مرة أخرى، راج الحديث اخيراً عن العجز الجنسي في مصر باعتباره رد فعل طبيعياً ومتوقعاً لواقع الحال العربي، ولتوالي الإحباطات السياسية والاجتماعية والاقتصادية وبالتالي النفسية. وعلى رغم الانفتاح الأخلاقي والاجتماعي الكبير الذي يشهده المجتمع المصري، إلا أن موضوع العجز الجنسي لدى الرجال ما زال مُحاطاً بقدر كبير من التكتم الذي لا يخفي الحديث عن المنشطات الجنسية. بليونا دولار لكفاءة الذكور تؤكد الإحصاءات الصادرة عن جمعيات علمية وطبية محلية أن ستة ملايين رجل يعانون العجز الجنسي في مصر، اي نحو 20 في المئة من الرجال والشباب البالغين. وتعد هذه كارثة بجميع المقاييس. يكفي القول أن ما يزيد على ثلاثة ملايين مصري يستخدمون عقار "الفياغرا" ويدفعون في مقابل رفع كفاءتهم الجنسية نحو بليوني دولار سنوياً. وعلى رغم أن متوسط دخل المواطن في العام لا يتعدى 1200 دولار أميركي، فإن دراسة ميدانية حديثة أجرتها مجموعة من شركات الأدوية في مصر أشارت إلى أن "الفياغرا" و"الدروس الخصوصية" تستنفدان موازنة الأسرة المعتصرة أصلاً. ويكفي القول أن متوسط إنفاق رب الأسرة المستخدِم ل"الفياغرا" يتراوح شهرياً بين 180 و300 جنيه مصري، لشراء "الحبة الزرقاء". ترحب اللافتات الموضوعة بوضوح على نوافذ صيدليات القاهرة بالراغبين في شراء "الفياغرا"، ربما لإزالة حرج السؤال. يباع الشريط ذو الأقراص الأربعة ب134 جنيهاً، ولأن "الحاجة أم الاختراع"، وبقليل من الحنكة والوساطة لدى الصيدلي، يمكن الحصول ليس على قرص من الأقراص الأربعة ولكن على "نصف قرص"، لا سيما في المناطق الشعبية والريف. وفي الريف المصري، تسري "معلومة" مفادها أن أشجار الكافور المنتشرة بكثرة هناك تساهم في الحد من النشاط الجنسي. وساهم الدكتور فوزي عبد الحميد في تعضيد هذا الاعتقاد. فقد أدلى اخيراً بحديث صحافي أكد فيه أن "من ينام تحت شجرة الكافور أربع ساعات يومياً على الأقل يمكن أن يشهد تباطؤاً في نشاطه المتعلق باستمرار الجنس البشري". ولأن "استمرار الجنس البشري في مصر"، يعني اضافة مليون نسمة سنوياً، فإن الحكومة المصرية ليست قلقة من قضية شجر الكافور! وفي المقابل، تنتظر بعض شركات الادوية حلول العام 2005، حيث يجب تطبيق اتفاقيات الملكية الفكرية بخصوص الادوية. وراهناً، تكتظ السوق المصرية ببدائل الحبة الزرقاء التي تأتي من سورية واليمن والصين والهند. وتحمل اسماءً ذات صلة بالفياغرا مثل "سيلاغرا" و"بيناغرا" و"كاميغرا". وتُهَرَّب بأسعار متدنية وبكميات ضخمة. ويُقدر ان عشر علب من البدائل تباع مقابل كل علبة "فياغرا" اصيلة. وأدى الارتفاع الكبير في سعر الدولار مقابل الجنيه، الى رفع سعر "فياغرا". وفي المقابل، تأثرت الوصفات الشعبية بالهوس بالفحولة والرعب من العجز. وتترافق هذه الامور مع انفلات المعايير والسماح لكل ما هب ودب، بنشر إعلانات يَعِدُ أصحابها ب"نعيم الفحولة". اعلانات براقة، فمن يضبطها؟ وفي الفيض الاعلاني، نقرأ خبراً يقول ان خبير الأعشاب فلان يبيع تركيبة إسمها "فيغا شباب". ويدعي انها عبارة عن مزيج من الجنسنغ الكوري، وعود القرح، وإحليل التمساح مضافاً إليها العسل الجبلي. ويزعم ان هذه التركيبة تؤدي إلى "استعادة الشباب والحيوية للجسم، وتقضي على سرعة القذف وتساعد على زيادة قوة الانتصاب لأنها تعمل على انتظام الدورة الدموية وزيادة تدفق الدم لجميع أجزاء الجسم". ونقرأ ايضاً نشرة عن الكيمياوي فلان، مدير "مركز..." للرشاقة والجمال والذي يقدم عدداً من الخدمات، منها تفتيح لون البشرة، وشد الترهلات، وفرد الشعر، وتطويل الشعر، وعلاج الضعف والبرود الجنسي للرجال والنساء". ويقدم هذا الكيمياوي "فياغرا من الأعشاب الطبيعية". ويُنبه جمهور الرجال الى أن الإرهاق الذهني والقلق والتوتر والتلوث والملل عوامل تؤدي إلى الضعف والبرود الجنسي. وتحتوي تركيبة الكيمياوي على 15 عشباً. وإذا كان الضعف لأسباب عضوية فإن هذه التوليفة يتفاعل معها وتقضي عليها، وإذا كانت لأسباب نفسية فهي تفعل الشيء نفسه! اشجار حدائق الحيوانات! يقدم الدكتور محمد نفسه في إعلان ثالث تحت عنوان "للرجال فقط" مصحوباً بصورة امرأة شبه عارية، مع تعليق يقول: "وداعاًَ للفياغرا". وهذا ما جاء في الإعلان: "أذكر أن مريضاً جاءني يعاني الارتخاء المصحوب بسرعة القذف. ذهب لكثير من الأطباء من دون جدوى. وبفضل الله، أمكنني إنهاء معاناته بمسحوق عشب الجرجير الجبلي، وأعشاب أخرى. وطلبت منه تناول ملعقة صغيرة على الريق لمدة أربعة أيام. وبفضل الله حققت التركيبة النتائج المرجوة". ويكتفي خبير آخر في الصفحة نفسها بالقول: "كريم نباتي للضعف الجنسي "ناتيوريل" مئة في المئة، للقوة.. للاحتمال.. للكفاءة.. لزيادة الوقت". ودائماً يحضر نوع من "الهوس" الجماعي في مسألة العجز الجنسي عند الذكور، ربما لان المكبوت يولد اوهاماً لا حصر لها. فقد لاحظ البعض اخيراً، زيادة في الاقبال على زيارة حديقة الحيوانات. وفسر البعض الامر بانه استجابة جماعية لتصريح غامض لاحد الاطباء تحدث فيه عن وجود "أشجار غريبة ونادرة في حدائق الحيوان ذات فعالية تفوق أقراص الفياغرا... ان بعض الأشجار مثل النخيل الملكي موجود في حدائق الحيوان لكنه يُعامل بلا مبالاة شديدة... لم يبق في الحديقة سوى ثلاث أشجار منها أعرف موقعها بالتحديد"، لكنه رفض الكشف عنه! تحذير أخير يوجهه أطباء أمراض الذكورة في مصر وهو أن نحو 30 في المئة من المصابين بالضعف الجنسي في مصر يعانون منه لأسباب نفسية، وهو يؤثر في الصحة العامة للرجل وصحته النفسية وعلاقته بالمجتمع وزوجته. يذكر أن دراسات عدة أشارت إلى أن نحو 80 في المئة من حالات الخُلع سببها شكوى الزوجة من عجز زوجها الجنسي. صحيفة مصرية يومية لمحت قبل أيام إلى أن انتشار "إعلانات أدوية وأجهزة تنشيط الرجال بهذا الشكل المكثف والفاضح دليل الى وباء حاد أصاب المواطنين"، وطالبت الصحيفة الدولة بسرعة علاج المواطنين، لأنه يبدو أن "الجهود الحكومية خلال تنكيلها بالمواطن محدود الدخل جعلت منه مواطناً مهدود الحيل".