في إعلان مفاجئ، عبّر الرئيس الإيراني السابق هاشمي رفسنجاني عن استعداده لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة سنة 2005، "طالما كان ذلك لمصلحة البلاد وإذا ما اقتضت الضرورات الوطنية وإن اعتبر وجودي لا غنى عنه"، في خطوة ستعيد خلق توازنات جديدة، خصوصا مع بدء البرلمان الجديد الذي يسيطر عليه المحافظون أعماله. رفسنجاني، وعبر خبرته السياسية، لا يمكن قراءة تصريحاته هذه في شكل سريع من دون الوقوف عندها مليا. فهو، وحتى وقت قريب، كان يرفض فكرة الترشح على رغم الضغوط التي مارسها عليه بعض أقطاب المحافظين، وقياديون في تنظيم "كوادر البناء" القريب منه. وهذه الاستجابة ليست ناتجة بالتأكيد عن رضوخ لضغوط داخلية. فتجربة رفسنجاني مع البرلمان السابق، عندما ترشح إليه بناء على طلب الأصدقاء، كانت مريرة، اذ وجد نفسه في ذيل القائمة بدل أن يتوج رئيسا له، مما اضطره للاستقالة، والاكتفاء برئاسة مجلس تشخيص مصلحة النظام، ليبقى لاعبا رئيسا خارج قبة البرلمان، وخارج تجاذبات الشارع وأوراق الناخبين. التجربة البرلمانية الخاسرة، وما تبعها من حملة دعائية مضادة قادها بعض أطراف "جبهة الثاني من خردا" أحرجت الرئيس السابق وأضعفت من شعبيته وأحاطته بكثير من علامات الإستفهام. وكل تلك دروس لا يمكن ل"ثعلب" السياسة الإيرانية الا أن يتعلم منها، ولذا علّق على أمر ترشيحه الحالي بقوله "لنرَ كيف تتطور الأمور" من دون أن يعطي إجابة نهائية وحاسمة، تاركا الباب مفتوحا على احتمالات مختلفة، معطيا بذلك فرصة لخلق تحالفات وواقع جديد يكون في صالحه، ليضمن الفوز بغالبية ساحقة، تتوجه رئيسا قويا بدعم شعبي وحكومي واضحين. هناك واقع جديد جعل من رفسنجاني يقدم على قبول الترشيح، خصوصا في ما يتعلق بجانب المحافظين. فهو يمتلك علاقات قوية مع مرشد الثورة آية الله علي خامنئي، ومع رئيس السلطة القضائية هاشمي شاهرودي، وهناك أطراف من المحافظين تدعم ترشيحه على رأسها "جماعة علماء الدين المجاهدين"، حتى ولو اعترضت عليه بعض الأطراف المتشددة أو أبدت تحفظها. وفي السياق نفسه يأتي تعيين حداد عادل رئيسا للبرلمان، وهو الشخصية الفكرية والسياسية غير المنتمية الى سلك رجال الدين والموسوم بالاعتدال في أوساط المحافظين، مؤشرا إيجابيا باتجاه رفسنجاني، ليتكامل معه في العمل، وليستطيع عبر سياسته الوسطية أن يزيح المتشددين عن مصادر القرار، ويعيد ترتيب البيت الإيراني الداخلي، وهذا ما تريده بالضبط دوائر صنع القرار في إيران، وتحديدا مرشد الثورة. وعلى صعيد الإصلاحيين، وتحديدا "جبهة الثاني من خرداد"، فإن تعيين رئيس مجلس الشورى السابق آية الله كروبي مستشارا خاصا لخامنئي، كان رسالة حسن نيات واضحة من المرشد تتجاوز شخص كروبي لتشمل "جبهة علماء الدين المجاهدين"، وهم الفصيل السياسي الذي ينتمي اليه الرئيس محمد خاتمي، نظرا الى مواقفهم الداعمة للمشاركة في الانتخابات البرلمانية السابقة، وما بذلوه من مساعٍ لتخفيف الاحتقان والتوتر الناجمين عن إقصاء الإصلاحيين. وتعيين كروبي جاء لمصلحة رفسنجاني، اذ سيوفر له دعما من "جبهة علماء الدين المجاهدين"، أو على الأقل عدم ممانعة من قبلهم، في وقت سيكون دعم حزب "كوادر البناء" أمرا مؤكدا ومفروغا منه. أما بقية فصائل الإصلاحيين وعلى رغم اختلافها مع رفسنجاني وسخط بعضهم عليه، إلا أن من المؤكد في حال عدم نجاحها في فك الحصار المضروب على مرشحيها من قبل مجلس "صيانة الدستور" الذي يسيطر عليه المحافظون، وفي حال استمرار رفض رئيس الوزراء السابق مير حسين موسوي ترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية، ستجد هذه الفصائل أن خيار رفسنجاني أقل الخيارات ضررا، وستفضل فوزه على فوز مرشحين آخرين أمثال رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي حسن روحاني، ووزير الخارجية السابق علي أكبر ولايتي، والرئيس السابق للتلفزيون والإذاعة الرسميين علي لاريجاني. لا يمكن اعتبار رئاسة الجمهورية معقودة لرفسنجاني منذ الآن، وإن كان الأوفر حظا - ما لم تحدث مفاجآت جديدة - خصوصا أن المسألة تتعدى التوازنات الحزبية، وترتبط مباشرة بخيارات الشارع والناخب الإيراني الذي أثبت عبر جولات مختلفة أنه صاحب القرار، ومن بيده تغيير المعادلة، ورفع نسبة المشاركة أو خفضها، بحسب ما يقرره هو، لا بحسب ما تمليه توازنات سياسية فوقية، بلحاظِ أن المهم بالنسبة لرفسنجاني ليس الفوز وحسب، وإنما تقلد الرئاسة عبر مشاركة شعبية عالية، تتوجه رئيسا بغالبية كاسحة كما حصل لخاتمي. * كاتب سعودي.