فتحت الحكومة الكويتية ساحة مواجهة جديدة مع الاسلاميين بإعلانها دمج كلية الشريعة بكلية الحقوق في جامعة الكويت. ويقول الاسلاميون ان هذا الدمج سياسي ولا علاقة له بالواقع الأكاديمي، وان الغرض منه "تصفية" كلية الشريعة وتقزيمها الى مجرد قسم في كلية الحقوق كما كان إبان السبعينات، في حين أيد الليبراليون موقف الحكومة. ومما زاد من غيظ الاسلاميين، خصوصاً السلفيين، ان اعلان الحكومة نياتها تجاه كلية الشريعة ترافق مع وعد من رئيس الوزراء الشيخ صباح الأحمد لنواب من الشيعة بترخيص حسينيات واقامة "حوزة" لتدريس الفقه الجعفري في الكويت، ومع دعمه للترويج لبرنامج "ستار أكاديمي" التلفزيوني في الكويت، وهو البرنامج الذي هاجمه الاسلاميون بشدة. وكان نواب سعوا خلال لقاء مع الشيخ صباح يوم السبت الماضي الى مناقشته في أمر الكلية، لكنه رفض بصرامة أي نقاش، وقال: "هذا الموضوع تقرر وانتهى". وفيما نقلت صحف عن وزير التربية الدكتور رشيد الحمد قوله ان مو ضوع الدمج "في حكم المنتهي ترجمة لتوجيهات رئيس الوزراء"، قال مصدر أكاديمي ل"الحياة" ان ادارة الجامعة لم تتلق حتى أمس أي شيء رسمي يتعلق بدمج الكليتين، وان الأمر "حسم سياسياً بعيداً عن الاعتبارات الاكاديمية"، وتوقع مشاكل ادارية واكاديمية كثيرة ستنتج عنه كان أولها احتجاجات من طلبة كلية الحقوق على مساواة طلبة الشريعة بهم، وتلويح اتحاد طلبة الجامعة بإضراب عام اذا ما أقر مجلس الجامعة عملية الدمج. وقال اسلاميون انهم سينظمون تظاهرة طلابية كبيرة في الكلية للمطالبة بالتراجع عن القرار. وكانت "كلية الشريعة وأصول الدين" اسست عام 1982 بمرسوم من الأمير الشيخ جابر الاحمد الصباح، ويدرس فيها حالياً اكثر من الف طالب ثلثهم من الإناث، ويبلغ عدد هيئة التدريس 80 مدرساً كثير منهم كويتيون ينتمون الى التيار الاسلامي، خصوصاً السلفي. وكان مدرسون في الكلية قادوا عام 1986 انشقاقاً عن التيار السلفي التقليدي وأسسوا "الحركة السلفية" التي باتت أكثر أجنحة الإسلاميين نشاطاً في المعارضة السياسية ولها 3 نواب في مجلس الأمة البرلمان. ويرى المصدر الأكاديمي أن صعوبات جمة تقف وراء عملية الدمج مع كلية الحقوق لدى تطبيقها، منها الحاجة إلى الانتظار لبضع سنوات كي يتم الطلبة الحاليون دراستهم، كذلك فإن اقفال الأقسام العلمية المختلفة في الكلية يعني ايجاد وظائف بديلة أو مناسبة لهيئة التدريس مع وجود ناشطين سياسيين أقوياء من بينهم. ولاحظ المصدر أنه في حين أن مداولات مجلس الوزراء لتسويغ إلغاء "الشريعة" تضمنت عدم حاجة سوق العمل الكويتي لمخرجات الكلية، فإن وثائق المجلس الأعلى للخدمة المدنية تشير إلى خلاف ذلك. ففي تقريره السنوي في آب اغسطس الماضي قال المجلس إنه بحاجة إلى 300 موظف وموضفة من خريجي الشريعة لشغل وظائف مثل إمامة المساجد والوعظ والارشاد الديني والوظائف المساندة في المحاكم وجهات البحث القانوني، وهذا الرقم يفوق عدد خريجي كلية الشريعة حالياً. وفي نهاية الشهر الحالي سيجتمع مجلس الجامعة الذي يتألف من 20 عضواً، منهم عمداء 13 كلية، للنظر في توصية مجلس الوزراء، ويصعب على هذا المجلس أن يواجه رغبة رئيس الوزراء بغض النظر عن الاعتبارات العملية والأكاديمية للدمج، لذا يتركز جهد المعارضين حالياً على مناشدة الشيخ صباح إعادة النظر في الأمر، وسيسعى قياديون في التيار الإسلامي إلى الاجتماع به الأسبوع المقبل واقناعه بوجهة نظرهم. ويتهم الإسلاميون الليبراليون القريبين إلى الحكومة الحالية بالسعي إلى استصدار قرار بتصفية كلية الشريعة والحض عليه خصوصاً خلال السنتين الماضيتين. وكتب النائب الدكتور وليد الطبطبائي أول من أمس مقالاً يتهمهم "باستهداف الكلية وبالنميمة والدس والتحريض عليها عند مصادر القرار". وقال إن "التهمة جاهزة ضد كلية الشريعة وضد كل مؤسسات العلم الشرعي. إنها بؤر للإرهاب". وأضاف: "إذا كانت الكلية التي درس فيها المتهم بالتطرف مسؤولة عن هذا التطرف، فمن الأولى اتهام كليات الهندسة لأن أسامة بن لادن مهندس واتهام كليات الطب لأن أيمن الظواهري طبيب". ونقلت عنه صحيفة محلية قوله باستهجان: "انهم يغلقون كلية الشريعة ويفتحون حوزة للشيعة ويرخصون لستار أكاديمي". أما الليبراليون فيرون التوجه صحيحاً ويتهمون الإسلاميين بالتسييس، وقال الأمين العام ل"التحالف الوطني الديموقراطي" خالد هلال في بيان أصدره أول من أمس إن دمج كليتي الشريعة والحقوق "يتطلب قراراً فنياً بعيداً عن الدخول في السياسة". وقال ان هناك سوابق لدمج كليات وأقسام علمية بالجامعة "لم يكن عليها ردة فعل". ودعا الى عدم التدخل في القضايا الاكاديمية أو تسييسها. وهناك بين المراقبين السياسيين من يربط بين ملف كلية الشريعة وبين مساعي الحكومة للسيطرة على توازنات القوى السياسية في البلد، خصوصاً ان ملفاً آخر يشغل الحكومة اكثر من غيره، وهو مقترح تعديل الدوائر الانتخابية الذي ان تم فسيقلل كثيراً من قدرتها على ايصال محسوبين عليها الى مجلس الأمة البرلمان. وقال أحد المراقبين ان "الحكومة كانت في السابق تستخدم التهديد العراقي أداة لاسكات المعارضة وجمع التأييد الشعبي لها، والآن ذهب صدام حسين فصاروا يستخدمون فكرة الخطر الطائفي للغرض نفسه، ولا أحد في الكويت يشعر بالطائفية فعلاً لكنها صارت مادية رئيسية في الخطاب الحكومي".