟    «الزكاة والضريبة والجمارك» تُحبط 5 محاولات لتهريب أكثر من 313 ألف حبة كبتاجون في منفذ الحديثة    «الأرصاد»: أمطار غزيرة على منطقة مكة    الرعاية الصحية السعودية.. بُعد إنساني يتخطى الحدود    فريق صناع التميز التطوعي ٢٠٣٠ يشارك في جناح جمعية التوعية بأضرار المخدرات    الذهب يتجه نحو أفضل أسبوع في عام مع تصاعد الصراع الروسي الأوكراني    الملافظ سعد والسعادة كرم    "فيصل الخيرية" تدعم الوعي المالي للأطفال    الرياض تختتم ورشتي عمل الترجمة الأدبية    «قبضة» الخليج إلى النهائي الآسيوي ل«اليد»    رواء الجصاني يلتقط سيرة عراقيين من ذاكرة «براغ»    «السقوط المفاجئ»    حقن التنحيف ضارة أم نافعة.. الجواب لدى الأطباء؟    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    د. عبدالله الشهري: رسالة الأندية لا يجب اختزالها في الرياضة فقط واستضافة المونديال خير دليل    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    «استخدام النقل العام».. اقتصاد واستدامة    إجراءات الحدود توتر عمل «شينغن» التنقل الحر    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    فعل لا رد فعل    5 مواجهات في دوري ممتاز الطائرة    ترمب المنتصر الكبير    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    فرع وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية بحائل يفعّل مبادرة "الموظف الصغير" احتفالاً بيوم الطفل العالمي    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    استضافة 25 معتمراً ماليزياً في المدينة.. وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة    «المسيار» والوجبات السريعة    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حميد مجيد موسى سكرتير الحزب الشيوعي العراقي : هذه صورتنا عن الحزب واليسار، عن العراق حكماً ومعارضة وعن... العالم
نشر في الحياة يوم 11 - 01 - 1998

يوم كانت تتقاسم العالم قوتان عظميان الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي ظل العراق في عهدي الولاء للنقيضين يحرّم الشيوعية على أبنائه. ولكن الشيوعيين كافحوا من أجل اثبات وجودهم في ذلك البلد وقدموا الدماء تلو الدماء. ففي عهد الولاء الأول الملكي أُعدم مؤسس الحزب وسكرتيره يوسف سلمان يوسف "فهد" وفي عهد الولاء الثاني الجمهوري اعدم سكرتير الحزب أيضاً سلام عادل.
وتمرّ السنون وإذا بالاتحاد السوفياتي ينهار، وينكمش "المد الأحمر" إن لم نقل يتلاشى، فيتقدم رجل في الخمسينات من أبناء مدينة حمورابي الحلة الفيحاء ليرشح نفسه ومن ثم لينتخب سكرتيراً للحزب الشيوعي العراقي عام 1993، آملاً في ان يعود حزبه لا الى ممارسة النضال السياسي السري كما يمارسه الآن، وانما الى النشاط العلني في عراق ديموقراطي.
إن من يستمع الى سكرتير الحزب الشيوعي العراقي حميد مجيد موسى لا يحسبه يتحدث عن الشيوعية المعهودة، انما يبشر بشيوعية جديدة.
فهو يدين سلوكيات سابقة للشيوعية ويستنكر ممارسات خاطئة، ويدعو الى انفتاح على الآخر، سواء ما يتعلق بتطوير النظرية الماركسية أم بالاستفادة من تجارب الآخرين.
وهو يعتقد بأن ما تتعرض إليه الشيوعية العالمية الآن هي "نكبة" ستتبعها نهضة كبرى لأنه لن يصح في نهاية المطاف إلا الصحيح. والصحيح عنده هو الشيوعية والفكر الاشتراكي، لأنه فكر متفتح وواقعي وديموقراطي. والديموقراطية كما يراها متأصلة في الفكر الشيوعي لا طارئة عليه، إنما تخلى عنها الشيوعيون فترة من الزمن لاعتبارات قهرية ومبررة.
لقد انتقد موسى زيارة سكرتير الحزب الشيوعي الروسي جيوغانوف الى بغداد مثلما انتقد الاقتتال الكردي - الكردي في شمال العراق بالرغم من اقراره بأن حزبه يتسلم اعانات من الحزبين الكرديين المتقاتلين.
واستعرض الكثير من المحطات التاريخية التي مرّ بها حزبه في العراق وخارجه، وتحدث بلغة ملؤها الأمل وإن كان لم يخف ان الشيوعيين كحزب ما زالوا يحلمون ويتأملون!
حميد مجيد موسى زار لندن قبل أيام فالتقاه فائق الشيخ علي وكان هذا الحوار:
كان الاتحاد السوفياتي مثالكم الأعلى ولكنه انهار. فهل ما زلتم تتطلعون الى أمل بديل؟
- كان أملاً. هذه حقيقة. لا لشيءٍ إلا لكونه تبنى فكراً نؤمن به، ونظاماً اجتماعياً نريده. ونعني به الاشتراكية. اما وقد انهار كدولة وكتطبيق، فلا نعتقد بأن المثال او القيم الاشتراكية انهارت. الذي انهار هو الممارسات الخاطئة والتشويهات التي لحقت بالاشتراكية. نحن ما زلنا مؤمنين بأن الاشتراكية هي البديل الانساني والديموقراطي الذي يُؤَمِن لجميع الشعوب العدالة الاجتماعية والحرية والديموقراطية والرفاه، على أساس الانتاجية العليا والتنظيم الأرقى. لذا فما زلنا نحلم، ولكننا نعتقد بأن الآمال والأحلام ستتحقق في الواقع.
إذا كان مثالكم الأعلى مارس تطبيقات خاطئة، فمن - في نظركم - سيمارس التطبيقات الصحيحة، وهل المعوّل عليه هو انتم، مثلاً، في عراق المستقبل؟
- نحن نتحدث بموضوعية وواقعية. كل التجارب البشرية عانت من عثرات وممارسات خاطئة ونواقص. ولذا فإننا نعوّل على الاستفادة من الدروس السابقة، بصحيحها وخطأها، كي نواصل المسير نحو طريق افضل.
