ارتفاع أسعار النفط إلى 73.20 دولار للبرميل    235 جهة حكومية تستعرض أبعاد ثروة البيانات وحوكمتها والاستفادة منها في تنمية الاقتصاد الوطني ‬    وزير العدل: مراجعة شاملة لنظام المحاماة وتطويره قريباً    سلمان بن سلطان يرعى أعمال «منتدى المدينة للاستثمار»    أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    المملكة تستضيف اجتماع وزراء الأمن السيبراني العرب.. اليوم    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    توجه أميركي لتقليص الأصول الصينية    إسرائيل تتعمد قتل المرضى والطواقم الطبية في غزة    الجيش الأميركي يقصف أهدافاً حوثيةً في اليمن    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    أمير الشرقية يرعى ورشة «تنامي» الرقمية    كأس العالم ورسم ملامح المستقبل    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    اختتام معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي    دروب المملكة.. إحياء العلاقة بين الإنسان والبيئة    ضيوف الملك من أوروبا يزورون معالم المدينة    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    إن لم تكن معي    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    المشاهير وجمع التبرعات بين استغلال الثقة وتعزيز الشفافية    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مقترحات في الوضع الدستوري لعراق ما بعد صدام
نشر في الحياة يوم 28 - 05 - 1999

من أهم الصعوبات التي تواجه الحكم في العراق القضية الكردية والطائفية السياسية. واذا كانت هناك محاولات لتجاوز الأولى فان الطائفية تبقى العقبة الأصعب.
باستثناء دستور الدولة العراقية لعام 1925 وتعديلاته، لم تعرف الدولة العراقية دستوراً دائماً منذ انقلاب 1958. وحتى ذلك الدستور تعرض للكثير من الانتهاكات على يد حكم ذلك العهد وفشل في نهاية الأمر من تجاوز العقبتين الكردية والطائفية على رغم نجاح النظام الملكي في قطع خطوات مهمة في طريق الاندماج الاجتماعي والسياسي للعراق.
وتعقدت المشكلة الطائفية - الكردية ابان الحكم الجمهوري الى ان بلغت ذروتها في عهد صدام حسين.
تطرقت عموماً، معظم الاحزاب والمنظمات السياسية العراقية المعارضة للوضع الدستوري لعراق المستقبل، وليس من قبيل المصادفة ان الغالبية أكدت على ضرورة احترام حقوق الانسان واعتماد الديموقراطية نظاماً للحكم المقبل. ولكن هذه الاحزاب والتنظيمات فشلت او لم ترغب في تقديم اقتراحات دستورية تعالج القضية الكردية والمشكلة الطائفية، باستثناء الحزبين الكرديين الرئيسيين اللذين طالبا باعتماد مبدأ الفيدرالية لحل المسألة الكردية من دون وضع تصور دستوري شامل لكل العراقيين.
ان الانقسام الطائفي والقومي اليوم هو أشد ما يكون عليه من أي وقت سابق، الأمر الذي انعكس واضحاً في تركيبة المعارضة العراقية. فعلى رغم ان الأحزاب العراقية لا تطالب بالانفصال أو التقسيم الا ان تركيبة الأحزاب والقوى الفاعلة باتت تعكس حالة من الانقسام القومي والطائفي. فهناك أحزاب كردية تقتصر على الأكراد، واخرى اسلامية تقتصر عضويتها على أبناء الشيعة، يقابلها تكتلات سنية في تركيبتها واهتماماتها، وحتى الحزب الشيوعي العراقي وهو الأكثر عراقية وعراقة من الآخرين انقسم الى حزبين عراقي عربي وآخر كردي. بات التعامل الاقليمي والدولي مع المعارضة العراقية على صعيد الواقع ينطلق من هذا الأساس الطائفي والعرقي.
هذا لا يعني غياب تكتلات او تنظيمات عراقية لا تعتمد الطائفية في نهجها، الا ان مثل هذه التكتلات باتت صغيرة ومحدودة التأثير.
وفي مناخ سياسي يطغى فيه التيار الاسلامي الشيعي والكردي القومي، نجد ان العناصر السنية العراقية العربية المعارضة على رغم معارضتها نظام صدام حسين اخذت تنأى بنفسها عن التعاون مع الاطارات السياسية للمعارضة العراقية الحالية ذات الهيمنة الشيعية او الكردية، وباتت تعيش حالة من التمزق بين الخوف من استمرار الديكتاتورية من جهة، ومن مخاوف تغييره لصالح هيمنة شيعية وكردية من ناحية ثانية.
