لا تعرف غالبية العرب والمسلمين الكثير عن تراث مسلمي الصين، ومن هذا المنطلق تبرز أهمية الترجمة العربية لكتاب «الآثار الإسلامية لقومية هوي الصينية» من تأليف تشن يوي نينغ وتانغ شياو فانغ، وترجمة أحمد سعيد. الكتاب الصادر في 448 صفحة، يتناول عمارة المساجد والخزف والمعادن والمخطوطات والخط واللوحات الفنية، لكننا سنتوقف عند المساجد والخزف لكونهما من أبرز روائع الصين المعمارية والفنية. تعد المساجد أهم معالم العمارة الإسلامية في الصين، وكان المسجد يسمى في عصر أسرة تانغ؛ «لي باي تانغ»، أي قاعة الصلاة، ثم أطلق عليه في أوائل فترة أسرة يوان «سي تانغ»، أي «المتعبد»، وهو يسمى الآن «تشينغ تشين سي»، أي «متعبد الصفاء والحق». تعود التسمية الأخيرة إلى أسرة يوان، إذ قام شمس الدين عمر؛ وهو هاجر إلى الصين من آسيا الوسطى وكان ملك منطقة شيا يانغ، وتولى ترميم مسجد «شيآن الكبير» وتوسيعه، ثم دعا الامبراطور ليطلق اسماً على المسجد، فسماه «تشينغ تشن»؛ أي «الصفاء والحق». والأساليب المعمارية المتبعة في بناء مساجد قومية هوي التي شيدت قبل نهاية أسرة تشينغ تنقسم إلى نوعين رئيسين؛ أسلوب عمارة المساجد العربية، إذ إن المداخل الحجرية الضخمة المدببة المقوسة، والصحن المربع والايوانات والأروقة، والقباب التي تعلوها، هي أهم خصائص العمارة الإسلامية في بناء المساجد. وكان التجار المسلمون الأوائل من قومية هوي هم أول من بدأ تشييد المساجد التي تحمل الطابع المعماري العربي في مناطق الموانئ التجارية والمدن الساحلية. وكذلك كان التجار الذين قدموا إلى الصين من المناطق الإسلامية واستقروا فيها منذ مئات السنين هم من نقل إلى الصين طراز المساجد العربية ذات الصحن المربع الذي تعلوه قبة أو أكثر، مثل مسجد قلعة هايشوي في منغوليا الداخلية الذي أقيم في عهد أسرتي يوان وشيشيا، ومسجد الصحابة (ويسمى أيضاً مسجد الطاهر) في مدينة تشو انتشو في مقاطعة فوجيان. وتعد المآذن الشاهقة السمة الثانية المميزة للمساجد ذات الطابع المعماري العربي، ونرى هذه العلامة المميزة في مئذنة (تسمى في الصينية منارة) مسجد هوايشينغ في مدينة قوانغتشو التي ترتفع عن الأرض بمقدار 36.6 متر وهي دائرية الشكل لها طبقتان خارجيتان، في داخلهما سلمان لولبيان من الحجر لا يتقاطعان، ويمكن الصعود عليهما حتى قمة المئذنة، وقد أقيمت في عهد أسرة تانغ القديمة، ولها وظيفتان الأولى أن المؤذن يصعد عليها ليرفع الأذان، والثانية أنها كانت منارة تظهر طريق الملاحة للتجار. أسلوب العمارة الصينية التقليدية تأثرت الهوية الثقافية لقومية هوي أثناء تشكلها بثقافة الإسلام، وثقافة المنبع، وهي الثقافة الصينية التقليدية التي يعيش أهل هوي في أرجائها. وظهر هذا التأثر في جوانب حياة قومية هوي، كافة، ومنها العمارة، فشيدت مساجدها على غرار الدور المربعة ذات الطابع المعماري التقليدي الصيني، وتخطيط قاعة الصلاة (إيوان القبلة) كمركز للمسجد، ثم بناء الجدار الخارجي والمدخل وقاعة الصلاة والمحراب والمئذنة على محور شرقي غربي. أما المحور الجنوبي الشمالي للمسجد فكان يضم على جانبيه، قاعة التدريس وحجرة المحفوظات ومساكن الطلاب والحمامات وغيرها من الغرف، وكان التصميم الرئيس للمسجد على شكل مستطيل كبير يضم مجموعة مبان تتوزع في محورين، شرقي غربي وجنوبي شمالي، والبناء الرئيس في مجموعة المسجد هو قاعة الصلاة والتي يكون هيكلها من الخشب والحجر وقمتها إما مستقيمة تحوطها شرفات أو مدببة على شكل قمة جبلية ولها زوايا معقوفة. وتكون قاعة الصلاة في الاتجاه الشرقي للمسجد مواجهة للناحية الغربية والمحراب في الحائط الشرقي لها، ويكون المحراب مقعر الشكل في منتصف الحائط الشرقي لقاعة الصلاة، وهو مكان وجود الإمام وموضع تحديد القبلة. وأعلى المحراب مزخرف بنقوش وزخارف سقفية مربعة