لا ندّعي العصمة من الخطأ، ولكننا نسعى الى تجنبه قدر الامكان. نعتقد بأن الاشتراكية هي قَدَرُ البشرية، أو حل لا بديل له. ولاعتبارها نظاماً جديداً فهي تحتمل الكثير من العثرات. والعثرة الكبرى التي حصلت اعطتنا من الدروس والخلاصات ما يجنبنا الكثير والكثير.
الزمن عامل متغيّر. والأخطاء حصلت في زمن مضى. ما الذي سيضمن عدم وقوعكم في أخطاء كبرى مماثلة؟
- نعم… ان نظريتنا المُرشِدة تعتمد في الأساس الفهمَ الجدلي في التطور. ولذلك فهي في طبيعتها ليست جامدة او متحجرة. والتحجر او الركود سِمةٌ سلبية، فرضت عليها من قبل بعض الذين لم يفهموها بعمق. او مارسوها بطريقة مشوَهَّة. فالماركسية تتعامل مع الواقع في حركته وتطوره. فهي اذن متطورة، تغتني وتتطور مع تطوّر الواقع وغنى الحياة.
بديل موسكو… من؟
بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، الراعي الأول للشيوعية في العالم، مَنْ الذي يقوم بدوره الآن؟
- مسألة الرعاية تحتمل الكثير من التفسيرات. هو الحزب الأكبر. هو الحزب الرائد في بناء الاشتراكية. ولكن منذ زمن بعيد، وحتى في عهد الاتحاد السوفياتي، تخلّت الحركة الشيوعية عن مفهوم الحزب القائد والحزب الموَجِّه. وأصرّت - ومن خلال التجربة - جميع الأحزاب على اقامة علاقات متكافئة بين صغيرها وكبيرها. وإذا كانت هذه الممارسة، رغم التشخيص النظري الصحيح لأسس اقامة علاقات سليمة بين الأحزاب، لم تطبق كما يجب، فهي على الأقل الآن وبعد التجربة الماضية وانهيار الدولة، لم يَعُد هناك ما يُمَّكِنُ حزباً من ان يكون قائداً لأحزاب أخرى. العلاقات الآن بين الأحزاب تبنى على أساس المساواة والتكافؤ والاحترام المتبادل.
هل تعتقد بأنه ما زال للشيوعية القُدرة على احداث الثورات او التغييرات في دول العالم، والوصول الى السلطة؟
- نعم وبدون شك. هذه قناعة تنطلق من نفس المنطق الذي اجبت به عن الأسئلة السابقة. لأن الشيوعية كفكر وقيم ومثل، وكبديل لنظام الاستغلال الطبقي والاضطهاد القومي واستعباد الشعوب والاستقطاب، قادرة على ان تُلهِمَ جموع الكادحين بأمل حقيقي وواقعي لبناء حياة الرخاء والرفاه والمساواة والعدالة.
نحن نفهم "الثورات" بمعنى التغيير في العلاقات الاجتماعية وانعطافها، وليس بالضرورة ان تكون هذه الثورات مسلحة. وإن توفرت الظروف لاحداث هذا الانعطاف بطريقة سلمية او برلمانية، فهي المفضلة والمرغوبة من قبل الجماهير والشيوعية نفسها.
يُقال بأن معين الفكر الماركسي والشيوعي قد نَضُبَ الآن. ترى ما هو مستقبل هذا الفكر في نظركم؟
- هذا استنتاج متسرّعٌ، لأن العالم الآن يعيش فترة مخاض صعب ومعقد، مردّه النكبة او الانهيار الكبير للاتحاد السوفياتي وما تركه في النفوس من يأسٍ وجزعٍ وخيبات أمل. ولذلك فإن تفسير ما جرى يحتاج الى وقت وجهد كبيرين لكي نتخلص من ردود الفعل المنبهرة بمفاهيم جديدة لم تثبت صحتها، او المذعورة من انهيار مقولات كنا نعتقدها صحيحة. وبالتأكيد في نهاية المطاف سيتّم تفعيل العقل في الحكم على ما جرى.
وثانياً فنحن أمام تطورات عاصفة وظواهر جديدة. وهي من العمق والتعقيد ما تحتاج الى جهد غير قليل على صعيد التنظير والبحث العلمي والرصد الدقيق، كي نتوصل الى خلاصات تضيءُ لنا الطريق الصحيح.
فليس صحيحاً القولُ بأن التنظير عقيم أو ليس له أفق. انما يواجه مصاعب وتعقيدات، وهذه حقيقة. ولكن باعتقادي لا يمكن للبشرية ان تكفّ عن التنظير، بمعنى البحث العميق في القوانين الموضوعية التي تفسّر الظواهر المرئية. ومن دون التعامل مع هذه الحاجة، فلا حياة ولا تقدم للبشرية. وهي لن تتوقف عند لحظة تاريخية واحدة وتتجمد.
هل تعتقد بأن الشيوعية ستقدم لنا كارل ماركس جديداً مثلاً؟
- يصعب الحديث الآن عن ظهور شخص يستطيع ان يُفلسف ويُنَّظر لكل هذا التعقيد. فالحديث الآن يجري عن "العقل الجماعي". عن مساهمات مجموعات كبيرة من المفكرين والعلماء السياسيين والاقتصاديين والفلاسفة. وهذا يتمثل في قيادات الأحزاب ومراكز البحث واللقاءات الجماعية. في التبادل الحرّ بين المعنيين بشأن الفكر الماركسي وتطويره، والتشاور حول مختلف قضايا العصر. ووسائل كهذه يجري العودة الآن الى ممارستها باعتبارها ظواهر صحيّة، وهي ليست من أساسيات "النكبة". ممارساتها الخاطئة، او بالأحرى شكل ادارتها، هي التي تتحمل الخطأ. اما الآن فالابداع والانفتاح وحرية التفكير هي المعوّل عليها. وهي السائدة والأساس. وهناك ميدان رحب لانتاج نظرية أفضل وأعمق في اطار المنهج الاشتراكي.