ان عراق ما بعد صدام لا يمكن ان يعود الى الوراء، المطلوب التوصل الى عقد او ميثاق سياسي ينهي الانفراد الطائفي ولا يسمح باستبدال هيمنة طائفة باخرى باسم "الأكثرية".
مطلوب عقد سياسي يعالج القضية الكردية بعيداً عن فرض حل قسري او انفراد الكرد بفرض حل لقضيتهم بمعزل عن مصالح الشعب العراقي المشروعة. والمطلوب مصالحة وطنية تعتمد حل وسط توفيقياً يكرسها قانون دستوري يجسد الاتي:
- رضا مكونات الشعب العراقي، العرب السنة والشيعة والكرد والتركمان والاشوريينوغيرهم من المسيحيين.
- احترام كافة الحقوق المشروعة للطوائف والاقليات الدينية والاثنية.
- المشاركة المتوازنة في السلطة بدءاً من البلدية الى الحكومة.
- توفير ضمانات ضد التمييز او الاضطهاد العرقي او الطائفي.
- وحدة العراق واستقلاله، بصيغة التنوع ضمن الوحدة.
- اعتماد مزيج من الفيدرالية واللامركزية في الادارة والسلطة.
- احترام كافة حقوق الانسان كما حددتها المواثيق الدولية بما فيها حرية الرأي والنشر والتجمع والأحزاب.
- الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية.
- استقلال القضاء في اطار دولة القانون والمؤسسات.
- التأكيد على مبدأ المساءلة والتوازن بين السلطات.
- توفير آلية تداول السلطة بالطرق السلمية.
- مراجعة وظيفة وتركيبة القوات المسلحة بما ينسجم مع الدستور.
ان تحقيق مثل هذه المواصفات هو من دون شك مهمة صعبة، تتجاوز التوصيف الدستوري الأكاديمي الى ضرورة توفر الارادة السياسية اضافة الى القدرة على تنفيذها.
كما ان طريقة تغيير النظام القائم في العراق سيكون له الأثر الكبير في طبيعة النظام البديل. ان النتائج المترتبة عن تغيير بواسطة انقلاب عسكري ستكون حتماً مختلفة عن تغيير تفرضه انتفاضة شعبية تنطلق من الجنوب او من كردستان العراق، او ان يكون التغيير نتيجة حرب أهلية.
ان عدم وضوح صورة عراق ما بعد صدام. ناهيك عن عدم وجود قناعة مشتركة بين مكونات الشعب العراقي على تلك الصورة، يجعل من مستقبل العراق قضية قابلة للانحدار نحو التقسيم او الحرب الأهلية او العودة الى ديكتاتورية جديدة يأمل البعض ان تكون رحيمة.
من هنا اتقدم بهذه المساهمة المتواضعة، انطلاقاً من افتراض تغيير النظام الحالي في العراق لصالح قوى سياسية ديموقراطية.
لا بد من فترة انتقالية في ظل حكومة ائتلافية ومجلس استشاري يختار بالتعيين من مختلف شرائح المجتمع اضافة الى عدد من الفنيين والاختصاصيين لاعداد الدراسات اللازمة، ومشاريع اللوائح الانتخابية ومسودة الدستور المقترح، ليتم التصويت عليها مباشرة من الشعب او بواسطة مجلس تأسيسي منتخب.
دستور العراق الاتحادي
اجراء احصاء سكاني
المبادرة في اجراء احصاء للسكان باشراف طرف محايد، وذلك بعد فترة تسمح للعراقيين المهاجرين والمهجرين بالعودة او تسجيل اسمائهم في السفارات العراقية.
يهدف الاحصاء الى تحديد الانتماءات القومية والاثنية والمذهبية والحالة الاجتماعية الحضرية والريفية للسكان، وأماكن اقامتهم السابقة ممن تم تهجيرهم. اضافة الى توفير المعلومات اللازمة للتخطيط الاقتصادي والاجتماعي والتربوي.
نظام اداري جهوي
- في ضوء نتائج الاحصاء السكاني يتم اعادة ترسيم حدود المحافظات الادراية بما يحقق اعلى قاسم من الانسجام الاثني والمذهبي ضمن المحافظة الواحدة.
- اعتماد المحافظات الادارية أساساً لنظام جهوي وذلك على الأسس الاتية:
- الجهة الشمالية اقليم كردستان، محافظات السليمانية، دهوك، اربيل.
- الجهة الوسطى والموصل، محافظات الموصل، صلاح الدين، الكوت، بابل، النجف.
