سجلت أسعار العقارات في العراق ارتفاعاً ملحوظاً في الشهور القليلة الماضية وتضاعفت أسعار البيوت مرتين والايجارات ثلاث مرات. ومع استئناف العمل بقانون تسجيل الملكية قبل أيام، بعد اكثر من عام على توقف العمل به، بات تسجيل الاملاك يضمن حفظ حقوق المشترين، ما يشجع على شراء العقارات. وأصيبت عمليات البناء في العراق في الفترة الاخيرة بالشلل بسبب الظروف الامنية الصعبة التي تمر بها البلاد، بعدما شهدت نشاطاً كبيراً في الفترة التالية مباشرة لسقوط النظام السابق متشجعة من الغاء الاجراءات الروتينية التي كانت تؤخر عملية البناء بسبب تأخير منح اجازات البناء. تشهد بغداد انتعاشاً واضحاً في عمليات بيع الدور والاراضي والمحلات التجارية وشرائها، بالاضافة الى تأجيرها. وقال جرجس بطرس صاحب مكتب للعقارات في منطقة زيونة في بغداد:"ترتفع اسعار العقارات نتيجة زيادة الطلب عليها بعد تحسن القوة الشرائية للمواطن". وشرح السبب في اندفاع المواطنين لشراء العقارات قائلاً:"التسهيلات التي طرأت على اجرءات التسجيل جعلتها مختصرة وغير متعبة، بعدما كانت معقدة وتتطلب جهداً ووقتاً حثيثين لإجرائها". وقال عادل يونس صاحب مكتب لبيع الدور والاراضي وتأجيرها في منطقة الكرادة في بغداد إن اسعار العقارات ارتفعت جراء قدوم آلاف المهجرين، لا سيما من ايران، ممن كانوا قد طردوا من بيوتهم قسراً، والذين يعودون اليوم لشراء دور لهم والسكن في بغداد، مشيراً أيضاً الى توجه المغتربين نحو شراء العقارات في العراق بعد انعدام القيود التي كانت تمنعهم من الشراء والتملك سابقاً. وأكد عدد من اصحاب مكاتب العقار ان سقوط نظام صدام حسن ساهم بصورة مباشرة في قدوم الكثيرين من الاكراد من شمال العراق، كذلك نزوح بعض من سكان محافظات الجنوب الى بغداد، يجذبهم في ذلك توافر فرص العمل والاستثمار التجاري، ما زاد في أسعار العقارات وضاعف الطلب عليها. ولفتوا الى أن أسعار العقارات تضاعفت مرتين، بينما تضاعفت اسعار الايجارات ثلاث مرات. وشرح عدد من المحامين أن قانون التسجيل العقاري لم يبطل العمل به وانما توقف لمدة، كان الغرض منها منع ازلام النظام السابق من بيع املاكهم او تأجيرها او تحويلها بأسماء اخرى. وقال المحامي محمود الجبوري:"أصدر مجلس الحكم قراراً بهذا الخصوص لكنه لم يكن ملزماً أو ساري المفعول على اعتبار عدم وجود شرعية لمجلس الحكم"، في اشارة الى ما اقره مجلس الحكم بخصوص توقف العمل بقانون التسجيل العقاري لعام 1995 والذي ينص على عدم قدرة أي عراقي التملك في بغداد اذا لم يكن مسجلاً في احصاء الدولة السكاني لعام 1957. عمليات البناء وازدادت حركة البناء نشاطاً عقب سقوط نظام صدام حسين على رغم ارتفاع اسعار مواد البناء الى ضعفين ثم الى ثلاثة اضعاف أو أكثر، فسعر حمولة سيارة شحن من الطابوق الآجر القرميد، على سبيل المثال، ارتفع من 100 الف دينار عراقي الى 300 الف دينار أو حتى400 الف دينار. لكن الاسعار عادت وهبطت إلى ما بين250 و275 ألف دينار بسبب عزوف الكثيرين عن البناء. ولا يزال السبب الرئيسي في إبقاء اسعار تلك المواد كالطابوق او الرمل أو الاسمنت المستورد مرتفعة هو الاوضاع الأمنية التي تعيق عملية نقلها من بغدادوالمحافظات، وهو الامر الذي يعاني منه بكثرة غالبية اصحاب شاحنات النقل والسائقين. وقال