وأين نتاجات مَنْ ذكرتهم الآن؟
- انها كثيرة. ولكن بحكم ما أصاب الاتحاد السوفياتي والحركة الشيوعية من مصاعب، فإنها فقدت الكثير من فرصها للنشر العلني. ومع ذلك أقول انها ليست كافية لاستنهاض الفكر الماركسي.
أمثلتها على المستوى العالمي، العديد من الأحزاب، وفي مقدمتها الروس انفسهم والبلغار والتشيك. وعندنا في العالم العربي كثيرون يكتبون منهم: سمير أمين، محمود أمين العالِم، كريم مروّة، فالح عبدالجبار. هذه أسماء بارزة ولامعة، جادة في الدراسات. ويمكن تعداد أسماء أخرى، فضلاً عن وثائق الأحزاب نفسها، والتي تمثل العقل الجماعي. ولكنها للأسف لا تلقى الرواج في كل مكان. ويبدو ان هناك جهات شتى ما عادت تهتم بهذا الفكر لاعتبارات النكسة التي اصابته.
اعتقد ان الأكثر من هؤلاء، هم مَنْ تركوا هذا المجال وبدأوا يُنّظِرون في اطار آخر.
- نعم ان هذه حالة طبيعية. مع كل نكسة تنفض أطراف عن القضية الاطروحة أي قضية، حتى الدينيّة الروحية والسماوية. كل صعوبة او اشكالية كبيرة تتسبب في ترك أناس غير قليلين للقضايا.
سمّى بعضنا هزيمة حرب 1967 بنكسة حزيران يونيو، وإذا بالنكسات تتوالى حتى وصلنا الى ما نحن عليه الآن. انني أخشى من ان ما لحق بالشيوعية هو هزيمة منكرة وليس "نكسة".
- يضحك وما زلنا نعتقد بأن نكسة الأمة العربية رغم طول زمانها، نكسة موقتة باعتبارات التاريخ. ولن يصح إلا الصحيح. لن تستقر الأمور إلا حينما تعود الحقوق الى أصحابها والى نصابها الطبيعي. لا نتانياهو ولا العربدة الأميركية قادرة على الغاء الحق العربي.
نعم يمكن في لحظة تاريخية ان تُفَرض حلول قسرية، ولكن لم يحصل في التاريخ ان كانت حلول كهذه نهائية، أبدية، سرمدية البقاء.
لن يصح إلا الصحيح مثلما تفضلتم. وهل الفكر الشيوعي هو الصحيح؟
- الفكر الشيوعي متفتح، واقعي، موضوعي. تستطيع ان تتحرى جميع علوم الطبيعة. إذ كلها تؤكد المرتكزات الأساسية للشيوعية، وكلها تناقض بعض الاستنتاجات والتفسيرات المثالية الخاطئة. ولكن هناك قضية لا تنطلق من الصح والخطأ. انما تنطلق من المصلحة والمنفعة. هناك مَنْ تصطدم مصلحتهم الطبقية مع استنتاجات الفكر الشيوعي. فبالضرورة هم يرفضونها، حتى لو أقرّت الثابت. 1"1=2 لكنها ستُرفض لأن مصلحة مَنْ له مصلحة تتناقض مع الاقرار بالوقائع. وهذه ليست قضية خاصة بالشيوعية وحدها.
الشيوعية تنص على فرز المجتمع كما هو في واقعه: وجود طبقات منتفعة، غنية، وأخرى فقيرة مسحوقة. فحينما تنتصر الشيوعية للكادحين، شغيلة اليد، للمساواة والعدالة، تصطدم هذه المناصرة بمصالح تتناقض معها تريد ان تؤبِّد الفوارق. لأنه ببساطة لا يوجد غنى وفقر إلا مع وجود الفوارق الاجتماعية.
لو كان ما تفضلت به صحيحاً، لما حصل الآن في العالمين العربي والاسلامي ما يسمى بپ"الصحوة الاسلامية" كرد فعل على فشل كل الطروحات الأخرى؟!
- انا لا أتصور هذه الصحوة ضد الشيوعية. الكثير من معاني وشعارات هذه "الصحوة الاجتماعية" يتطابق مع ما يريده الشيوعيون. الصحوة او التمرّد على القيم السائدة موجّه ضد الحكومات الديكتاتورية. ضد الغنى المفرط والفقر المدقع. موجّه ضد كرامة المواطن، الاستسلام، الخنوع، قوى الشرّ في العالم. ولا يصح ان يوّظف هذا ضد شعارات الشيوعية.
اما وأن الذي تصدّر، فقوة ليست شيوعية او ليست "شيو - ساريّة" فأعتقد اننا ندرك ما حلَّ بالشيوعيين واليساريين من اضطهاد وقمع واعدامات، ومن حرمان من حرية التنظيم والنشاط السياسي العلني.
بالعودة الى لينين
لم أقل انها موجهّة ضد الشيوعية تحديداً، انما أتساءل لِمَ لا تكون هذه الصحوة كأحد افرازات فشل الشيوعية في العالم؟
- يمكن ان يكون هذا الكلام صحيحاً جزئياً. هو أحد افرازات مصاعب أزمة الحركة. لأنها لم تكن في وضع تتمكن فيه من تصدر هذه الاحتجاجات الاجتماعية الهائلة. وهذا ما أشرت له. انها الحركة الشيوعية تعاني أكثر من غيرها من الحرمان وممارسة العمل السياسي العلني والاتصال الحر والاعلام. فضلاً عمّا انتجه انهيار المعسكر الاشتراكي من نتائج سلبية او أزمة موقتة.
