أوصلتنا رحلة "طيران الامارات" الى أم المدن الصينيةشنغهاي صباحاً، ومن كان قريباً من نافذة الطائرة أتيح له التمتع بمشهد باهر: وفرة ماء ومساحات هائلة من الخضرة. لاحقاً سيفهم الزائر سبب شغف أهل شنغهاي بالماء وتبجيلهم له. فكما أنه عنوان حياة كذلك هو لدى العامة عنوان عطاء وحظ سعيد وراحة بال. وسيفهم أيضاً لماذا لا يخلو منزل أو فسحة عمرانية أو موقع سياحي من رمز مائي ما. فهذا العنصر الحيوي الذي دخل كيان هذه المدينة الناهضة، عبر الفرع الكبير لنهر اليانغتسي، حرك همم أهلها من أجل توسيع مرابعها الخضراء التي تناكبت الاحياء القصديرية، منذ الخمسينات، على قضم أوسع مساحاتها، وحولت شنغهاي الى مرتع سكني مكتظ، ملوث، بائس بفقره، وخطر بمجرميه وعصاباته. اليوم تتوافر لزائر شنغهاي الفرصة في زيارة فراديس عدة، الحديث منها يمتاز بالعودة الى التصاميم الرائدة للحدائق والمتنزهات التي تفاخرت بها السلالات البائدة، فيما التراثي منها ما زال يخطف دهشة الزائرين بأشجاره المعمرة وبيوتاته التقليدية التي يعود بعضها الى ألف عام وبركه العامرة بأسماك الزينة والمقاهي وغيرها. ولعل أشهرها حديقة يويوان كلمة يو YU بالصينية تعني السلام والصحة التي تقع ضمن محيط "معبد الاله" العريق وتتربع على مساحة هكتارين، وهي آخر ما تبقى من الآثار الغنية لسلالة مينغ، وتضم ثلاثين قاعة موزعة على مقاطعات ست منفصلة عن بعضها بعضاً بجدران بيضاء عالية ذات كوات أو نوافذ مزخرفة، وتتخللها ممرات مغطاة تشرف على بحيراتها وفيها 40 مشهداً تزينياً. ويقال ان بناءها أُكمل في العام 1559 بأموال مسؤول نافذ في السلطة وعلى قدر كبير من الثراء يدعى بان يوان دوان، والغرض هو الترفيه عن أفراد عائلته، خصوصاً كبار السن الذين أراد لهم أن ينصرفوا الى التوحد مع الطبيعة حسب المبدأ الكونفوشيوسي. وتعرضت هذه الحديقة للتخريب في القرن التاسع عشر قبل أن تقرر حكومة شنغهاي إعادة تأهيلها بين 1956-1961واعتبرتها في العام 1982 أثراً وطنياً. وبنت الحكومة المحلية واحداً من أكبر الأسواق التقليدية حول الحديقة التي يؤمها عشرات آلاف السياح كل عام. وتضم هذه السوق أشهر قاعة شاي صينية، وأكبر مطعم شعبي يقدم أشهر أصناف المطبخ الصيني الشهير. ومن المعالم الشهيرة في الحديقة جسرها المتعرج الذي يضم تسع زوايا ويخترق البركة الكبرى، ويقود الى المواقع ذات التسميات الظريفة وهي "الأحجار العظيمة" حيث رصفت فيها حجارة عملاقة وزن كل منها الفا طن جلبت من مقاطعات أخرى على شكل جبل صغير إرتفاعه أربعة عشر متراً، ونحتت عليها تفاصيل تعطي لمشاهدها الانطباع بأنه أمام جبل حقيقي. وهناك "مقصورة العشرة آلاف زهرة" والى الغرب منها يقع "حائط التنين" وهو جدار أبيض تتحول حافته الى رأس تنين عظيم. أما قاعة "نبع النذير" التي بنيت في العام 1820 واستعملت بعد ثلاثة وثلاثين عاماً كمركز لانتفاضة مسلحة، فقد احتفظت الحكومة الحالية بأسلحتها ومسكوكاتها، في حين تمتاز