طالب عبدالرزاق ابو مشتاق، وهو من سكان محافظة الرمادي:"عندما انتقل بين الرمادي وبغداد يلازمني شعور بعدم الأمان على حياتي على طول الطريق، فليس هناك ما يحميني من النيران العشوائية للقوات الأميركية التي قد تشتبه بي لاسيما في حال انتقالي ليلاً، وليس هنالك من يؤمن لي الحماية من قطاع الطرق الذين قد يعترضون سبيلي على الطرق الخارجية. واثناء الاشتباكات في الفلوجة انقطعت مدة طويلة بسبب سد منافذ الطرق من بغداد وإليها". وهذا ايضاً حال صاحب سيارة النقل حسن ناصر الذي اضطر الى رفع سعر الطابوق لأن سائق سيارة النقل يطالب بأجر مضاعف جراء الاوضاع الأمنية والذي قال:"صحيح أن مواد البناء، ومنها الطابوق، ارتفعت إلا أني اضفت مبلغاً اضافياً من المال فوق السعر المعتاد لتسديد أجور السائقين المرتفعة هي الأخرى". أما اصحاب المعامل ومحلات البيع فمعاناتهم من ارتفاع الاسعار أكبر، لأنهم أكثر اتصالاً بالمواطنين. وقال محمد جبار صاحب معمل"شتايكر"في شمال بغداد:"ارتفع سعر الطن الواحد للاسمنت اللبناني من نوع ترابة سبكين الذي يعد من أجود الانواع، من 80 دولاراً الى 90 دولاراً ثم هبط ولكن الى 83 دولاراً. وهذه حال الأنواع الاخرى كالأسمنت الأردني الذي ارتفع سعره وهبط هو الآخر بفارق ثلاثة دولارات للطن الواحد". ويعزو غالبية التجار العراقيين ارتفع الاسعار، على رغم ركود عملية البناء، الى عزوف السائقين وأصحاب الشاحنات التي تنقل الاسمنت المستورد من لبنان والاردن ومصر أو غيرها، عن دخول الاراضي العراقية خشية تعرضهم الى القتل والسلب بسبب سوء الاوضاع الامنية. وقال التاجر علي حسين الذي يشتري الاسمنت من الحدود العراقية حيث يتوقف التجار العرب هناك:"عملية تفريغ الاسمنت او نقله من سيارة الى اخرى تتطلب مبلغاً من المال قد يصل الى خمسة دولارات للطن الواحد كأجور للعمال، ما يرفع سعره". أما تعدد الوسطاء والتجار فهو سبب آخر من أسباب رفع سعر الاسمنت المستورد في ظل تضرر معامل الاسمنت العراقية، على رغم الركود الحاصل في عملية الانشاء والتعمير. ويعلل استاذ الاحصاء والاقتصاد في جامعة بغداد الدكتور صبري مصطفى البياتي أسباب الركود بالقول:"للأوضاع الأمنية السيئة دور كبير في حدوث الركود المتأتي عن عدم اقبال المواطنين على إعادة بناء المنازل المدمرة لتخوفهم من هدمها مرة اخرى. وهذا ما حدث في الفلوجة، على سبيل المثال، وكذلك توقف من يبني منزلاً للمرة الأولى للسبب نفسه، اضافة الى توقف دائرة تسجل العقاري حتى ايام قليلة مضت عن تسجيل معاملات البيع والشراء للأراضي والعقارات، وهذا يعني ان حركة البناء توقفت هي الاخرى بسبب توقف انتقال ملكية الاراضي والمباني بين المواطنين". وعن تذبذب اسعار المواد الانشائية المستوردة كالاسمنت مثلاً قال:"الاسعار ارتفعت قبل الاحداث في الفلوجة، التي قطعت الطريق التجاري لنقل الاسمنت، والان عادت لتنخفض مرة اخرى بسبب عزوف المواطنين عن إعادة بناء ما دمر لتخوفهم من هدمه مرة اخرى كما اسلفت". وقد يكون الطريق السريع الذي يربط بغداد بالحدود السورية والأردنية، والذي يُنقل عبره 75 في المئة من واردات العراق البرية، فتح مجدداً، إلا أن حركة أسعار مواد البناء وأنشطة التعمير تبقى متشنجة بسبب الظروف الأمنية التي يعيق عدم استقراراها غالبية الانشطة الاقتصادية.