بين فترة وأخرى نرى في خطابكم السياسي والاعلامي نعتاً لقوى الاسلام السياسي بپ"قوى الظلام" لماذا يا ترى؟
- من الخطأ الحديث عن اننا ننعت كل القوى الاسلامية بپ"الظلامية". فنحن نميّز بين قوى وأخرى. فمن يعتمد الارهاب وقتل الأبرياء والمدنيين أساساً لعمله. ومن يُكفّر البشر من دون وجه حق، ويعادي الثقافة والمثقفين، والفكر والمفكرين، هؤلاء هم الظلاميون. وإلا ماذا نُسمي ما يجري في الجزائر. فهل هذا هو الاسلام؟ اعتقد ان الكثيرين حتى في القوى الاسلامية يتبرأون مما يحصل.
اما القوى التي تناضل ضد الديكتاتوريات، فقسم منها حليف لنا، ولا يمكن ان نسميها قوى ظلامية. وهي تعاني أيضاً من عنت الديكتاتوريات وتناضل من أجل حرية بلدانها وشعوبها.
نلاحظ ان بعض الأنظمة الشيوعية المتبقية في العالم بدأت تغيّر من سياستها، لدرجة ان بعضها يحاول كسب ود الولايات المتحدة. ما دلالة هذه الظاهرة؟
- شكراً لأنك تلمست هذه الحقيقة بعد ان غاب هذا التلمس في الأسئلة السابقة. إذن الشيوعية قابلة للتطور والتكيّف مع متطلبات حركة الواقع والاستفادة من التجربة واستخلاصاتها مع روح العصر. فالنظرية الشيوعية التي تؤمن بها الصين او كوبا او غيرهما، حينما تصطدم بالواقع، جريئة في ان تكيّف نفسها مع الواقع لا ان تفرض نفسها على الواقع. لأن النظرية في مفهومنا انعكاس للواقع وليس العكس. فهي تساهم في الوعي لتغيير الواقع الموضوعي، ولا تلغيه.
اما بالنسبة الى الاشارة الى الانفتاح على الولايات المتحدة، فأعتقد ان القضية أعمق وأعقد من ان توصم باللهاث او المسايرة. فمنذ ثورة اكتوبر كان مؤسس الدولة الاشتراكية يتمنى ويعمل من أجل اقامة علاقات طبيعية مع الدول الرأسمالية. ونظرية "التعايش السلمي" في السياسة الخارجية أسسها وابتدعها شيوعيون. وتعود الى لينين حينما تحدّث عن امكانية تعايش النظامين بتبادل التجارة، الثقافة، المعرفة، التكنولوجيا. على ان يحتفظ كل بنظامه الاجتماعي.
هذه الفكرة رُفضت من قبل الغرب نفسه وبطريقة بشعة، ذلك من خلال التدخل الذي مارسته 14 دولة منذ الأيام الأولى لثورة اكتوبر. وظلّت تمارسه وبشكل واسع ومقنن بعد الحرب العالمية الثانية وما سُمّي بپ"الحرب الباردة"، حيث طُوِّقَ الاتحاد السوفياتي والدول الاشتراكية ومُنع أي تبادل تجاري معها.
بعد كل ما حصل من تطورات، توفرت هذه الامكانيات. فمقابل هذا الموقف الغربي المتعنت ظهرت ممارسات وأفكار سياسية انعزالية ومتزمتة، اثرت على السياسات الخارجية للاتحاد السوفياتي والبلدان الاشتراكية الأخرى.
الآن هناك جهد متقابل. فالولايات المتحدة تطمع عبر الاحتواء والمتاجرة ان تؤثر على الصين. وهذه الأخيرة محتاجة الى التكنولوجيا والتجارة واقامة علاقات مع دول العالم. لذا تتوجه الى الانفتاح على البلدان.
إذن هناك نقطة التقاء، كل من موقعه، فلا الصين تريد عبر هذا الطريق التخلي عن اشتراكيتها، ولا الولايات المتحدة تريد التخلي عن مفاهيمها في نشر الدعوة الى السوق الحرة والرأسمال في العالم.
كنتم في السابق تنعتون أصدقاء الغرب وأميركا بپ"عملاء الاستعمار والامبريالية" ترى هل يحق لهؤلاء ان يطلقوا عليكم "عملاء الاتحاد السوفياتي"؟
- هم كانوا يطلقون علينا ذلك، ولم يترددوا في الاطلاق. بل انهم سبقونا في الاتهام. ولكن العلاقات السياسية بين القوى - للأسف - مرّت بمراحل من التشنج والبدائية، أوقعت الجميع في أخطار.
نحن اعترفنا في مناسبات غير قليلة بأننا استعملنا خطاباً سياسياً مجافياً ومتشنجاً. ويا ليت الآخرين يصلون الى نفس النتيجة.
ما تفسيرك لظاهرة وجود شيوعيين عرب يعيشون في دول امبريالية واستعمارية وغربيّة كلاجئين سياسيين؟
- اعتقد انه ليس الآن فقط يعيش الشيوعيون في هذه الدول كلاجئين سياسيين. وبرأيي حينما يُفهم موقف الشيوعيين كما هو سيبطل العجب في هذه المسألة.
نحن نعتقد ان الرأسمالية قياساً بالانظمة التي سبقتها، الاقطاعية مثلاً، هي الأكثر تقدماً وفقاً للفهم الشيوعي.
الرأسمالية كنظام اجتماعي تحقق بفعل نضالات الطبقة العاملة والنقابات ونشاط الأحزاب اليسارية والنزعات الانسانية، اضافة الى النزعات المصلحية المناهضة لمصالح الكادحين. فتكرست مفاهيم سليمة. وعليه لا يمكن حشر موقف الدول الغربية من اللجوء في مفهوم "المِنَّة" من الحكام على القوى المناضلة من أجل الحرية. بل هو ناتج عن تفهم شعوب هذه البلدان التي فرضتها في قوانين، وتبنتها الأمم المتحدة، فأصبحت التزامات شرعيّة على الجميع. والشيوعيون حتى في زمن لينين كانوا يلجأون، بل ان لينين نفسه عاش لاجئاً فترة من الزمن.
