"وزير الصحة الدكتور إسماعيل سلام يجلس الى مكتبه، ويقف إلى جواره شخص يبدو أنه مدير مكتبه، وتبدو علامات القلق على وجهه وهو يخبر الوزير أن صوت نهيق عالٍ جاء في الهاتف، واتضح أن الحمير تطالب بالفياغرا". هذا الكاريكاتير رسمه مصطفى حسين وكتب تعليقه أحمد رجب قبل أيام في جريدة "الأخبار" اليومية، وهما بذلك ضربا عصفورين بحجر. فعلى يومين متتاليين خرج من المجتمع المصري خبران "شر البلية ما يضحك". الأول جاء في صدر الصفحة الأولى لجريدة قومية كبرى، ومفاده أن المصريين يستهلكون من عقار الفياغرا ما قيمته 5،7 بليون جنيه مصري، والثاني جاء في صورة احصاء صادر عن الجهاز المركزي للاحصاء مفاده أن عدد الحمير نقص في مصر. فمع أن عقار الفياغرا رائج في الخارج منذ سنوات ومن دون جلبة، ومع أن وزارة الصحة المصرية سمحت باستيراده وبيعه في الصيدليات بعد معركة حامية الوطيس، الا أنه ما زال من القضايا الجدلية في الأروقة الحكومية وعلى الصعيد الاجتماعي. ولأن "الفياغرا" خارج التسعيرة، فإن الحبة الواحدة تباع بمبالغ تراوح بين 50 و80 جنيهاً مصرياً، يتعامل معها المصريون باعتبارها "سلعة عزيزة" فأحياناً تكون هدية في المناسبات لشخص عزيز، أو وسيلة لكسب رضا الكبار. وما زالت الصحف المصرية اليومية تطالعنا في صفحات الحوادث بأخبار "إحباط محاولة قامت بها مضيفة لتهريب 40 قرص فياغرا" أو "راكب افريقي يخفي عشر علب فياغرا في حقيبته"، وقبل أيام أحبطت سلطات جمارك مطار القاهرة محاولة تهريب 700 قرص فياغرا تتجاوز قيمتها 40 ألف جنيه مصري قام بها راكب سوري. وعثر على "المضبوطات" مخبأة في حزام حول جسده. وتفجرت الأزمة مجدداً على الصعيد الحكومي حين نشرت "الأهرام" خبراً مفاده ان استهلاك المصريين للفياغرا بلغ 5،7 بليون جنيه، وهو ما أغضب وزير الصحة الدكتور سلام، وأعاد الى الأذهان الحرب الحامية التي خاضتها الفياغرا قبل نحو ثلاثة أعوام ليسمح لها بدخول مصر رسمياً. وأشارت الدراسة الى أن ما يزيد على ثلاثة ملايين مصري يستخدمون الفياغرا. بل أكدت أن ال5،7 بليون جنيه الى ازدياد في ضوء ارتفاع سعر الدولار. وهاجم سلام ما كتب في الجريدة، حتى أنه وصف الباحث الذي اجرى الدراسة التي خرجت برقم ال5،7 بليون جنيه بأنه نام، وحلم، وصحا من نومه فأعلن هذا الرقم السخيف العاري عن الصحة والمنطق. وأكد سلام أن القصة لا تعدو معركة خفية بين شركات الادوية التي يرغب بعضها في انتاج عقار منافس للفياغرا. وفي اليوم التالي، جاء تصريح على لسان سلام يؤكد أن الرقم الحقيقي لحجم استهلاك المصريين من الفياغرا هو 600 مليون جنيه فقط لا غير. وعلى غرار المسلسلات العربية المطولة، نفى مصدر مسؤول في وزارة الصحة الرقم الجديد في بيان مقتضب. وجاء في النفي أن اجمالي استهلاك العالم من الفياغرا يبلغ بليون دولار، وأن نصيب العالم النامي يتراوح بين سبعة و15 في المئة من تلك القيمة. إلا أن البيان لم يذكر القيمة الحقيقية لاستهلاك المصريين من الحبة السحرية، وعلل ذلك بأن أحداً لا يستطيع أن يتكهن بحجم المهرّب من هذا الدواء الى مصر. وسواء كان الرقم بالبلايين أو بالملايين، فالجدل السائد يشير إلى حقيقة واحدة، وهي أن الفياغرا ما زالت تشكل قضية حيوية في المجتمع المصري، وأن المواطن البسيط ما زال مستعداً لأن يدفع نصف راتبه الشهري بالتقسيط نظير ساعة أو ساعتين على أقصى تقدير من السعادة. لكن "ربما تعود حليمة الى عادتها القديمة" في جميع الأحوال، والغلبة والبقاء مكتوبان لكل ما هو قديم وأصيل. فعالم الأعشاب الطبيعية الذي يسوق نفسه تحت شعار "الطريق المضمون لعلاج الضعف الجنسي" او نصائح الأجداد بالإكثار من الجمبري والجرجير هي الباقية بعد الفياغرا...