- نظراً لخصوصية كل من بغداد وكركوك يعاملان كأمانة ادارية قائمة بذاتها.
نظام اتحادي جهوي
- مكونات الدولة العراقية هي "الجهات الثلاث" بالاضافة الى الأمانتين.
- وضع نظام اداري وقانوني لهذه المكونات الجهوية بما ينظم أعمال المحافظة والعلاقة بين المحافظات في الجهة الواحدة، ويحدد صلاحيات المجالس التمثيلية لكل جهة وعلاقتها مع بعضها بعضاً على أساس المزج بين الفيدرالية واللامركزية حسب الجهة.
- لكل محافظة مجلس منتخب ينبثق عنها، بالنسبة للجهة الجنوبية والوسطى، هيئة تنفيذية سكرتارية المنطقة ذات صلاحيات ادارية لامركزية يحددها القانون. اما الجهة الشمالية الكردية فاضافة الى مجلس المحافظة، ينتخب ابناء المحافظات برلمان كردستان العراق، تنبثق عنه حكومة اقليم كردستان ذات صلاحيات فيدرالية.
- لكل "أمانة" بغداد وكركوك مجلس منتخب يرأسه أمين ذات صلاحيات يحددها القانون.
السلطة التشريعية
تتكون السلطة التشريعية لدولة العراق الاتحادية من مجلسين:
مجلس النواب الشعب
ينتخب مجلس الشعب بالانتخاب المباشر من كافة سكان العراق وذلك على أساس الدوائر الانتخابية حسب نسب سكانية يحددها القانون.
- الانتخاب والترشيح يتم على أساس مكان الاقامة، وليس بموجب الانتماء الطائفي أو العرفي أو الاثني. باستثناء المقاعد الخاصة للأشوريين والمسيحيين.
- سكان أي منطقة جهوية لهم حق الانتخاب والترشيح في تلك المنطقة بغض النظر عن انتمائهم القومي او الديني او المذهبي.
- مدة العضوية في مجلس الشعب 4 سنوات قابلة للتجديد بالانتخاب.
- حل مجلس الشعب يتم باقتراح من الحكومة وموافقة مجلس الوحدة.
مجلس الوحدة الوطنية
يتكون من عدد متساو من ممثلي المناطق الجهوية الثلاث، اضافة الى عدد يحدده القانون في ضوء الاحصاء لأبناء امانة بغداد وكركوك، اضافة الى تمثيل اضافي للأشوريين والمسيحيين.
كمثال: 40 مقعداً لكل جهة و10 مقاعد لبغداد، 8 مقاعد لكركوك على ان تعكس نسبة التركمان والأكراد والعرب فيها، اضافة الى 8 أو أكثر من الأشوريين والمسيحيين يتم انتخابهم على مستوى الدولة.
- يمنح مجلس الوحدة الوطنية صلاحيات خاصة فيما يتعلق بتعديل الدستور والقضايا ذات المساس بالصلاحيات الجهوية والاقليمية والحقوق القومية والمذهبية.
- اي تعديل في الدستور او ما يخص الفقرة أعلاه يتطلب موافقة الثلثين من أعضاء مجلس الوحدة.
- حل مجلس الوحدة يتطلب موافقة الثلثين من أعضاء المجلس، باقتراح من الحكومة.
- يحق للسلطة التشريعية مساءلة السلطة التنفيذية، وسحب الثقة بالحكومة ككل أو أي وزير فيها، وذلك بموافقة غالبية المجلسين، في حال اختلاف المجلسين يصار الى اجتماع مشترك للتصويت على الثقة بالحكومة بالأغلبية.
- مدة العضوية في مجلس الوحدة 6 سنوات قابلة للتجديد بالانتخاب.
السلطة التنفيذية
- تشكل الحكومة من قبل رئيس كتلة صاحبة الغالبية في مجلس الشعب.
- نظام الحكم برلماني والحكومة المركزية مسؤولة أمام المجلسين التشريعيين.
- صلاحيات الحكم المركزي على الصعيد الاتحادي، وتنظيم العلاقة مع كل من اقليم كردستان من جهة، والعلاقة مع بقية الجهتين الوسطى والجنوبية، وأمانتي بغداد وكركوك، يحددها القانون وما يتجاوزها يصبح من اختصاص النظم الجهوية والامانتين.
- على الحكومة المركزية الحصول على ثقة المجلسين على انفراد، او بجلسة مشتركة في حال الاختلاف وذلك بغالبية الأصوات.