واللجوء لا يعني مثلبة، انما يعني لحظة يضطر اليها مناضل او معارض للخلاص من الديكتاتوريات البشعة، التي لا تُقيم وزناً للقوانين ولا للانسانية وشرائعها، ولا للقيم الدولية. وهذا هو الاختلاف بين الحضارة والتخلف. الحضارة والوحشية. وباختصار لا القادم الى بريطانيا يتحول بحكم اللجوء الى تابع للدولة، ولا الدولة تفرض عليه مقابل لجوئه ان يتخلى عن مبادئه.
ألا تلاحظ ان هناك تناقضاً في دعوة الشيوعيين الى الشيوعية من بلدان رأسمالية، بينما هم يتمتعون بمزايا تلك البلدان؟!
- أولاً: قد يكون البلد الامبريالي هو التربة الأنضج والأوفر لتأكيد أفكار الشيوعية. لأن التمايز الطبقي والتقدم العلمي والتكنولوجي هو الذي يوفر المقدمات الأفضل للانتقال الى الاشتراكية.
ثانياً: توفر المعلومات هنا والقدرة على الوصول الىها يُسهل على الباحث ان يصل الى استنتاجات بشكل أسرع وأسهل مما في بلدان ما زالت متخلفة. وفيها الحياة تسير وفق نظم قديمة وبالية غير جديرة بكفالة البحث العملي. هل تعتقد بأن الناس هنا يفكرون بأن من يأتي يجب عليه ان يكفّ عن البحث والاستنتاج وتقديم الدراسات؟ إذن ما هو فضل اللجوء؟!
هنا، وهذه نقطة تُسجل لهم، بلغت هذه البلدان مستوى من التحضّر والتعامل الثقافي والديموقراطي، برغم ما يشوبه من نواقص، أكثر مما في بلداننا. وهذه ليست مَسبّةً لنا، لأنه من الممكن ان يعود تأخر بلداننا في أحد أسبابه الى ما فعلوه هم بشعوبنا!
شيوعية وديموقراطية
لعله من الغرابة بمكان ان يدعو شيوعي الى الديموقراطية، لأن الشيوعية هي أشد الأنظمة مركزية وتوتاليتارية من غيرها. فماذا تقول؟!
- لا، لا… يبدو ان السؤال جمع مجموعة من الشتائم على الشيوعية في آن. الشيوعية في طبيعتها ديموقراطية. وهي فكر الأغلبية، وهم عامة الناس، أي بمعنى انها تمثل مصالح الأغلبية. ومن يتبنى فكراً من هذا النوع لا يمكن اطلاقاً ان يكون معادياً للديموقراطية في الأساس والمنطلق.
اما على صعيد الممارسة، فالثورات التي حققت الاشتراكية، هي ثورات شعبية شاركت فيها الأغلبية، سواء في روسيا، الصين، فيتنام، كوبا. والأغلبية الشعبية هي التي مكّنتها من مقاومة الجبروت الامبريالي المتدخل في الشؤون الداخلية لهذه البلدان.
ظروف اقامة الدولة السوفياتية والتدخل الخارجي فرض عليها ان تقيم أجهزة لحماية نفسها والدفاع عنها. ولكن للأسف طول فترة المجابهة وتعقّد أساليبها ووسائلها، أتاح فرصة للماسكين مقاليد الأمور ان يتخلوا تدريجياً عن الممارسات الديموقراطية، ويُفرغوا المفهوم الاشتراكي للسوفياتات وهي أكبر تعبيراً عن الممارسة الديموقراطية للحكم المباشر وغير المباشر للشعب. افرغوها من محتواها الديموقراطي الحقيقي وحوِّلت الى مجرد أدوات للسلطة المركزية.
أقول هناك أسباب موضوعية تتعلق بطبيعة الصراع الدائر وقتذاك في العالم. هناك أسباب تاريخية تتعلق بتاريخ البلد ومستوى التطور الحضاري تلعب دوراً ايضاً. وكذلك المشكلة في التصورات والممارسات الخاطئة. في الارتياح للأساليب الادارية "الأوامرية"، وهي الأسهل لأن الديموقراطية صعبة وتحتاج الى مماحكة، بينما الأوامر أسهل بالنسبة للقائد في ظروف استثنائية.
كل هذه الأسباب دفعت الدولة السوفياتية لتبنّي نظام شمولي على حساب الديموقراطية. وبذلك كانت الممارسة نقيضاً لروح الفكر الاشتراكي. فليس ادعاءً زائقاً ان يتحدث الشيوعي او الاشتراكي عن الديموقراطية. وانما حديثه الصادق منسجم مع طبيعة المبادئ التي يحملها.
تخلّت الأحزاب الشيوعية لفترة وتحت تأثير هذه الممارسة وتنظيرها الخاطئ عن جوانب غير قليلة من الديموقراطية لصالح "المركزة". والآن حينما تُعيد النظر في أساليبها وممارساتها تجد ان الديموقراطية والتخلي عنها او الاستخفاف بها، هو السبب الرئيسي لانهيار تجربتها. فهل أبلغ من ذلك دليلاً على مدى صدق الشيوعيين والاشتراكيين في تبنّي الديموقراطية؟ وهل تعتقد ان عاقلاً يُشخص العلة الأساسية يتمنى تكرار الهزيمة بالتخلي عن الديموقراطية؟!
الديموقراطية حاجة موضوعية وليست ترفاً بالنسبة الينا. نحن الآن نخوض صراعاً داخلياً مع التقاليد والموروث الذي يستصغر الديموقراطية، لتكريس وترسيخ مفاهيمها داخل الأحزاب وفيما بينها، وكبديل عن السلطات الحاكمة.
حال الحزب اليوم ومحاورة السلطة
يلاحظ ان اعداد الخارجين من الحزب الشيوعي العراقي في السنوات الأخيرة اكثر من اعداد المنضمين اليه. وأن قياديين سابقين في الحزب أسسوا أحزاباً أخرى تدعو الى الديموقراطية.
