يمثل اغتيال الشيخ احمد ياسين، الزعيم السياسي الروحي لحركة المقاومة الاسلامية"حماس"، طفرة الى أمام في التصعيد الاسرائيلي للغارات اليومية وهدم المنازل والخنق الاقتصادي وقتل المدنيين وغيرها من الاجراءات الاسرائيلية المتواصلة، التي تهدف الى قطع الطريق على أي مبادرات لتسوية سياسية تستجيب للاجماع العالمي. ويحرض شارون بذلك على رد انتقامي كبير، وهو ما سيمهد بدوره لاعتداء اسرائيلي ضخم يوسّع رقعة النزاع الى ما وراء الضفة الغربيةوغزة ويضمن استمرار المأزق الذي سمح به الطرف الذي نصّب نفسه صانعاً للسلام: الولاياتالمتحدة. لماذا يمثل السلام خطراً بالنسبة الى شارون، ولماذا استهداف ياسين؟ بعد 37 سنة على الاحتلال وعشر سنوات على اوسلو واربع سنوات على"تقرير ميتشل"وثلاث سنوات على طابا واكثر من سنتين على مهمة زيني، وبعد سنة على خريطة الطريق، لا يزال السلام بعيد المنال. السلام في هذه الحالة يقتضي حلاً سياسياً تنهي اسرائيل بموجبه الاحتلال وتقبل المسؤولية عن تشريد لاجئي 1948 و1967، وتقبل بحدود متفق عليها دولياً تفصل بين دولتين تعيشان جنباً الى جنب بكرامة متبادلة وتعايش سلمي. هذه الافتراضات لتسوية سلمية اعتبرت غير مقبولة من شارون الذي انهمك خلال السنوات الثلاث الاخيرة من حكمه بتنفيذ الخطة التي وضعها في 1891: ضم نصف الضفة الغربية وهي ذاتها 22 في المئة من فلسطين الاصلية ما قبل 8491 والاكتفاء بمنح الفلسطينيين حكماً ذاتياً محدوداً في كيانات مفتتة، كي يضمن أن لا تخضع المنطقة الواقعة بين نهر الاردن والبحر الابيض المتوسط إلاّ لسيادة واحدة: سيادة اسرائيل. وفي الوقت الحاضر، اقنع شارون كما يبدو جورج بوش بأن خطته الاحادية الجانب، التي تبدأ بإخلاء غزة، هي المحور لتسوية سلمية. وستقدم الخطة الى الفلسطينيين بطريقة تضعهم امام خيار القبول بها او رفضها. وبالنسبة الى الولاياتالمتحدة، سيعني ذلك ثمناً بالمقابل يتمثل بتعويض مالي واذعان لمخططات شارون التوسعية في الضفة الغربية. ومن المستبعد ان يثير بوش، الذي كان انتقد بناء الجدار الذي يبلغ طوله 400 ميل"ويشق طريقه متلوياً عبر الضفة الغربية"حسب قوله العام الماضي، هذا الموضوع مرة اخرى في سنة انتخابات، عندما يكون مجرد ذكر مستوطنة شيئاً من المحرمات بالنسبة الى كلا المرشحين الرئاسيين الاميركيين. وينبع خطر السلام، بالنسبة الى شارون، من"خطر ديموغرافي"مدرك. بحلول العام 2010، سيصبح العرب الفلسطينيون الذين يعيشون بين الاردن والمتوسط، وتحت سيطرة اسرائيل، غالبية للمرة الاولى. وستلجأ اسرائيل، التي يستبعد اطلاقاً أن تطبق مبدأ حق الاقتراع لكل شخص، اما الى طرد السكان الفلسطينيين او ابقاءهم محجوزين في بانتوستانات على نمط جنوب افريقيا في عهد الفصل العنصري، وهي في الجوهر خطة شارون في 1891. وهو ما يقودنا الى السؤال الثاني: لماذا استهداف ياسين؟ عندما انشئت"حماس"في 1987 في بداية الانتفاضة الاولى، حاولت اسرائيل ان تستخدم المنظمة كثقل مضاد لمنظمة التحرير الفلسطينية، التنظيم الرئيسي العلماني الوطني، التي كانت تتبنى الكفاح غير العنفي ضد الاحتلال العسكري الاسرائيلي. وكانت اسرائيل تشعر بانها مهددة من مقاومة سلمية اكثر من انتفاضة ذات طابع عسكري. وعرف ياسين بكونه براغماتياً مستعداً للتوصل الى تسوية على اساس قيام دولتين على رغم صفته كرجل دين ومعتقداته الدينية - السياسية. وبالنسبة الى الفلسطينيين، برز ياسين كزعيم وطني يتخطى نفوذه الحواجز الايديولوجية والعلمانية، خصوصاً عندما دعا علناً الى عدد من اتفاقات وقف النار مقابل انسحابات عسكرية اسرائيلية وتخفيف معاناة المدنيين الفلسطينيين. وكان اصبح صمام أمان تحظى خطوطه الحمراء، بتحريم الاقتتال الداخلي، بالتقدير وسط فئات الفلسطينيين المختلفة. في غضون ذلك، بعد تهميش عرفات واضعاف مكانته بسبب اتهامات بالفساد وتركة اوسلو الشائنة، بدأ ياسين، بطريقته المتواضعة، يملأ فراغ القيادة. ومنحت شبكة المنظمات الخيرية التابعة ل"حماس"، التي تعرف بالنزاهة والشفافية، ياسين الشرعية التي لا تستند على رعاية الحاجات الروحية لشعبه فحسب بل حاجاتهم الاجتماعية والاقتصادية ايضاً. وباغتيال ياسين كان شارون يمد المعركة الى ما وراء غزة وما وراء العالم العربي. كان اعلان حرب على تسوية سياسية تقوم على انشاء دولتين، وفي الوقت ذاته ضد الاسلام. واولئك الذين خلفوا ياسين، المعروفون لدى وسائل الاعلام والاستخبارات الاسرائيلية لكن ليس لوسائل الاعلام الاميركية، هم اكثر تشدداً واقل استعداداً لممارسة ضبط النفس الذي كان ياسين قادراً على القيام به. وحذر البروفسور الاسرائيلي شاؤول مشعال، وهو خبير في"حماس"، من ان"خشيتي هي اننا قد ندفع ثمن هذا النشر لأنشطة"حماس"خارج الضفة الغربيةوغزة، ما يعني انهم سينفذون اعتداءات في بلدان اخرى، وليس فقط ضد اهداف يهودية". في الحقيقة، يتطابق توسيع المعركة بالاحرى مع استراتيجية شارون بادخال المقاومة الفلسطينية للاحتلال في حرب بوش على الارهاب. وبعد إن اطلق طيارو سلاحه الجوي الصواريخ التي زودتها الولاياتالمتحدة على رجل الدين المشلول وشبه الضرير، المربوط الى كرسي المقعدين، تبجح شارون بأنه قضى على "بن لادننا". ويستهدف مثل هذا التشويه للنزاع الفلسطيني الاسرائيلي رأياً عاماً غير مطلع في الولاياتالمتحدة يتغذى على وجبات متواصلة من "الارهاب الاسلامي" ومواجهات اصبحت ترتدي طابع حملة صليبية توصف من قبل مرشدين روحيين بانها"صدام حضارات"و"حرب عالمية رابعة". في هذا الجو المشوّش، يأمل شارون بأن يتغلب على مخاوفه الديموغرافية ويبقي نزاعاً بسيطاً يدور حول انهاء احتلال عسكري بعيداً ليس عن الأجندة العالمية فحسب بل حتى عن أجندة حليفه الاستراتيجي حيث تحل المخاوف الانتخابية محل السلام. وهو ما يدفع الى التساؤل هل يمكن ادارة عملية سلام ليس من قبل صانع سلام متردد فحسب بل ايضاً من الحليف الاستراتيجي والممول ومجهز الاسلحة لأحد طرفي النزاع؟ ألم يحن الوقت لأن يمارس المجتمع الدولي التزاماته وحقوقه، بدءاً بتوفير الحماية للمدنيين الخاضعين للاحتلال، على الطريق المفضي الى مؤتمر دولي وتسوية عادلة؟ * بروفسور في العلوم السياسية في جامعة مساتشوستس دارتموث. آخر كتبه هو"الوسيط غير النزيه: دور الولاياتالمتحدة في اسرائيل وفلسطين"كمبردج: دار"ساوث اند"للنشر، 3002.