- اقتراح الموازنة المركزية وتنفيذها بعد اقرارها من السلطة التشريعية مجلس الشعب ومجلس الوحدة الوطنية.
رئاسة الدولة
- يقرر بموجب استفتاء نظام الحكم: ملكياً أو جمهورياً.
- مهمات رئيس الدولة يحددها القانون وتبقى بحدودها الدنيا والرمزية مثال رئيس الدولة في المانيا او ملك السويد.
- في حال اعتماد نظام جمهوري يتم انتخاب رئيس الدولة من قبل غالبية أعضاء المجلسين.
- مدة رئاسة الدولة 5 سنوات، غير قابلة للتجديد.
القضاء
- اعتماد مبدأ استقلال القضاء.
- اقامة محكمة دستورية للفصل في تنازع القوانين ودستوريتها.
- في شؤون الأحوال الشخصية، يعمل بموجب قانون الأحوال الشخصية المستندة للمذاهب المختلفة.
القوات المسلحة
- قوات الأمن الداخلي: لكل جهة من الجهات الثلاث اقامة قوة أمن داخلية شرطة تخضع للسلطة التنفيذية الجمهورية.
- قوات حرس الحدود الكردية.
- انشاء قوات حرس حدود كردية تتولى مهمات الدفاع عن الحدود ومراقبتها بالتعاون والتنسيق مع قوات الجيش العراقي على أساس المشاركة المتكافئة من المناطق الجهوية وامانتي بغداد وكركوك.
- القبول في الكليات العسكرية والشرطة المركزية يجب ان يعتمد التوزيع العادل بين المناطق الجهوية والأمانتين. مع توفر شروط اللياقة والتحصيل العلمي.
- يشكل مجلس دفاع اعلى من رئيس الوزراء، ووزير الدفاع، اضافة لقادة الجيش وقوات الأمن الجهوية وحرس الحدود الكردية.
- تحدد صلاحيات مجلس الدفاع الأعلى بقانون.
ملاحظات
ان المشروع الدستوري المقترح هو بالأساس توفيقي يعكس حالة التنوع العراقية، وينطلق من معالجة حاجات قائمة بالنسبة لنا كعراقيين، مع الاستفادة من تجارب الماضي والتجارب العالمية. والعبرة في ايجاد صيغة قابلة للتحقيق وليس مجرد نصوص مثالية لا يقابلها مجتمع مثالي، وبالتالي تبقى مجرد نصوص كحال الكثير من دساتير العراق السابقة.
في الوقت الذي اخذ "مشروع الدستور الاتحادي" في الاعتباد الواقع الطائفي القائم في العراق، إلا انه رفض تكريسه وذلك من خلال البنود الاتية:
التصويت او الترشيح في الانتخابات ليس على أساس طائفي أو قومي، بل على أساس مكان الاقامة. وعليه فان الكردي المقيم في بغداد له حق الانتخاب والترشيح في بغداد، كما ان الشيعي المقيم في الموصل له ذات الحق في الموصل. باستثناء تمثيل الاشوريين والمسيحيين اذ تم تخصيص حصة برلمانية لهم.
اعتماد المحافظات القائمة فعلاً باستثناء تعديلات قد تقترح في ضوء الاحصاء المقترح وليس الطائفة كأساس لنظام ادارة لامركزية.
عمل "المشروع" على معالجة بؤر الاحتكاك الطائفي المحتملة، وذلك بان يسمح لكل محافظة في معالجة شؤونها الداخلية بحدود اللامركزية من دون تدخل من المركز، علماً ان العهد الملكي اعتمد نظام الألوية المحافظات وأقر قيام "مجلس اللواء" الذي هو أشبه بمجلس المحافظات المقترح.
في الحالة اللبنانية تم اعتماد الانتماء الطائفي أساساً للمشاركة السياسية عبر حصص طائفية مع بقاء نظام الحكم المركزي، بينما "المشروع" المقترح يعتمد مبدأ الامركزية والفيدرالية، فمناصب الدولة السيادية، رئيس الدولة، والحكومة، ورئيس المجلسين التشريعيين لا يتم توزيعها على أساس طائفي بل بموجب قواعد اللعبة الانتخابية والبرلمانية عبر الممارسة للامركزية والفيدرالية.
ان طريقة انتخاب وصلاحيات "مجلس الشعب" ضمانة لممارسة الغالبية، بغض النظر عن انتمائها القومي أو الطائفي، لحقها التشريعي من دون تجاوز على حقوق الآخرين الدستورية.