- قد تتباين المعلومات التي لديّ مع ما لديكم، لأن هذه الاستنتاجات غير دقيقة. أحسب ان ضعف عضوية الحزب عموماً قياساً الى تاريخه وموقعه في المجتمع العراقي، ليست ناجمة بالأساس عن تخلي الشيوعيين عن شيوعيتهم. انما ناجمة عن اجبار الشيوعيين على التخلي عن شيوعيتهم، من خلال القتل والقمع والارهاب والدعاية… والخ.
وهذه ظاهرة طبيعية، فأنا لا استطيع ان أفهم ان أيّ حزب في العراق يدعي بأنه ينمو في شكل طبيعي في ظل ديكتاتورية صدام حسين. وإذا ما صحّ ذلك فإن هذا الحزب ليس معارضاً في الحقيقة.
نحن حزب تتسع وتتقلص عضويته تبعاً للظروف النضالية التي نعيشها. فحينما نواجه صدام في عقر داره لا يمكننا الادعاء بأننا نستطيع ان نتحرك بحريّة ونكسب الناس ونُعيد المئات والآلاف الى صفوف الحزب، ولكن حينما تتاح لنا فرصة في مناطق علنية فالصورة تختلف. وفي الخارج تترتب عوامل اضافية على ابتعاد الناس عن الحزب الشيوعي، لا لأنه حزب شيوعي، وانما لأنهم يبتعدون عن كل العمل السياسي، عن كل المعارضة. وهذه أسباب عامة وشاملة.
اما بالنسبة لخروج قياديين من الحزب الشيوعي، فأنتم تتحدثون عن كيانات تبلورت، بينما نحن لم نسمع بتشكيل هذه الأحزاب حتى الآن. نعم يمكن ان تكون هناك محاولات لتنظيم حركات او نشاطات ولكنها لم تتبلور في حزب يناهض حزبنا.
وثانياً فالحزب الشيوعي كأي حزب آخر من الممكن ان تخرج عنه عناصر لديها تطلعات سياسية تختلف عن مواقفنا. نحن الآن نطرح النضال المثار ضد الديكتاتورية من أجل البديل الديموقراطي.
وماذا عن صالح دكلة وتنظيمه السياسي مثلاً؟
- نعم، كان هذا الرجل عضواً في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي حتى 1963، ولكن بعد ذلك أخذ خطاً مستقلاً عن حزبنا، وهو حرُّ في ان يختار الطريق الذي يريده، وتأسيس الحزب الديموقراطي الذي ينشده. هو صديق وقريب وحليف للحزب الشيوعي، وحزبه ليس حزباً مناهضاً للشيوعية، وانما هو يتحالف معنا في اطار التيار الديموقراطي ونشاطات المعارضة عموماً.
معظم الدعوات الرامية الى اجراء الحوار مع النظام الصدامي خرجت من أوساطكم، اما من شيوعيين ما زالوا في الحزب او كانوا فيه سابقاً. ما هي خلفيّة هذا التوجّه في نظركم؟
- ما زالوا في الحزب! اتصور انها غير دقيقة. مَنْ كانوا في قيادة او كوادر الحزب، فنعم. ولكن ايضاً ليس صحيحاً القول ان الدعوات تخرج من شيوعيين فقط. ففي بريطانيا مثلاً، الآن هناك دعوات ممن ليس له علاقة لا سابقاً ولا حالياً بالحزب الشيوعي من قوميين عرب وأكراد يدعون الى الحوار، والشيوعيون هم الكتلة الأضعف بينهم.
هناك بعض الشخصيات التي كانت في يوم ما في قيادة حزبنا تناهض خط النضال المثابر ضد الديكتاتورية من أجل البديل الديموقراطي، وتدعو للتفكير بالمصالحة مع النظام من منطلقات مختلفة ومن قناعات تتقاطع مع القناعات السياسية الرسمية للحزب، تطرح أفكارها في الصحافة على هيئة بيانات او نشرات او مقالات. نحن لا نعتقد بأنها قوة مؤثرة على كيان الحزب. وهي حرّة في اختياراتها. وسياسة الحزب معروفة ازاء كل المحاور المطروحة.
نرى ان معظم الأحزاب الشيوعية في العالم، سواء مَنْ كان منها داخل الحكم ام خارجه، لديها علاقات طيبة مع نظام صدام. ما تفسير هذه الظاهرة. وما هو موقفكم من هذه الأحزاب؟
- أفسرّ هذه الظاهرة بأنها فهم خاطئ لطبيعة الصراع الدائر في العراق وحوله. وللأسف الشديد فاننا نتحمل جزءاً من هذا النقص، لجهة صعوبة الاتصال وخوض النقاش الفكري مع كل هذه الأحزاب لتبيان الحقيقة لها.
المعركة في ظاهرها، معركة بين النظام العراقي والولايات المتحدة. والبعيد عن معايشة تفاصيل الأوضاع في العراق يعتقد بأن ما يقوم به النظام هو معاداة للامبريالية. وأنه هو الطرف المعتدى عليه. وما يعزز هذه القناعات، هو الكثير من الممارسات الخاطئة واللاانسانية التي تمارسها الادارة الأميركية حتى في صراعها مع العراق. وما يغذي ذلك دمج الشعب بالنظام وأخذه بجريرة ما ارتكبه النظام من جرائم وحروب… الخ.
ومع ذلك وحيث تمكنّا استطعنا ان نؤثر من خلال كشفنا الحقائق وفضح زيف ما يدعيه النظام عن حقيقة ما يجري في العراق مع عدم تزكية او تبرير كل ما تقوم به الادارة الأميركية. استطعنا ان نخلق مواقف سليمة ازاء العراق. خذ مثلاً الأحزاب الشيوعية اليوناني، القبرصي، التركي، البريطاني الذي نستطيع اللقاء معه.
والنقص ايضاً في المعارضة العراقية للأسف. هناك أحزاب شيوعية قلقة من زيارة جيوغانوف الى بغداد، ولكنها لا تسأل نفسها لماذا تتصل بكل الأحزاب وتترك الأحزاب الشيوعية واليسارية ولا تنهض بأية مسؤولية ازاءها لكشف الحقائق والتعريف بها. وحينما يُلاحظ ان قسماً من المعارضة العراقية لا يكترث باليسار، بينما علاقاته جيدة مع الغرب، فإن ذلك يعطي انطباعاً سلبياً عن المعارضة.
