المذيعة رولا خرسا واحدة من المتميزات على شاشة التلفزيون المصري لبساطتها وتفردها، لذا ابتعدت عن العمل التقليدي وقدمت برامج عن دواخل الناس وهمومهم وقضاياهم الحقيقية. معها كان هذا الحوار: ألم تخشي أن يجعلك عدم اهتمامك بالمظهر مذيعة غير متألقة، لا تأخذ حظها من النجومية؟ - نصحني كثر بأن اهتم اكثر بالملابس وادوات الزينة على اعتبار ان "البهرجة هي اساس التميز"، لكنني لا استطيع أن اكون غير نفسي. وأنا انسانة بسيطة جداً في حياتي العادية واحب ان اظهر هكذا ولا أرى ابداً ان "البهرجة" هي الاناقة. على العكس.. فأنا اهتم بمظهري في شكل بسيط وغير لافت خصوصاً عند تقديمي برنامج "اخبار الناس" فكيف اقدم حلقة عن منكوبي الزلازل او اسجل مع اطفال الشوارع او ضحايا الانتفاضة وأنا اضع ماكياجاً باهراً او ارتدي ملابس مبهرجة. لكني في برنامجي الآخر "في العمق" استطيع اختيار ملابس اكثر كلاسيكية، لأن طبيعة البرنامج مختلفة ولذلك يختلف شكلي معه، ودائماً اختار ألوان ما ارتديه متماشية مع الموضوع الذي اناقشه، فعندما قدمت حلقة عن ثورة تموز يوليو ارتديت تايير اقرب الى لون الملابس العسكرية، كذلك ارتديت ملابس بيضاء عندما قدمت حلقة عن اطفال الشوارع لان هذا هو لون الطفولة وارتديت طاقماً اسود عليه الشال الفلسطيني عندما قدمت حلقة عن الانتفاضة تقبلني الجمهور ببساطتي تلك. "مسنودة"!؟ هل أنت من قائمة المحظوظات في ماسبيرو، بمعنى آخر هل أنت مذيعة "مسنودة"؟ - لا افهم معنى كلمة مسنودة على رغم انني سمعتها كثيراً. وأريد ممن يشيع ذلك عني ان يحدد لي من هو الذي يدعمني في التلفزيون كله. فالوزير مشكوراً اعطاني الفرصة، لكنني لو كنت فاشلة او مستهترة لرفضني الجمهور، بالاضافة الى ان اجري هو اقل اجر تحصل عليه مذيعة في التلفزيون المصري، وموازنة برنامجي قليلة جداً، فهل يتصور احد ان الموازنة المرصودة ل"اخبار الناس" كلها 2500 جنيه منها اجري واجر الاعداد والتقارير واجر الخمسة مذيعين الذين يشاركونني فيه. ولا احصل على اي بدل سفر علماً انني سجلت تقارير في معظم محافظات الجمهورية، فكيف اكون مدللة ومسنودة بعد كل هذا؟ قد تكون هذه الاقاويل راجعة الى انفرادك ببرنامج متميز منذ بداية دخولك التلفزيون وهو "اخبار الناس" ثم بعد ذلك برنامج "في العمق"؟ - برنامج "اخبار الناس" لم يسنده لي احد ولكنني بعد عودتي من لندن بعد فترة من عملي في اذاعة B.B.C بالاضافة الى مراسلة للتلفزيون المصري قدمت مجموعة من الافكار من بينها فكرة "اخبار الناس" التي كانت في ذهني قبل فترة، فقد كنت اتمنى دوماً تقديم نشرة اخبار ابرز فيها الجانب الانساني، وتأثير الاحداث في الافراد. بعدها بفترة وجدت ان هناك اموراً كثيرة لا استطيع مناقشتها في "أخبار الناس" فهي تحتاج لمناقشات اكثر واعمق مثل الموساد الاسرائيلي والاستخبارات المصرية، وزواج المصريين من اسرائيليات والعمالة المصرية في اسرائيل لذلك رأيت انني في حاجة لان اخصص لهذه الافكار برنامجاً منفرداً غير "اخبار الناس" وفعلاً كان البرنامج الثاني "في العمق" وقد حقق نجاحاً لا يقل في مستواه عن "اخبار الناس" وابذل فيه قصارى جهدي ليظهر بهذا المستوى، والاثنان لهما جماهيرية عالية، ولو فشل احدهما او كان ضعيفَ المستوى لما استمر، فالواسطة او الظهر لن يسندني في قلوب المشاهدين، والجهد الكبير وراء نجاحي ولا شيء غير ذلك. ألغام وهل تعتبرين الخوض في القضايا الحساسة وحقول الالغام هذه جرأة منك ام واجباً عليك؟ - بالقطع هو واجب، فمن اهم اهداف وواجبات الاعلام التنوير، وحددت ذلك ايضاً هدفاً لنفسي منذ بداية عملي مذيعة فقد ناقشت موضوع الموساد لأذكّر نفسي اولاً واذكّر الناس او اعرّفهم بما فعلته بنا اسرائيل، منذ بداية المخطط الصهيوني الحقير ومدى كذبهم فيما يدعون، لان جهلنا وصمتنا لن يزيدهم الا ظلماً وتعنتاً فهم الآن يتهموننا بما فيهم من ارهاب، يقولون إننا ارهابيون ونستغل الدين ونتاجر به، في حين هم الارهابيون وهم مَن يتاجرون بالدين لتحقيق اهدافهم القذرة وانا ليس لدي اي قريب فلسطيني ولكنني اردت ان اقول ان فلسطين قضيتنا جميعاً قضية دين اسلامي ومسيحي وكرامة عربية. يقدم زوجك الكاتب الصحافي عبد اللطيف المناوي برنامجاً يشبه الى حد كبير برنامجك "في العمق" فهل تعتبرينه أو يعتبرك هو من "المنافسين"؟ - اطلاقاً فبرنامج زوجي من الاساس لا يتشابه مع اي برنامج اقدمه، فهو يهتم بالسياسة في شكل اساسي وقضاياها أما انا فأهتم بتأثير الاحداث حياة الناس وبالتالي يعمل كل منا في اتجاه مختلف، فهو ليس منافساً لي على الاطلاق، على العكس فإنه يساعدني كثيراً في الاعداد لموضوعاتي واختيار افكاري ونتناقش كثيراً في كل حلقة. الا تؤثر الحالات التي تقدمينها سلباً فيك، خصوصاً ان معظمها ضحايا كوارث؟ - بالقطع فقد بكيت في أكثر من حلقة، واوقفت التصوير اكثر من مرة، مثلاً عندما التقيت زوجة البطوطي وهو الطيار المصري الذي استشهد في حادث الطائرة المصرية التي تفجرت على السواحل الاميركية منذ ثلاثة اعوام. هناك حال اخرى ظلت في ذهني فترة طويلة جداً واصابتني بحال اكتئاب شديد، وهي طفلة عمرها نحو 12 عاماً قابلتها عندما كنت اسجل حلقة عن اطفال الشوارع وكانت في حالة غير طبيعية إذ كانت تتحدث معي ثم تضحك ثم تصرخ ثم تهذي بكلام غريب ثم تعود وتكمل الكلام، فسألتها هل تتعاطين شيئاً فاجابت بكل بساطة "شامة كُلة" وهي مادة صمغية لها تأثير مخدر، في الحقيقة لم استطع ان افعل او اقول لها شيئاً لكنني ظللت لفترة طويلة جداً قلقة عليها، وتألمت كثيراً لحالها، فطفلة في مثل هذه السن الحرجة تعيش في الشارع وتتعرض لظروف في مثل هذه القسوة، شيء صعب. ولماذا لم تفكري في تبني مشاريع خيرية من خلال برنامجك تساعدين فيه مثل هذه الحالات؟ - لست جاهزة لذلك، وليس لدي علاقات قوية تؤهلني لفعله، ولكنني اتمنى كثيراً ان استطيع مساعدة هذه الحالات قدر استطاعتي، ولو تمكنت ان افعل اي شيء من خلال البرنامج او اي مشروع خيري لن اتردد لحظة. معيار الفائدة وما هو معيارك في اختيار فقرات برنامج "اخبار الناس"؟ - المعيار الاساسي هو الفائدة التي ستعود على الناس واهمية القضية المطروحة، وغالباً ما تفرض الاحداث نفسها كما حدث في قضية الطائرة المصرية التي سقطت على السواحل الاميركية او قضية الجهاز المشع في احدى قرى القليوبية، وغيرها. ولكنك تحرصين على الانتقال الى مواقع الاحداث في العالم العربي وليس فقط داخل مصر، الا تخشين خطورة ذلك عليك؟ - اؤمن تماماً بأننا لن ننال الا اقدارنا، وقد حذرني البعض من ان اسمي سيدرج على القائمة السوداء لدى اسرائيل وقيل لي ايضاً أنني سأتعرض لتهديدات قوية لكن هذا لم يحدث ولا اخشى ان يحدث، فما يحدث في الجولان، او في فلسطين او في العراق شيء افظع من اي تصور وضد الانسانية والاديان، فهل اخشى على نفسي أنا ولا انقل جرائمهم هذه، هذا غير معقول. تحقيقاتي في الجنوب اللبناني والجولان وفلسطين علمتني الكثير، إذ قابلت اشخاصاً يوهِبون حياتهم في سبيل الكرامة والحرية، علموني كيف يعيش الانسان من اجل مبدأ، ويؤدي دوره ورسالته في الحياة حتى يحصل على حقوقه، حتى لو كان ثمن ذلك عمره. اكدت اكثر من مرة انك حددت هدفك في رأيك ما هي الضريبة التي يدفعها الانسان في بداية حياته حتى يحقق هذا النجاح الكبير؟ - الجهد المتواصل أهم شيء، سواء في العمل أم في الثقافة وعدم النظر الى المادة في البداية حتى يجني ثمار زرعه، وان يكون اكبر من الاحباطات التي يواجهها فلا يقف عندها ويظل يكافح حتى يحقق ما يريد. فمثلاً عند بداية حياتي العملية عملت في البرنامج الاوروبي في الاذاعة المصرية ثلاث سنوات من دون تعيين وظللت اكثر من عام في البداية اقدم برنامجاً يومياً لمدة ساعة من دون أي اجر وبعد أن نجح هذا البرنامج انتبه المسؤولون لي وقرروا لي اجراً عنه، ولم يزعجني ابداً انني لم اكن معينة ثم سافرت للعمل في اذاعة B.B.C في لندن، مدة ثماني سنوات من العمل الشاق جداً، فالمذيعة لديهم مسؤولة عن كل شيء من تحضير المادة والاعداد وحتى الموسيقى والمونتاج، والاعمال الادارية الخاصة بالبرنامج وكل شيء، حتى رجعت للتلفزيون المصري وها أنذا اشرف على كل كبيرة وصغيرة في برامجي حتى المونتاج اتابعه بنفسي، فنجاحي اليوم ليس وليداً للحظة. واعتقد ان النجاح لا يأتي صدفة، واذا جاء صدفة فبالتأكيد لن يستمر.