لا يدع المسؤولون الفرنسيون أي مناسبة أو فرصة تمر من دون التعبير عن قلقهم البالغ من الوضع في العراق، وتأكيد ضرورة الإعداد الجيد للعملية الانتقالية المرتقبة في 30 حزيران يونيو المقبل. ولدى السلطات الفرنسية اقتناع راسخ بأن نجاح هذه العملية أو فشلها تترتب عليه آثار تنعكس على المنطقة بأكملها، ما يحملها على تكثيف اتصالاتها ومشاوراتها، مشددة على المبادئ الأساسية التي ينبغي ان تلحظها اعادة السيادة الفعلية إلى العراقيين. وأضافت فرنسا أخيراً عنصراً جديداً إلى تصورها لهذه المرحلة، من خلال طرحها فكرة عقد مؤتمر وطني عراقي، يحدد معالم الحكومة الموقتة التي ستتولى الوضع بعد 30 حزيران، وسبقها طرح مؤتمر دولي يضم دول المنطقة والأسرة الدولية لتعزيز السلام والاستقرار في المنطقة. وفيما تتقاطع هذه الأفكار الفرنسية مع أطراف أخرى دولية تعمل على التوجه ذاته، رأى مصدر فرنسي ان الإدارة الاميركية غير مهتمة حتى الآن بما يجري تداوله حول اعادة السلطة الى العراقيين، ولم تبد حماسة حياله، وأن تركيز فرنسا وشركائها منصب على ضرورة تفادي الفشل، لأن نتائجه ستنعكس سلباً على الجميع. وأضاف ان المهم "تأمين أقصى فرص ممكنة لنجاح العملية الانتقالية في العراق"، لافتاً إلى أن "مثل هذه الفرص لن يتحقق عبر تولي الحاكم المدني الأميركي بول بريمر تحديد الأطراف التي تتمثل في الحكومة الموقتة". وأكد المصدر ضرورة العمل لايجاد صيغة تمزج بين التكنوقراط والسياسيين الذين يمثلون أوسع شريحة ممكنة من الأطراف العراقية، بحيث تتوافر في هذه الحكومة ضمانة الفعالية والصدقية والشرعية، ولا يقال بعد أول تموز يوليو ان الفريق الحكومي مكون من دمى في يدي بريمر أو السفير الأميركي المعين جون نيغروبونتي. وتابع: "إذا شعر الشعب العراقي بأنه أصبحت لديه حكومة سيدة ذات صدقية، سيمثل ذلك قطيعة مع الوضع القائم، ومن هنا اقتراح فرنسا الذي تؤيده روسيا والمانيا وغيرهما لعقد طاولة مستديرة تجتمع حولها الأطراف العراقية قبل 30 حزيران، من أجل الإقدام على الخيارات الصحيحة، برعاية الأممالمتحدة". وكان وزير الخارجية الفرنسي ميشال بارنييه أشار خلال وجوده في موسكو أول من أمس الى نهج من مراحل، بحيث يُعقد مؤتمر وطني عراقي يعمل لإنشاء السلطة الموقتة العراقية، يليه مؤتمر دولي لتدعيم هذه السلطة وتعزيز اندماج العراق في محيطه الاقليمي والتفكير في الهندسة الاثنية للمنطقة. وأوضح المصدر ان ليست هناك في هذه المرحلة مناقشة لمشروع قرار حول العراق، بل أفكار يُعبر عنها وتتطور يوماً بعد يوم، في انتظار الاستنتاجات التي يستخلصها الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان، على أساس تقرير مبعوثه الخاص الى العراق الأخضر الإبراهيمي. وأشار الى أن "الأمور ليست جامدة والمهم التوصل الى الصيغة الأكثر فعالية، بحيث تعمل الحكومة العراقية بعد الانسحاب على التعبير عن رغباتها وطلباتها التي ستلقى تجاوباً معها بالشكل الملائم". وشدد على أولوية "أن يكون هناك تطور سياسي واضح ومقبول من الاسرة الدولية، وسلطة عراقية شرعية، قادرة على التعبير عن مطالبها". واستدرك: "لا يمكن ان يحصل فراغ أمني في العراق بين ليلة وضحاها، وهناك وجود عسكري سيبقى ضرورياً غداة 30 حزيران، لكن شكل هذا الوجود وصيغته غير معروفين، وهذا ما ينبغي ان يناقش مع السلطات العراقية". وأقر بأن "كل هذا يبقى رهناً بتغيير التوجه الأميركي الحالي والجهود منصبة على ذلك من خلال الاقتراحات والأفكار التي يجري طرحها وتداولها لاقناعهم بضرورة التنبه إلى الأوضاع"، مشيراً إلى أن البريطانيين أكثر اصغاء لما يقال من الأميركيين. ولفت إلى ان "الجميع مدرك وانان خصوصاً لضرورة عدم الوصول الى وضع تجد فيه الأممالمتحدة نفسها ملزمة بتولي وضع لم تعمل على نشوئه ويتسم بوهن واضح"، وان هذا الادراك بدا من خلال محادثات بارنييه مع الابراهيمي في باريس قبل أيام. ويشكل الوضع في العراق محوراً للمحادثات التي يجريها بارنييه في مدريد غداً مع وزير الخارجية الاسباني ميغيل انخيل موراتينوس، وسبقتها محادثات مع وزيري الخارجية الألماني يوشكا فيشر والروسي سيرغي لافروف في برلينوموسكو.