تواجه مدينة القدس ضغوطاً كبيرة لتهويدها وطمس وجهها العربي الاسلامي عبر برنامج منهجي تطبقه الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة من خلال مصادرة الأملاك ومنع البناء وإقامة الأحزمة الاستيطانية الى جانب العمل المنهجي للاستيلاء على المسجد الأقصى الذي شهد انطلاقة انتفاضة الشعب الفلسطيني الثانية. وكان المؤتمر القومي الإسلامي الثالث الذي انعقد في بيروت في كانون الثاني يناير 2000 اتخذ قرارا بتشكيل لجنة من بين أعضائه للنظر في تشكيل لجنة تحضيرية لعقد مؤتمر لانقاد مدينة القدس. كما تشكلت لجنة تحضيرية لإنشاء "مؤسسة القدس" التي رخّص لها في لبنان في 15/7/2002. وعقدت المؤسسة أمس مؤتمرها الثالث في بيروت برعاية الرئيس اميل لحود في حضور 150 شخصية من 30 دولة. افتتح المؤتمر المدير العام لمؤسسة القدس محمد أكرم العدلوني الذي استعرض مراحل إنشاء المؤسسة منذ عام 2000 حتى الآن، وأشار في خطابه إلى أن القدس "قضية عربية وإسلامية تعيش في وجدان كل عربي ومسلم ومسيحي". وتحت شعار "القدس في خطر" قال العدلوني "سعت المؤسسة خلال السنتين الماضيتين الى تنفيذ الدفعة الأولى من المشاريع المدنية الصحية والاجتماعية والتعليمية والثقافية وغيرها والتي تبلغ تكاليفها 50 مليون يورو، واستطاعت المباشرة مع غيرها من المؤسسات في تنفيذ أكثر من 20 مشروعا تقارب كلفتها ثلاثة ملايين يورو" و"تنفيذ حملة أصدقاء القدس وحملة المؤاخاة مع العائلات الفلسطينية". وأضاف العدلوني "أن المؤسسة أطلقت حملة ال100 مليون توقيع لتأكيد أبناء الأمة حقهم في فلسطين وعدم التنازل عنها". وأشار إلى ما يعنيه أهالي مدينة القدس من "تحد للبطالة التي بلغت حوالي 50 في المئة وهجرة مئات الأسر الفلسطينية عن القدس" اضافة إلى "التحدي التعليمي والصحي والسكاني وهدم مئات المنازل". وشدد على ما يتعرض له المسجد الأقصى "من حفر وتنقيب ومحاولات هدم وتفريغ من أهله ورواده سعيا لإقامة الهيكل المزعوم". وقال ان "أمامنا سلة من الواجبات" اوجزها بعشر واجبات ذكر منها: "إنشاء صندوق فلسطيني عربي إسلامي هدفه شراء الأراضي في القدس حفاظا عليها" وكذلك "حل مشكلة استئجار مترجمين يهود من قبل مكتب السياحة حيث يقوم هؤلاء المترجمون اليهود ببث الدعاية المضللة والظالمة عن القدسوفلسطين للسياح الأجانب". وألقى كلمة الرئيس لحود أسعد دياب وزير الشؤون الاجتماعية وذكر أن قضية فلسطين هي قضية العرب والمسلمين "لارتباط مصيرها بمصيرهم ولأنها تختصر الصراع العربي - الإسرائيلي في تاريخنا الحديث" وكان العراق حاضرا في كلمة لحود قال إن "الاحتلال في العراق هو ضمن منهج الضغط على هذه الأمة وبخاصة سورية، إذ ان صمودها مع لبنان هو أحد المعوقات الأساسية في وجه المطامع الإسرائيلية والمحافظة على الحقوق العربية". وأشار إلى التفجيرات الأخيرة التي وقعت في دمشق بأن "من ضمن سلسلة الضغوط على سورية" وأكد أن الصراع مع إسرائيل هو "كما نشأ صراع عربي - إسرائيلي لا يمكن أن ينتهي إلا عربيا - إسرائيليا واخطر ما يعيقه الاتفاقات الثنائية"، وان المقاومة "حق أصيل ومشروع وفي صلب حقوق الشعوب". وشارك مفتي القدس عكرمة صبري برسالة وجهها إلى المجتمعين في المؤتمر إذ تعذر عليه الحضور بسبب ظروف حالت دون حضوره الشخصي. وابرز ما جاء فيها "أضم صوتي إلى أصواتكم في تأييد قراراتكم وتوصياتكم". كما قال الأب عطا الله حنا الذي حالت سلطات الاحتلال دون حضوره في رسالته ألقاها جورج غنام "في غمرة التنازل عن الثوابت الوطنية والقومية تبقى مؤسسة القدس وغيرها من المؤسسات القومية في عالمنا العربي متمسكة بحقوقها الوطنية سواء في فلسطين او العراق". وقدم زعيم "الجماعة الإسلامية" في باكستان قاضي حسين احمد عرضا لما يطلبه الفلسطينيون من العيش في سلام والعودة إلى أراضيهم التي أخرجوا منها. وقال إن "منطق القوة الذي حاول المحتل ومن يرعاه أن يسود ويفرض في فلسطين وفي العالم رفضه أشقاؤنا الفلسطينيون". وحذر من أن الأعداء يحاولون "جعل الأمة الإسلامية كتلا متحاربة حكامها في واد وشعوبها في واد آخر". وأشار عضو المكتب السياسي لحركة "حماس" محمد نزال إلى الحرب التي تشنها الحكومة الإسرائيلية بدعم من الإدارة الأميركية وبخاصة إعلان الرئيس جورج بوش أثناء استقباله رئيس الوزراء ارييل شارون التي قدم خلاها ضمانات تدعو إلى شطب حق عودة اللاجئين والاعتراف بشرعية الاستيطان الصهيوني. وقال إن هذا الموقف "يمثل النظام السياسي الأميركي برمته إذ أن الكونغرس الأميركي أصدر قرارا من قبل اعتبر فيه القدسالمحتلة عاصمة للكيان الصهيوني ثم جاء توقيع الرئيس الأميركي ليؤكد صهيونية الإدارة الأميركية وتنسيقها الاستراتيجي مع الكيان الصهيوني". وألقى معن بشور كلمة باسم المؤتمر القومي الإسلامي قال فيها "ان القدس ليست في حاجة إلى مؤتمرات جديدة بقدر ما هي في حاجة إلى مؤسسة دائمة ترعى صمود المقدسيين وتحفظ لعاصمة فلسطين هويتها العربية ومقدساتها الإسلامية والمسيحية". وتحدث الشيخ يوسف القرضاوي عن بعض المشاكل التي واجهت المؤسسة بخاصة عند البحث عن بلد يهتم بها وقال "كل بلد أراد فرض شروطه على المؤسسة إلا لبنان الذي استقبلها من دون أن يفرض عليها شروطا". وأشار إلى أن "اخوننا في فلسطين شهداء إما بالقوة او بالفعل، فمن لم يستشهد اليوم سيكون غدا أو بعد غد، والذي يقاتل في فلسطين ليس شارون وحده وإنما بوش أيضا". وحمل على "تغييب الدين عن الصراع مع العدو الصهيوني" وقال: "إذا كان الأعداء وظفوا الدين في معركتهم فلا يمكن أن ندخل المعركة من دون سلاح الدين".