بما ان تقديرات الاستخبارات الاسرائيلية جعلت ايران أكبر خطر على وجود اسرائيل، فإن ادارة بوش جعلت مواجهة ايران سياسة لها. في 22 تموز يوليو صدر تقرير لجنة التحقيق في ارهاب 11/9/2001، وتحدث عن علاقة بين ايران والقاعدة، الا انه زاد عدم وجود أي دليل على معرفة ايران المسبقة بالارهاب ذاك. وفي اليوم نفسه كانت الصحف الاسرائيلية تنشر التقديرات السنوية للاستخبارات، وفيها ان ايران ستملك قدرة نووية في سنة 2007 أو 2008، ما يمثل أكبر خطر على وجود اسرائيل. ونسبت "يديعوت اخرونوت" و"معاريف" و"هاآرتز" الى ضباط كبار في الاستخبارات ان التدريب على توجيه ضربة عسكرية الى التجهيزات النووية الايرانية اكتملت، والى عضوي الكنيست عن ليكود والعمل ايهود ياتوم وافرايم سنيه، على التوالي، مطالبتهما بتدمير قدرات ايران النووية. ولم ينقضِ النهار حتى كان الرئيس بوش يصرح بأن ادارته تدرس ما ورد في تقرير لجنة التحقيق في الارهاب عن ان ايران سمحت لارهابيين شاركوا في خطف الطائرات ومهاجمة مركز التجارة العالمية والبنتاغون بالمرور عبر أراضيها. أظرف ما كتب عن الموضوع، ان كان هناك مجال للظرف في مثل هذه القضايا، كان من مورين داود في "نيويورك تايمز"، وأوضح ما كتب وأدق كان من ديفيد اغناشيوس في "واشنطن بوست". داود تذكرت مقابلة تلفزيونية ساخرة مع جيمس بيكر، وزير الخارجية الأسبق، أنكر فيها خطر ان تضرب الولاياتالمتحدةالعراق أو ايران، وهي تقصد الأخرى، بسبب خطأ في فهم الأمر، فاسما البلدين بالانكليزية متقاربان كثيراً: ايراك، ايران، أي ان الفارق حرف واحد. وقالت داود: "يبدو بعد تقرير لجنة التحقيق الذي نفى علاقة العراق مع القاعدة وأثبت العلاقة مع ايران، ان الولاياتالمتحدة هاجمت فعلاً البلد الخطأ، أو الأضعف، على أساس أسلحة دمار شامل غير موجودة، وسيناريوات كاذبة من شيواوا المحافظين الجدد، أحمد الجلبي". شيواوا نوع من الكلاب، صغير مدلل، وهو يعادل وصف رئيس الوزراء توني بلير بأنه "بودل" جورج بوش، والبودل كلب فرنسي مدلل أيضاً. كلمة السر في مقال مورين داود هي عن المحافظين الجدد، وديفيد اغناشيوس كتب قبل تقرير لجنة التحقيق بأسبوعين عن فرص ضيعتها الإدارة لحل المشكلة مع ايران بسبب المحافظين الجدد هؤلاء. وكشف الكاتب الذي يتمتع بصدقية عالية ان واشنطن وطهران أجرتا محادثات سرية بهدف تبادل أسرى، فتسلم ايران الأميركيين السجناء من القاعدة عندها، وتتسلم أعضاء "مجاهدين خلق" الذين كانوا في العراق عند سقوط صدام حسين. وكنت أتمنى لو أترجم المقال كله لولا ضيق المجال، فهو زاخر بالمعلومات، فأكتفي بقول ديفيد اغناشيوس ان وزارة الخارجية رحبت بالاتفاق الا ان وزارة الدفاع عارضته على رغم كل التعهدات التي قدمتها ايران لجهة اطلاق معظم أعضاء "مجاهدين خلق"، وعدم اعدام القادة. وكان السبب ان بعض كبار المسؤولين في البنتاغون يريد استعمال "مجاهدين خلق" ضد ايران على رغم ان وزارة الخارجية الأميركية نفسها تعتبر هذه المنظمة الايرانية المعارضة منظمة ارهابية. المحافظون الجدد كلهم دعاة حرب، وعنصريون يكرهون العرب والمسلمين ويحاولون فرض هيمنة اسرائيلية عليهم، وبين أحقرهم مايكل ليدين الذي أسس مع موريس اميتاي، وهو من أبرز رجال اللوبي الاسرائيلي في واشنطن، "تحالف الديموقراطية في ايران". وهل يمكن أن يصدق أحد أن يهوديين أميركيين ولاؤهما لإسرائيل وحدها يريدان الخير لإيران، سواء كان على شكل ديموقراطية أو غيرها. في مقال مجبول بالكذب والوقاحة التي لا يقدر عليها سوى أمثال ليدين كتب هذا المتطرف ان ايران وسورية اتفقتا خلال زيارة الرئيس بشار الأسد لطهران على سياسة موحدة لهما وحزب الله لاحباط الخطط الأميركية لنشر الديموقراطية في الشرق الأوسط، وعلى جهد مشترك ضد التحالف والحكومة الانتقالية في العراق، وعلى التعاون الكامل لمنع اعادة انتخاب جورج بوش رئيساً وعلى أمور كثيرة أخرى يعرفها ليدين بما يشبه السحر، إذ يبدو أنه حضر اجتماع الرئيسين الأسد وخاتمي، أو أن الموساد حضرته ونقلت التفاصيل الى ذلك الليكودي المتطرف. المحافظون الجدد يريدون حرباً أميركية على ايران يقتل فيها زهرة شباب أميركا لخدمة اسرائيل. وكلهم يتحدث عن قدرة نووية مزعومة مقبلة لايران، ولا يشير بحرف الى قدرة موجودة أكيدة عند اسرائيل. وقد استشهد ليدين في مقاله بشيء ورد في "التايمز" اللندنية عن ان ادارة بوش في ولايته الثانية ستواجه ايران بحزم. ليدين أشار الى خبر احتل صدر الصفحة الأولى في 17 تموز يوليو وكان عنوانه "الولاياتالمتحدة تعمل لاطاحة النظام الايراني" وهو منسوب الى مسؤول أميركي رفيع من دون ذكر اسمه. ونشرت "الصنداي تايمز" في اليوم التالي خبراً عنوانه "اسرائيل تستهدف التسهيلات النووية الايرانية" مصدره تل أبيب، ونسبته الى مصدر عسكري اسرائيلي، أيضاً من دون اسم. وعادت جريدة الأحد نفسها بعد أسبوع بخبر شغل صفحة كاملة عنوانه "المحطة التالية ايران؟". ونشرت "التايمز" في 27 تموز خبراً يقول "ديبلوماسيون يزعمون ان ايران ستنتج قريباً قنبلة نووية"، وكانت مصادر الخبرين الأخيرين من دون أسماء مرة أخرى. ولعل مجموعة "التايمز" نشرت أخباراً أخرى عن القنبلة الايرانية فاتتني. هل هو توارد خواطر أو مصادر بين أنصار اسرائيل؟ تهديد ايران لم يبدأ بعد نشر تحقيق اللجنة في الارهاب، فالصيف هذا تكرار لصيف السنة الماضية في الحملة على ايران، وقد تقيأ ليدين قبل سنة ما عاد ليجتره هذا الصيف، فأكمل غداً.