متعددة الطبقات متدرجة الارتفاع، تتدلى منها براعم زهرية أو منقوش أعلاه مناظر زهور، مثل مسجد مدينة دينجتشو في مقاطعة خباي ومسجد بوتو، وعلى شمال المحراب يوجد المنبر وهو غالباً من الخشب، ومئذنة المسجد تكون على شكل بناء سُلَّمي. وهناك مساجد تحتفظ في تصميمها بالطابعين، مثل تصميم إيوان القبلة في مسجد نيوجييه في بكين الذي أقيم في فترة حكم سونغ ويوان، والذي له سقف خارجي على الطراز الصيني يتكون من مقصورة تشبه الباغودات الأحادية الطابق، وقمتها مخروطية مدببة، ومن الداخل له قبة مقوسة نصف دائرية مزخرفة على نمط قباب المساجد العربية. تعد القنينات والصحون والأواني والأوعية والأباريق والمباخر من أشهر المصنوعات الخزفية عند المسلمين الصينيين. وتوجد قنينات بجسم ضخم وعنق رفيع، وأخرى تسمى الكرة الزرقاء، وهناك ذات المقبضين، وقنينة القرع، وقنينة مي ( وهي ذات جسم نحيف نسبياً من الأسفل يزيد تدريجياً حتى العنق). أما الأباريق، فمنها طويل العنق أو قصير العنق، أو ذو العنق الواسع، كما أن منها المحلى بالمعدن كالمصب والمقبض والغطاء، ويوجد أيضاً الإبريق ذو المقبضين والإبريق القرعي، ودائري الشكل وكريالي الشكل. أما العلب الخزفية، فمنها الدائري ومنها شكل نبات البغونية والمستطيل. كما يصنع من الخزف إبريق السقي والشمعدان والمباخر وغيرها. هذه التحف كانت تستخدم كأدوات ومقتنيات في الحياة العادية في القصور والمساجد ودور الأعيان. خصائص الخزف وتشكيلاته عند المسلمين كان الكثير من التشكيلات الخزفية تقليداً لأشكال الأدوات المعدنية والزجاجية عند المسلمين، وكان للكثير منها خصائص المقتنيات المعدنية المستخدمة في غرب آسيا في القرن الثالث عشر، كمبخرة عيون التنين ذات اللون الأخضر الفاتح والزهور الطيفية والمقبض الذهبي الذي يمثله كثير من التصميمات الرائعة للمقابض الخزفية الموجود في متحف قصر توب كابي في إسطنبول، وكذلك الوعاء الكريليكي الموجود في مكةالمكرمة. وحمل البحار المسلم تشينغ خه، خلال رحلاته السبع التي تعود إلى السنة الرابعة من حكم الامبراطور شيان دا؛ من أسرة مينغ؛ الكثير من المنتجات الخزفية الرائعة. ومن أهم أشكال الزخرفة الإسلامية: 1-تشكيلات الخطوط العربية من آيات القرآن الكريم والأحاديث والذكر والخطوط الفارسية من الأقوال المأثورة ونحوه، كما أن هناك تشكيلات زخرفية باللغتين العربية والفارسية، وكان الخط الكوفي في العربية حاضراً بقوة إضافة إلى خط الثلث والنسخ. 2-الزخرفة الهندسية، كالدوائر والأشكال الثلاثية والرباعية، إلى بقية الأشكال التي تتشكل على خطين متوازيين وتتخذ الدوائر مركزاً لها، وتلك الأشكال التي تتخذ الدوائر مركزاً لها كثيرة في الأشكال الزخرفية كالدوائر أو الإطارات المحيطة بحلقات صغيرة، كالأطباق المنقوشة بالخطوط العربية وآيات القرآن. 3-الزخرفة النباتية الكثيفة بكل أنواعها، والزهور الصينية التقليدية كانت حاضرة بقوة في هذه الزخارف مثل زهرة الفوانيا والتفاح والبرقوق أو النباتات والزهور العربية والفارسية التي تمتزج بخطوط متشابكة ومتقاطعة، وهي معقدة ومتشابكة ومتصلة بلا بداية أو نهاية، كالفازة الزاهية التي في مسجد شياوتاو يوان بمدينة شانغهاي، والتي تشع بالسمات الإسلامية في فنون الزخرفة، ويظهر على منتصفها البيضوي الشكل أحاديث باللغة العربية أما أعلاها وأسفلها فتموج بالزهور التقليدية كأوراق الزهور والفوانيا المتفتحة وأغصان البرقوق الكثيفة، كما زخرف عنق الفازة بالبسملة. ظهر جلياً في فنون الزخرفة عند قومية هوي روح الفن الإسلامي المتمثل في الكتابة العربية، ويعكس هذا الدمج الواضح لثقافتي الشرق والغرب من خلال تطوير سمات المزج بين الفن الصيني التقليدي المتمثل في الطيور والنباتات والفن العربي والفارسي القائم على رسم الزهور والنباتات وزخرفة الخطوط.