قاعة "الفرس العظيم" بأثاثاتها الخشبية التي لا تقدر بثمن. بينما تختال "الحديقة الداخلية" وملحقاتها الغربية والشرقية بمساحات مزروعة بأزهار وأشجار جلبت من عموم البلاد. وأخيراً "بركة اللوتس" التي تعج بعشرات الأنواع من أسماك الشبوط الأحمر. على زائر شنغهاي الطامح في إكتشاف جمال طبيعتها أن يعرج على زيارة قرية تساو تسوانغ ZHOUZHUANG التي تشبه مدينة البندقية الايطالية الى حدٍ كبير، من حيث قنواتها المائية الكثيرة وجناديلها الشهيرة. تبعد هذه القرية 95 كيلومتراً، ويعود تاريخها الى 900 سنة خلت، وتعرف بأنها "المدينة المائية رقم واحد في الصين"، وفيها 14 جسراً حجرياً أشهرها "الجسر المزدوج" الذي أبدعه نحاتون محليون عاشوا في فترة سلالة مينغ ويحمل زخارف تسرد تواريخ قريتهم وعائلاتها. أما "جسر فوان" فقد بُني في العام 1355 خلال حكم سلالة يوان، ويطل على دارة شين الشهيرة، وهي بيت أول مليونير في مقاطعة جانجنانغ، وتبلغ مساحته الفي متر مربع ويضم مئة غرفة تقع ضمن ثلاث مقاطعات تربط بعضها ممرات وحدائق غناء وجسور خشبية، وفيه قاعات للشاي تعد من روائع التصاميم الخشبية. وعلى الطرف الثاني سيدلف الزائر الى دارة تسانغ المعروفة ببواباتها العظيمة التي بنتها عائلة زو، وتضم 70 غرفة تبلغ مساحتها 1800 متر مربع. وتعرض في إحدى قاعاتها أغرب مجموعة من المفاتيح الاثرية، فخر الاختراعات الصينية، الى جانب الخزف الذي سيكون على الضيف المهتم به زيارة متحف شنغهاي للاطلاع على تحف لا تقدر بثمن من مختلف مدارس الخزف في المقاطعة المترامية الأطراف. على بعد 38 كيلومتراً من قرية تساو، سيجد الزائر نفسه وسط فردوس حقيقي هو قرية زوتساو ZUZHOU الواقعة وسط دلتا اليانغتسي بالقرب من بحيرة تايهو، ويعود تاريخ انشائها الى العام 514، وشيدها بيروقراطي نافذ جعلها مزرعة غنية في انتاج الحرير. تتفاخر زوتساو بحدائقها ذات التصاميم الكلاسيكية، وأشهرها لينغرينغ 24 الف متر مربع وهي واحدة من أجمل حدائق الصين، وتزخر بالمقصورات الخشبية المزخرفة ذات الفتحات العلوية التي تمكن جليسها من رؤية القمر. وتضم هذه المقصورات مئة عمل فني من الخطوط الصينية الشهيرة والتي تؤرخ للسلالات الكبرى مثل منغ، يوان، تانغ، سونغ، جن، وتغطي ألف سنة من مآثرها. أما حديقة "المدير المتواضع" فتتربع على مساحة 51 ألف متر مربع لتصبح الأوسع في محيط زوتساو. أسسها مفتش امبراطوري بعد تقاعده، واختار التسمية من خاتمة مقال قرأه ذات مرة يقول:"أن أحرث حديقتي وأبيع غلتي من الخضروات تلك هي حكمة المدير المتواضع". وقد قسّم الحديقة الى ثلاثة أقسام وربطها بجسور إزدانت بزخارف أثرية رائعة. ومن أشهر المعالم في هذا المتنزه الساحر القاعات العائلية حيث يلتقي أفراد العائلة لاحتساء الشاي وأهمها قاعة "36 بطة مندرين" وقاعة "زهرات الكماميليا الثماني عشرة" وكلتاهما فرشتا بأثاثات نادرة، وعُلقت فيهما لوحات مشاهير فناني وخطاطي الفترة الذهبية لسلالة مينغ.