عانى القطاع الخاص العراقي من مشاكل كثيرة، خصوصاً خلال أعوام الحصار الذي فرض على العراق بعد عام 1990، إذ انقطعت عنه معونات الدولة بشكل ملحوظ. وتدهورت إنتاجية معظم المصانع نتيجة غياب المواد الأولية وتعذر تأمين متطلبات الإنتاج ومستلزماته الأخرى التي تحتاجها الصناعة، في حين كانت البضائع والسلع السورية والأردنية وغيرها تتدفق عبر المنافذ الحدودية إلى العراق وكانت تطرح في السوق المحلية بأسعار تنافسية مقارنة بالمنتجات المحلية التي ارتفعت أسعارها نتيجة ارتفاع تكاليف إنتاجها. تعيش معامل إنتاج العصائر والألبان والأغذية المعلبة في العراق أسوأ ظروفها التي تتمثل بتراجع المبيعات جراء ارتفاع أسعار منتجاتها مقارنة بما هو مطروح في السوق من بضائع مستوردة تلقى رواجاً لدى المستهلك العراقي. ويفاقم هذه الظاهرة انعدام الثقة بالمنتج المحلي لغياب الرقابة ومعايير الجودة. كما تعاني هذه المعامل من مشاكل أخرى متمثلة بانقطاع التيار الكهربائي عنها على رغم محاولتها التعويض نسبياً عن ذلك باستخدام المولدات الكهربائية، التي غالباً ما تتعطل بسبب انعدام الوقود بصورة دائمة وارتفاع أسعاره. وأدى عدم توافر المواد الخام الجيدة النوعية وبقاء ماكينات الإنتاج من دون تحديث إلى استمرار تصنيع المنتجات من العصائر والألبان والمواد الغذائية الأخرى بالطرق التقليدية القديمة. ويقول المدير المفوض ل"شركة الباشق"لإنتاج المقبلات والمواد الغذائية"فائق عبدالمجيد ان"عدم توافر المواد الخام وارتفاع أسعارها هما السبب في تذبذب مبيعات منتجات المصنع من الصلصة والكاتشاب ومقبلات الطعام الاخرى". ويضيف:"ارتفع سعر الدبس عسل التمر من 70 الى 300 الف دينار عراقي للطن الواحد، كما ارتفعت اسعار الحبيبات البلاستيكية التي تصنع منها العبوات من 600 دولار الى اكثر من 1000 دولار للطن الواحد"، مشيراً الى ان التجار باتوا يحتكرون بيع هذه المواد لكونهم غير خاضعين للرقابة التي كانت سائدة وحازمة قبل الاحتلال. ويتابع:"تعاني المعامل الخاصة في العراق من عدم استقرار الاسعار في السوق المحلية، ومن مصاعب التوزيع بين المحافظات نتيجة التدهور الامني وارتفاع اجور التحميل والنقل". وتبدو معضلة الانقطاع المتواصل للتيار الكهربائي عن هذه المعامل القاسم المشترك الذي يجمع هموم العاملين في القطاع الصناعي والمبرر الاكبر لانخفاض انتاجية المعامل. ويؤكد عدد من اصحاب المعامل الخاصة ان الحل الذي كان يطبق سابقاً لمعالجة المضاعفات الناجمة عن انقطاع التيار الكهربائي كان مد مديرية التنمية الصناعية في وزراة الصناعة والمعادن العراقية معامل القطاع الخاص شهرياً بالوقود اللازم لتشغيل المولدات الكهربائية. ويشيرون الى ان ارتفاع كلفة الوقود وعدم توافره بعد الاحتلال دفع بهم الى رفع اسعار منتجاتهم. ويقول مدير"شركة الفرات لتصنيع اللحوم"خالد محمد ان"المستهلك العراقي بات يهتم بالسعر فقط من دون الاستفسار عن نوعية المنتوج او منشأ صناعته". ويضيف شارحاً تراجع نسبة مبيعات معمله:"مضى على ماكينات المصنع لدينا اكثر من ربع قرن، ونحن لا نستطيع استبدالها بسبب ارتفاع اسعار الماكينات الحديثة"، مشيراً الى انه"لا يجد دعماً من أي جهة رسمية لاجل المساهمة في تطوير انتاجية معملة". ويتابع:"تصنع اللحوم المجمدة من اللحوم المستوردة ومعظمها من لحم الجاموس الهندي المنشأ. ولا يمكن شراء اللحم العراقي لارتفاع اسعاره، اذ يباع الكيلوغرام من اللحم الهندي ب1500 دينار عراقي في حين يصل سعر اللحم العراقي الى ثلاثة الاف دينار عراقي". وتشترك مصانع انتاج الالبان في الشكوى من المعاناة نفسها. ويقول المدير المفوض ل"شركة"اضواء بغداد للالبان"اسعد صبيح إن"قلة الحليب الخام ورداءة نوعيته وعدم توافر مستلزمات الانتاج الاخرى وغياب اجهزة الفحص والتعقيم ولجوء معامل الالبان الى الطرق التقليدية من صناعة القشطة والجبن والزبدة كلها عوامل دفعت بنا الى تخفيض نسبة الانتاج لتفادي خسائر اكبر". ويشير الى ان"انقطاع التيار الكهربائي يعرض قسماً كبيراً من منتجاتنا للتلف كما تتعرض منتجاتنا الى ما تتعرض له السلع المحلية الاخرى من منافسة في الاسعار". ويؤكد أن الالبان المستوردة تلقى طلباً متزايداً من قبل المستهلك العراقي على رغم ان القشطة العراقية المصنعة تباع ب450 ديناراً مثلاً، في حين يرتفع سعر المستورد الى 2000 دينار. وتطفو الى السطح مشكلة جديدة هي"هجرة العمال"، بعد التحسن النسبي في الرواتب التي يتقاضاها العاملون في الدولة، وعدم قدرة اصحاب المعامل الخاصة على رفع رواتب عمالهم في ظل ما تعانيه شركاتهم من مشاكل. ويشير بهجت خليل الذي يمتلك مصنعاً لانتاج عصائر"مي مي"إلى ان معمله خسر لهذا السبب اكثر من نصف عامليه، وكلهم من اصحاب الخبرة والكفاءات، وغالبيتهم من الفتيات اللاتي تحتاجهن هذه الصناعات المعتمدة على الخبرة. ويرى محللون اقتصاديون ان ما تعانيه معامل القطاع الخاص، مع غياب رعاية الدولة لها، سيضطر اصحابها تدرجاً الى اغلاق مصانعهم، ما سيؤثر في نهاية المطاف سلباً في الاقتصاد العراقي الذي يحتاج الى خلق توازن بين القطاعين العام والخاص.