المقاومة الإسلامية في الأراضي الفلسطينية مصرة على استمرار العمليات والتصعيد، وتعتقد ان الجو الحالي في اسرائيل يشبه الجو الذي سبق الانسحاب من لبنان. وسمعت ما سبق من قيادة حماس في حديث هاتفي طويل أمس أكد ما كنت سمعت من الاخوان في المقاومة الإسلامية في السابق، فهم قالوا في حينه وقالوا أمس: "لن نتوقف أمام أي وعد من يمين أو يسار، لأننا إذا توقفنا فستذهب تضحيات 17 شهراً هدراً، وسيجد آرييل شارون فرصة ليسترجع أنفاسه". تحدثت مع اثنين من قادة حماس أمس، وكنت قبل ذلك تحدثت مع الجهاد، ورأيهم ان "الأمور بدأت تنضج باتجاه ارغام اسرائيل على ان تنسحب من الأراضي الفلسطينية". ربما لاحظ القارئ انني سجلت مرتين عبارة "الأراضي الفلسطينية"، من دون تحديد. فأنا أنقل رأي المقاومة الإسلامية، وهو ان فلسطين كلها أرض محتلة. قال الاخوان في حماس ان وراء الزخم الحالي حالاً شعبية عامة تشارك فيها فصائل الثورة الفلسطينية كافة، فالمقاومة لا تقتصر على حماس والجهاد الإسلامي، وانما تشترك فيها الجبهة الديموقراطية والجبهة الشعبية وكتائب شهداء الأقصى التي رفضت علناً الانصياع الى أوامر القيادة السياسية لفتح بحل نفسها. سألت الاخوان كيف يفسرون ان تقوم المقاومة الإسلامية بعمليات انتحارية - استشهادية فيرد شارون بضرب أهداف للسلطة الوطنية. وكان تحليلهم ان أوسلو أوجدت واقعاً مادياً على الأرض هو هدف شارون، فخلال انتفاضة 1987 لم يكن هناك وجود لمؤسسات رسمية، فكان الاسرائيليون يردون بضرب أهداف شعبية. أما الآن فيجد شارون ان من الأسهل تحميل السلطة المسؤولية ويضربها، من ناحية لعجزه عن ضرب المسؤولين عن العمليات، ومن ناحية أخرى لأنه يريد تقويض عملية أوسلو. إذا صح ما سبق، هل يلتقي شارون في الهدف مع المقاومة الإسلامية المعارضة لعملية أوسلو؟ أركان حماس اصروا على ان لا مشروع سياسياً لديهم للحلول محل ياسر عرفات، وانما هم ماضون في العمليات والتصعيد حتى تنسحب اسرائيل، ثم يكون لكل حادث حديث. وهم زادوا ان الذين يريدون ان يحلوا محل أبو عمار موجودون حوله لا في المقاومة الإسلامية. وقال الاخوان ان أبو عمار لا يستطيع تلبية المطلوب منه اسرائيلياً لأن حكومة شارون لم تعرض عليه شيئاً في المقابل، وقد خرجت حال المقاومة عن سيطرة أي فرد أو جهة. حماس تقول ان السلطة الوطنية لم تتصل بالمقاومة الإسلامية في الأيام الأخيرة، ولم تطلب شيئاً، ولكن هناك اتصالات فردية مع قيادات شعبية في فتح. وشكت حماس من ان الملاحقات لا تزال مستمرة، والأجهزة الأمنية للسلطة "تحاول أخذ زمام المبادرة وتهديدنا، مع اعترافنا بأن الوضع يتفاوت من منطقة الى منطقة، وقبل أيام اعتقلوا جمال الطويل، وهو أحد رموز حماس، في رام الله". قادة حماس مقتنعون تماماً بأن شارون لا يزال يفكر في الأردن كوطن بديل للفلسطينيين، وهم يقولون ان كل تصرفاته ضد السلطة الوطنية تظهر ان الحل الذي يسعى اليه موجود في الضفة الشرقية لا الضفة الغربية. ربما كان شارون يفكر في هذا الحل أو غيره، الا ان الأرجح انه لن يبقى في الحكم طويلاً لتنفيذ خططه، فالرأي العام الاسرائيلي انفضّ من حوله، وهو فشل فشلاً مطبقاً في تحقيق الأمن الذي كان وعده الوحيد للناخبين، ووجد هؤلاء بعد سنة لشارون في الحكم ان امنهم في أسوأ وضع له منذ تأسيس اسرائيل. وإذا زدنا الى ذلك انهيار الاقتصاد، فإنه يمكن القول ان أيام شارون في الحكم أصبحت معدودة. وأنا أقرأ يوماً بعد يوم هذه الأيام أخباراً في صحف اسرائيل نفسها، وفي الصحف البريطانية والأميركية، وكلها يتحدث عن فشل شارون، وانتقاد خصومه وحلفائه لأدائه، وفقدان الأمن، وعدم وجود مشروع سياسي للحكومة، وثورة المجندين، وعودة حركة السلام الى الواجهة، وما الى ذلك من أخبار. طبعاً شارون قد يرد على كل هذا التراجع بإعادة احتلال الأراضي الفلسطينية، إلا ان المقاومة الإسلامية لن تبتئس إذا فعل، فهي ستقابل التصعيد بالتصعيد، وتشعر بأن ازدياد عمليات القتل والتدمير الاسرائيلية يزيد من الاصرار على المقاومة، وفي شعبية الفصائل الإسلامية في الشارع. أحد قادة حماس قال لي ان الناس صامدون، وكل المطلوب هو الصبر، وموقف عربي يدعم المقاومة، لترغم اسرائيل على الانسحاب من الأراضي الفلسطينية.