ورفعاً لمخاوف البعض من ديكتاتورية الغالبية باسم الطائفة الغالبية، اعتمد مبدأ التمثيل المتساوي في مجلس الوحدة الوطنية بغض النظر عن النسب السكانية، ومنح صلاحيات خاصة في القضايا التي تخص الدستور او "الجهات".
ان اعتماد "مجالس المحافظات" و"الجهوية" يكفل تحقيق المشاركة الشعبية المباشرة في تسيير أمور الناس من دون وصاية المركز، اضافة الى احترام الخصوصية الاجتماعية والثقافية والحضارية لكل جهة. فاختيار المحافظ أصبح بالانتخاب من ابناء المحافظة ولا يفرض من المركز كذلك شؤون الخدمات المحلية من تعليم وصحة وشرطة عبر التمثيل والممارسة للسلطة بدءاً بالبلدية وانتهاء بالحكومة مروراً بمجالس المحافظات والبرلمان الاقليمي الكردي.
ان المشروع اخذ في الاعتبار التنوع القومي من دون ان يفرط بالوحدة الوطنية ووحدة العراق الترابية وسيادته على أجوائه ومياهه ومصادره الطبيعية. فالمشروع استجاب للحقوق القومية المشروعة للأكراد باعتماد نظام اتحادي يحقق مبدأ العرب والكرد شركاء في الوطن. كما اعتمد نظاماً برلمانياً يضمن التمثيل العادل والحر للجميع، مع توفير ضمانات للوقوف بوجه "دكتاتورية" الغالبية باسم العرق أو الطائفة.
ان النظام اللامركزي او الفيدرالي ليس نقضاً للوحدة الوطنية، بل قد يكون عاملاً لتمتين تلك الوحدة. والتطورات الأخيرة في بريطانيا المتمثلة بمنح اقليم اسكتلندا وشمال ايرلندا سلطات أقرب للفيدرالية، واخرى لامركزية موسعة بالنسبة لويلز تؤكد هذه الحقيقة، علماً ان بقية اقاليم Counties بريطانيا تتمتع باللامركزية.
أما على الصعيد الكردي، يلتقي "المشروع" مع رغبات الشعب الكردي كما عبر عنها البرلمان الكردي عام 1992 بالمطالبة بالفيدرالية.
ووضع "المشروع" صيغة لامركزية التعاون والتعامل بين محافظات المنطقة الكردية مراعاة للاختلافات العشائرية وغيرها بهدنان وسوران. كما حدد صلاحيات حكومة الاقليم الكردي بما ينسجم مع المفهوم الفيدرالي/ الاتحادي.
اما بالنسبة لكركوك راعى "المشروع" الاختلافات القائمة، فكركوك التي يقطنها مزيج مذهبي وقومي تركمان، عرب، كرد كما تعرضت ولا تزال لاجراءات تمس التركيبة الاثنية للسكان بسبب سياسة "تعريب" او غيرها، كل ذلك يجعل منطقة كركوك ذات خصوصية، تحتاج الى صيغة توفيقية خاصة، الأمر الذي يتمثل في اعتماد كركوك ك "أمانة" غير تابعة لأي جهة اخرى. شأنها في شأن بغداد التي يقطنها الى جانب العرب المسلمين، التركمان والأكراد والاشوريون والمسيحيون، ان خصوصية بغداد تجعل منها نموذجاً للاندماج الاجتماعي والسياسي Social Integration.
عالج "المشروع" دور الجيش في بناء الوحدة الوطنية من خلال فتح المشاركة المتكافئة لكافة الجهات والأمانتين، بما يجعله درعاً لحماية الوطن، وليس اداة قمع لطرف قومي او طائفي.
علوية السلطة القضائية واقامة المحكمة الدستورية ليس تجسيداً لفصل السلطات فحسب، بل ضمان لاحترام القانون ورفع الغبن والتمييز الطائفي أو العرقي.
الدستور مرجعية الوحدة الوطنية
ان التجربة المرة التي يعيشها العراق اليوم تتطلب مراجعة ومصارحة تؤسس لوحدة وطنية تعتمد الدستور، وليس الحق الديني او القومي، كمرجعية مشتركة تكسب ثقة الجميع، ومن أجلها يضحي الجميع، ولنا في تجربة الولايات المتحدة خير مثال، فما يوحدها ليس الدين أو العرق بل مرجعية الدستور. وفي غياب مثل هذه المرجعية يصبح احتمال تكرار تجربة اثيوبية أو الصومال امراً وارداً، حيث خرجت كل منهما بانسلاخ جزء منها، من دون حل لمشكلات الجميع.
* كاتب عراقي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.