يبدو أن الحفلات والأفراح في موسم الصيف هذا العام ستكون مميزة في الجزائر، بسبب الأغاني السياسية التي غزت فجأة السوق الفنية منذ أيام، وحققت نجاحاً كبيراً بين مختلف فئات المجتمع، لا سيما الشباب الذين وجدوا أنفسهم عن غير قصد يرددون أسماء أبرز المرشحين لانتخابات الرئاسة، على إيقاعات موسيقى "الراي" أو "الراب" أو "الشعبي". هذه الظاهرة الجديدة أصبحت حديث الكبير والصغير، لا سيما أن من يقف وراء انتشارها هم أشهر فناني الجزائر، الذين دخلوا السياسة من باب الغناء، وأعلنوا من خلال أعمالهم الفنية عن مواقفهم من انتخابات الثامن من نيسان ابريل الجاري، فأعلن بعضهم مساندته للرئيس المرشح عبدالعزيز بوتفليقة دون سواه، فيما دعا بعضهم الآخر المواطنين إلى التصويت بقوة لمصلحة المرشح علي بن فليس أمين عام حزب "جبهة التحرير الوطني"، في حين أعلن آخرون مقاطعتهم الانتخابات، في أغانٍ مميزة أثارت إعجاب حتى المرشحين أنفسهم. وبين هؤلاء جميعاً لم يظهر إلى اليوم فنانون أعلنوا مساندتهم للمرشحين الأربعة الآخرين. واللافت في هذه الأغاني التي سجلت في أوقات قياسية تزامناً مع بداية الحملة الانتخابية، أن مضمونها سياسي مئة في المئة، وفي مقابل ذلك إيقاعاتها شبابية، ما سمح لها بتحقيق النجاح السريع. ولا شك في انها ستحقق أيضاً الفشل السريع بمجرد خفض درجة حرارة الساحة السياسية، بعد أن بلغت أقصى ذرواتها منذ أشهر عدة. الرئيس الجزائري الحالي عبد العزيز بوتفليقة كان الأكثر حظاً مع الفنانين، اذ اختارته الغالبية ليكون مرشحها في السباق. وبرز في هذا الفريق من المغنيين عدد من نجوم غناء الراي ، بينهم الشاب توفيق الذي راح يحشد لمرشحه أنصار مختلف الفرق الرياضية لكرة القدم، داعياً إياهم إلى منحه أصواتهم باعتباره "الأحسن والأكفأ لقيادة البلاد". وقال في مطلع أغنيته الجديدة "هالراي هالراي... بوتفليقة عنده الراي... حضروا الطبل والناي". ومن جهته اختار الفنان كريم مصباحي كلمات مثيرة لإثارة اهتمام عشاق فنه من الشباب، وحتى الكبار، وغنى على إيقاع موسيقى خفيفة "فوتي، فوتي على العزيز... خرجنا من لاكريز... عندنا فيه الثقة... خونا بوتفليقة" أي بمعنى "انتخب... انتخب العزيز... أخرجنا من الأزمة... عندنا فيه الثقة... أخونا بوتفليقة". في أغنية أخرى للفنانة نعيمة تسمع "ملي جانا والخير جاي... البانان والكيوي ياوخيي" أي "بمجيئه جاءنا الخير... الموز والكيوي يا أخي". وكان للمرشح علي بن فليس حظ مع الفنانين الذين لم يخفوا مساندتهم القوية والجريئة له، فأهدوه أغاني مختلفة تشيد به، وتدعو المواطنين إلى التصويت لمصلحته بقوة يوم الانتخابات. وإذا كان بعض الأغاني يمدح شخصية الرجل وقوته وكفايته، فإن بعضها الآخر ينتقد سياسة منافسه الرئيس بوتفليقة، ويصفها بكل الصفات السلبية. وأشهر فنان أعلن ولاءه لبن فليس كان الفنان مازوني الذي يتردد عنه في الكواليس انه مؤلف كلمات غالبية الأغاني التي تؤيد بوتفليقة!! أما الفنان الشاب سيد علي دزيري فراح فيستعرض كل طاقاته الصوتية، وموهبته الفنية لجلب أنصار جدد لمرشحه المفضل علي بن فليس، وأصدر ألبوماً يتضمن أغنية من نوع خاص، فاجأ بها عشاق فنه ويقول في مطلعها: "الصح يبان نهار الخميس... علي بن فليس يولي رئيس" أي "الحقيقة تظهر يوم الخميس... علي بن فليس سيصبح رئيساً". وبعيداً من كلمات المدح والإشادة والتمجيد، راح عدد من الفنانين يسبحون عكس التيار، ويتخندقون في الصفوف الأمامية للمعارضة. ويعتبر الفنان المتمرد بعزيز من اشهر فناني هذا التيار، باعتبار انه يملك البومات كثيرة ينتقد فيها النظام، ويشتم كل من صادف طريقه بداية من أصغر مسؤول حتى أكبرهم! لكن الجديد الفني الذي اختار له موعد الحملة الانتخابية، تمثل في البوم ساخن، جمع في أغانيه بين الجد والسخرية، وانتقد السلطة، وتحدث عن حرية التعبير في البلاد، معرباً عن مساندته للصحافيين. ولم يتوقف نشاط بعزيز الفني والسياسي عند هذا الحد، بل ضرب لمحبيه موعداً عشية إجراء الانتخابات، لاحياء حفلة فنية كبيرة، يقدم نصف مداخيلها للأطفال المحتاجين، بينما يخصص النصف الآخر من العائدات لدعم حرية الرأي في البلاد. ويقول إنه أحد الضحايا في هذا المجال، لأن غالبية البوماته ممنوعة في السوق المحلية، لكن ذلك لا يمنعها من الانتشار بسرعة البرق بين الآلاف من المعجبين بأغانيه وبشخصيته المتمردة والمشاكسة. وسجلت فرق الراب حضورها في هذه الانتخابات الساخنة... لكن الألبوم الذي قدمته فرقة "أم بي أس" يختلف عن بقية البومات هذا الموسم... اذ رفض رابح، مغني الفرقة إعلان مساندته لأي مرشح، وفي المقابل راح يعلن عن ترشحه لمنصب الحاكم الأول للبلاد من خلال إصداره ألبوماً يحمل عنوان "رابح الرئيس" ويتضمن هذا الألبوم أغاني ساخرة ينتقد فيها السلطة، وخطابات المرشحين التي قال إنها "محشوة بلغة الخشب".