كنتُ أودُّ معرفة موقفكم المحدد من زيارة سكرتير الحزب الشيوعي الروسي جيوغانوف الى بغداد؟
- جيوغانوف تقوده اعتبارات عديدة، في مقدمتها ما أشرتُ اليه قبل قليل. ومن الممكن ان هناك اعتبارات اضافية تتعلق بكونه منافساً ليلتسن رئيس الجمهورية. وهو يريد ان يتدخل في السياسة الخارجية لبلده منذ الآن، خصوصاً ان السياسة الروسية ارادت ان تجد حلاً سلمياً للصراع الدائر بين الولايات المتحدة ولجان التفتيش والنظام العراقي.
قطعاً نحن لا نرتاح الى مثل هذه المداخلة المفاجئة ونعتبرها في غير محلها. وكشيوعي يجب التمييز بين النظام والشعب. وموقفنا سلبيُّ وانتقاديّ ايضاً سواء عبر القنوات المباشرة ام عبر صحافتنا وسنثبّت مواقفنا لقيادة الحزب الشيوعي في روسيا الاتحادية، وسنبيّن وجهة نظرنا بخطأ اقامة علاقات سياسية او فك العزلة عن نظام ارهابي ديكتاتوري دموي.
هل أفهم انكم لم تبيّنوا وجهة نظركم حتى الآن؟
- بيّنا.
وهل أنتم بصدد لقاء جيوغانوف؟
- نعم لنتقيه وسنلتقيه.
وهل ستنتقدون تصرفه؟
- اضافة الى ما حصل حتى الآن عبر الرسائل وعبر القنوات الحزبية المباشرة.
ما هي مصادر تمويل حزبكم الآن؟
- اشتراكات رفاقنا وتبرعات اصدقائنا ومردودات صحافتنا. هذه النشاطات هي المورد الأساسي للحزب، اضافة الى مساعدات حكومة اقليم كردستان. لأن الحزب الشيوعي الكردستاني مشارك في حكومة الاقليم.
وبسبب هذه المساعدات تنحازون الى أحد طرفي النزاع في شمال العراق على حساب الطرف الآخر؟!
- هذا استنتاج. ولكي أردّ على سؤالك جملة وتفصيلاً، أقول نحن نستلم المساعدات من الحزبين الكرديين المتحاربين وهما يساعداننا، ولذلك ليس هناك حاجة للميل الى هذه الكفة او تلك. والميل هو ضد جوهر سياستنا التي عرضناها. فكيف إذن نميل الى هذا الطرف او ذاك؟
إذن ما هو موقفكم من الاقتتال الكردي - الكردي شمال العراق؟
- نحن ضد الاقتتال منذ اليوم الأول جملة وتفصيلاً. وهو أسلوب فظ. والاقتتال أثمر كوارث على الشعب الكردي وقضيته وعلى الحزبين المتقاتلين وعلى المعارضة العراقية وعلى قضية الديموقراطية في العراق. وهو ربح صاف للديكتاتورية ولكل المطامع الاقليمية التي تجري حول كردستان او حول العراق.
وهل سعيتم الى قطع فتيل النزاع بين الطرفين؟
- بالطبع سعينا وبذلنا الكثير. ويبدو اننا انفردنا في الفترة الأخيرة في الساحة للاستمرار بمساعينا، لأن الكثيرين تخلو - للأسف الشديد - ومن منظور غير سليم عن مواصلة الجهد. وإذا ما استثنينا الأحزاب الكردستانية، فإننا قليلاً ما نرى جهوداً مثابرة لاطفاء الحريق. وهذا لا يعني اننا نبخس دور القوى التي ساهمت في البدايات، انما اتحدث عن ضعف حماستها في الأيام الأخيرة لفض الاشتباكات. وقد وصل الحال ببعضها الى مرحلة الجزع وابداء عواطف بعيدة مع ترديد أقاويل من شأنها ان تعمّق المأساة. وأنا انتقدها.
الشعور ب الجزع
ان حالة الجزع تعود الى يأس المعارضة من الأكراد الذين حطموا آمال العراقيين باقتتالهم هذا.
- ليست المعارضة محقة في الجزع، وهو غير مُبرر اطلاقاً. لأن ابتعادها عن المساهمة في ايجاد الحل يعني ترك الأمور تسير نحو الاسوأ.
ما تزال المعارضة العراقية تتعامل معكم كحزب، وهي لا تصنفكم ضمن التيار الديموقراطي الذي تدّعون انه يضمكم؟
- هذه الاشكالية أفتُعلت بشكل علني وحاد في اجتماع دمشق التداولي في نيسان ابريل الماضي. وهذه القضية كما يبدو خاضعة لمزاجية البعض. ففي البداية كان هذا البعض يتعامل مع الحزب الشيوعي لسنوات كممثل للتيار الديموقراطي. ونتيجة حسابات ومصالح معينة توصلوا الى فكرة ان يتعاملوا مع الحزب بعيداً عن هذا التيار وخارجه. وهذا التفكير ينطوي أصلاً على محاولة لتهميش دور الحزب الشيوعي.
واعتقد ان ألاعيب كهذه في السياسة لن تثمر إلا المزيد من الصعاب والعراقيل لتوحيد قوى المعارضة وهي في مسيس الحارجة الى الوحدة.
وهل تضمرون شيئاً لهذه القوى التي ابعدتكم عن اجتماع دمشق التداولي؟
- كلا. نحن لا نضمر خافياً للأحزاب، وقد تحدثنا علناً. وعندما انتقد اليوم فلأجل ان نعود الى الطريق الصحيح وليس الى تعميق القطيعة، لأننا ما زلنا نشعر بأن جميع هذه القوى مطلوب منها ان تتخلى عن حساسياتها.
