ترى المقاومة الاسلامية في أحداث غزة الأخيرة صراعاً على السلطة داخل الحزب الواحد، وقد تحركت في الداخل والخارج لاحتواء الخلاف، فتحوله الى فتنة داخلية لا تفيد سوى آرييل شارون الذي سعى دائماً الى ايقاع الخلاف بين الفلسطينيين. كنت هاتفت الأخ خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحماس، لأراجع تطورات غزة معه، وموقف حماس منها. وهو بلّغني انه اتصل بالرئيس ياسر عرفات وبالأخ أبو مازن كما اتصل بالأخ نبيل عمرو للاطمئنان عليه بعد اصابته بالرصاص ودعا الى الحكمة في امتصاص الأحداث، والخروج من الأزمة بسرعة. أبو الوليد قال انه لا يجوز الاحتكام الى السلاح اذا وقع خلاف، فالكلمة لا تعالج بالرصاص، وهذا الأسلوب من المحرمات في العرف الفلسطيني، وهو أمر راسخ لا يجوز الآن قلبه. وفي حين ان الخلاف داخل السلطة، او داخل الحزب الحاكم، فإن آثاره تمسّ الجميع، خصوصاً انه جاء بعد ان حقق الفلسطينيون نتائج طيبة في محكمة العدل الدولية في لاهاي، وفي الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وفي وقت تواجه اسرائيل ازمة سياسية داخلية ومشكلات مع المجتمع الدولي. قال الأخ خالد مشعل انه بلغ أبو عمار انه لا يجوز ان يختلف الفلسطينيون في هذه المرحلة فتستفيد اسرائيل، ولا حرج في الخلاف السياسي، بل انه طبيعي شرط ألا يتحول الى عنف واستعمال سلاح وخطف وغير ذلك. وأضاف ان لجنة المتابعة المؤلفة من 13 فصيلاً في حالة انعقاد شبه دائم في غزة، وسيصدر عنها بيان في وقت قريب، "وقد وجّهنا الأخوة في الداخل الى بذل جهد مركز بين طرفي الخلاف، وهدفنا احتواؤه لأن انتشاره جغرافياً، أو بأدواته، يضر بنا جميعاً". واعترف أبو الوليد في الوقت نفسه بأن الوضع معقّد جداً، ويحتاج بالتالي الى حلول مركّزة، فإضافة الى الخلاف الشخصي على السلطة، هناك تراكمات من فساد وسوء ادارة القرار، مع عامل خلاف الاجيال، وقد زاد على هذا كله تدخل خارجي من اسرائيل والولاياتالمتحدة. قبل انفجار الخلاف داخل فتح كانت هناك لقاءات واتصالات بين حماس وفتح، ومع فصائل أخرى، وكانت الاجتماعات ثنائية احياناً، وجماعية احياناً أخرى، لدرس خطة شارون للانسحاب من غزة، اذا نفذت، وكيف تتعامل فصائل المقاومة مع المرحلة الجديدة. ومع ارتباك الوضع بسبب تغير الخطة الاسرائيلية باستمرار، ومناورات شارون مع مواجهته معارضة داخلية لخطته، فإن رأيين برزا في مشاورات فصائل المقاومة، الأول تركه ينسحب من دون مفاوضات أو اتفاق، والثاني جعل الانسحاب جزءاً من خطة اقليمية ودولية. حماس ترفض الرأي الثاني لأنه سيفرض على الفلسطينيين التزامات مثل وقف المقاومة ونزع السلاح وتوحيد الاجهزة الأمنية، وكأن المشكلة في الجانب الفلسطيني، لذلك فإسرائيل لا تنسحب من دون ضمانات فلسطينية. الأخ خالد مشعل قال: "المشكلة ليست عندنا بل عند اسرائيل... اذا انتهى الاحتلال تنتهي المقاومة... حتى تنتهي المقاومة لا بد من ان ينتهي الاحتلال". وسأل: هل تتوقف المقاومة في الضفة الغربية اذا انسحبت اسرائيل من غزة؟ حماس ضد أي مفاوضات مع اسرائيل للاتفاق على انسحابها من اجزاء من الضفة الغربية، وهي تصرّ على ان ينسحب شارون من قطاع غزة من دون مفاوضات، فالمقاومة اجبرته على وضع خطة الانسحاب، والمقاومة ستجبره على الانسحاب من الضفة الغربية، والمطلوب هو وحدة وطنية فلسطينية في وجه مؤامرات شارون ومناوراته. وحماس تقول انها كما هي شريك في المقاومة فيجب ان تكون شريكاً في ادارة الشأن الفلسطيني بعد الانسحاب، ويرى أبو الوليد ان القطاع يجب ان يدار بعيداً من الحزبية والاستئثار. وهو يقول ان آرييل شارون يحاول ان يحرم الفلسطينيين من النتيجة الطبيعية لأربع سنوات عظيمة من الانتفاضة والمقاومة، وهو فشل في تحقيق الأمن عبر حل عسكري، ويحاول ان يغطي فشله الآن بالمناورات. ويزيد ان الوحدة الفلسطينية ضرورية في مواجهة العدوان الاسرائيلي، "وقد بدأنا في حماس حواراً مع فتح والفصائل الأخرى، ومع السلطة. وقد أجريت اتصالات عدة مع الأخ أبو عمار، وزارتنا وفود من السلطة، نحن منفتحون على الحوار". حماس وقفت على الحياد إزاء احداث غزة الأخيرة لأنها اعتبرتها صراعاً على السلطة داخل الحزب الحاكم، وفي حين ان الخلاف بين أفراد فقد ساعدت عوامل داخلية وخارجية على تأجيج الوضع. العوامل الداخلية هي الفساد، وسوء الادارة أو غياب السلطة مع اوضاع معيشية صعبة للغاية بسبب وحشية الاحتلال. اما العوامل الخارجية، فهي دور الولاياتالمتحدة واسرائيل، كما تراه حماس، في إذكاء نار الخلاف بين طرفي النزاع. يظل الوضع خطيراً في نظر حماس لأنه يطاول مصالح شعب ووطن، وقد سمع الأخ خالد مشعل كلاماً مطمئناً من الرئيس عرفات والأخ ابو مازن، ووعوداً بتغليب العقل والحكمة في مواجهة الأحداث، الا ان الكلام لم يدخل في أي تفاصيل. غير انني أريد ان أختتم برأيي الخاص، فقد وجدت طرفي النزاع في غزة على خطأ. أبو عمار أخطأ بإيصال الأمور الى حد الانفجار، فقد كانت عنده فرصة ثماني سنوات لبناء مؤسسات الدولة، فلم يفعل، وانما ترك الفساد يستشري، مع انني لا اتهمه شخصياً بأي فساد، وإنما بالسكوت عنه. والأخ محمد دحلان أخطأ اذا اعتقد انه يستطيع خلافة أبو عمار بمساعدة أميركا واسرائيل، أو اي طرف عربي، لأن عنده قاعدة شعبية كافية في غزة، وأعتقد انه أكثر شعبية في القطاع من الرئيس. وموقفي بالتالي، وطرفا النزاع على خطأ، هو البقاء مع الشعب الفلسطيني وقضيته.