ولكنكم - كحزب - متهمون بتعطيل المشاريع الوحدوية للمعارضة حتى وضعتم الفيتو ضد التركمان؟
- نحن مستعدون للحديث بالحقائق إذا ظهر فعلاً من الحزب الشيوعي أي ممارسة معرقلة. نحن لا زلنا ضحية لممارسات كهذه وليس لدينا فيتو ضد التركمان. متى وكيف حصل ذلك؟
حصل ذلك مع عزيز قادر مثلاً.
- نحن نتعامل بكل احترام مع عزيز قادر، ولم يحصل ان وضعنا فيتو عليه. وأين التقيت به وتحدثنا حول ما كتبه في مجلة "الوسط" تعليقاً على مقابلتها للرفيق عزيز محمد. وقلت له بصدق بأن ما ذهبت اليه غير دقيق ويفترض ان تسمع الحقيقة من أهلها. نحن لسنا طرفاً مساهماً ولا مخططاً لأحداث كركوك الدامية حيث أُتهم شيوعيون بقتل تركمان في عهد عبدالكريم قاسم، وبعد هذه السنوات الطويلة من تلك المجزرة كانت مأساة عانى منها الحزب الشيوعي أكثر مما عانى منها الآخرون.
نحن ندين كل الاعدامات والقتل. والشيوعيون ابرياء مما حصل. كان الرفيق عزيز محمد سكرتير لجنة الاقليم في كركوك حينها وتحدث بضمير صاف. كيف جرت الأحداث وفُرضت مضاعفاتها على الحزب. لم تكن لدى الحزب لا نيّة ولا خطة ولا تقصّد لمواجهة او ذبح الناس او التركمان. هذه حقيقة.
اما المعطيات فهي ليست ملكاً للشيوعيين فقط. اقرأ ما توصل اليه حنا بطاطو في بحثه الموضوعي عن تلك الفترة، وهو من الشخصيات التي عاشت الأحداث ولم يكن ضمن الحزب الشيوعي. اما حينما يُراد تعكير المزاج او تعطيل جهد جبهوي في اثارة هذه المشكلة او تلك فذلك امر آخر يمكن ان يجري الحديث عنه بتفاصيله وظروفه. نحن لا ندعي اننا معصومون كلياً عن الخطأ ولكننا بعيدون عن ان نضع فيتو على مساهمة شخصية او حركة او طرف في المجهود المعارض.
تشهد سيرة حزبكم بانكم كنتم تشنون حملات تشهير واسقاط بحق كل مَنْ يخرج من الحزب؟
- وهل يحصل هذا الآن او حتى منذ سنوات؟ هل سمعتم بأننا شهرّنا او كتبنا او حرّضنا على أحد؟ كل انسان حرّ في ان يكون في الحزب الشيوعي او يخرج منه. نحن الآن، وأقولها بمرارة، نسكت حتى عن اعتداءات تقع علينا، لا ضعفاً، وانما تجنباً لوقوع الحركة والمعارضة في خطر المهاترات والانسياق الى صراعات جانبية.
كيف هي علاقاتكم بالأحزاب الشيوعية الأخرى في العالم؟
- علاقة جيدة ومبنيّة على أساس المساواة والتكافؤ. نتصل بها ولا يوجد مركز للتنسيق الآن، ولكننا نحضر مؤتمرات الأحزاب والاجتماعات السنوية للأحزاب الشيوعية في الدول العربية لتبادل الرأي والتشاور وتعريف بعضها الآخر على مشاكل بلدها طلباً للتضامن.
هناك مؤسسة تسمى "مؤسسة أحزاب البحر المتوسط للشرق الأوسط" تعقد لقاء كل سنة نحضره ونساهم في تحقيق نفس الأهداف. وكذلك نحضر مؤتمرات الأحزاب في أوروبا وخارجها.
هذه هي المؤسسات المعتمدة الآن للقاء والتشاور، نبادلهم ادبياتنا ونشعر بأننا نحتاج الى صلات أمتن وأقوى من هذه، وهي بالتالي تصب في صالح شعبنا وكل المعارضة. وعبر هذا الطريق نستطيع ان نصل الى كل اليسار في العالم لتفهم افضل لقضية شعبنا ومحنة وطننا والنضال من أجل الديموقراطية.
أين أنتم في العراق اليوم؟
- في كل مكان من مدن العراق. انتم تسمعون عن نشاطاتنا وتوزيع بياناتنا في البصرة، الموصل، بغداد. في الجامعات، المعامل. نحن ننشر ذلك باستمرار مما يقوم به الشيوعيون وأصدقاؤهم.
موجودن خارج الوطن حيث أكثر من مليونين من أبناء الجالية العراقية موزعون على بلدان العالم. موجودون في كردستان كقوة سياسية مشهود لها بحفظ الخير والنزعة السلمية والطموح لعودة التقاليد الديموقراطية في التعامل واعادة المعارضة الى كردستان.
ما هو الغرض من زيارتكم لندن. وما هو تقييمكم لها؟
- الزيارة تستهدف اللقاء مع الجالية العراقية والمعارضين والأحزاب والرفاق الشيوعيين في بريطانيا، ومع المناصرين لقضية العراق والديموقراطية من البريطانيين سواء في المؤسسات الانسانية المعروفة ام في البرلمان ام في حزب العمال ام في وزارة الخارجية البريطانية.
طموحنا كبير ورغبتنا أكبر. نأمل ان نضع لبنة اضافية في جهود الآخرين لتقريب المعارضة وشدّ لحمتها، فبدون وحدتها وتنسيق جهود قواها يصعب ان تجد التعاطف الجيد معها.
وفي الأساس يجب ان تكون هذه الوحدة مبنيّة على أسس صحيحة. أي باعتماد استقلالية القرار السياسي العراقي. ان ننطلق من مواقعنا كعراقيين، من مصالح شعبنا ووطننا. وعند ذاك نستطيع ان نؤثر ونجمع التضامن والاسناد الخارجي. اما وضع الأمور بالمقلوب فلن يؤدي الى شيء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.