يحتل التيار الاسلامي مساحة مهمة من الساحة السياسية الكويتية ويشكل ممثلوه ربع الأعضاء المنتخبين في مجلس الأمة البرلمان. ويمكن القول إن هذا الانتشار يعود لقبول الجمهور الكويتي المحافظ للخطاب الديني وانجذابه اليه أكثر من كون الأمر مهارة تنظيمية أو قيادية للجماعات الاسلامية. بدأ العمل التنظيمي للحركة الاسلامية الكويتية في مطلع الخمسينات من خلال "جمعية الارشاد" التي أسسها ناشطون في مجال العمل الوعظي والخيري، وكان بعضهم متأثراً بفكر ومنهج "الاخوان المسلمون" في مصر وهو الفكر الديني السائد في المنطقة العربية وقتئذ، ونمَت الحركة بعد ذلك ببطء. وفي العام 1963 وفي ضوء صدور القانون المنظم لجمعيات النفع العام جرى تسجيل الجمعية باسم "جمعية الاصلاح الاجتماعي" وهي الجمعية التي رعت ولا تزال، أقوى الجماعات الاسلامية الكويتية لجهة الحجم والتأثير الاجتماعي والسياسي. وشهد التيار الاسلامي في ظل الجمعية نمواً محدوداً في سنواته الأولى ثم تسارع في حقبة السبعينات، لكن في العام 1968 وبسبب تفاوت في الأفكار في شأن أساليب الدعوة انشقت مجموعة السلفيين عن الجسم الرئيسي للتيار تحت إمرة الشيخ عبدالرحمن عبدالخالق المصري من أصل فلسطيني الذي كان درس في المدينةالمنورة قبل استقراره في الكويت في العام 1964. ومنذ منتصف السبعينات كانت الحركة الاسلامية بشقيها "الاخواني" و"السلفي" تجتذب أعداداً كبيرة من المؤيدين والأتباع خصوصاً بين طلاب المدارس والجامعة الى تسابق الاخوان والسلفيين على تجنيد القواعد الشابة وتنظيمها. وفي العام 1978 قدم الاخوان المسلمون أنفسهم للمجتمع الكويتي كقوة صاعدة من خلال فوزهم بانتخابات الاتحاد الوطني لطلبة الكويت وسلبوا من التيار اليساري الليبرالي المتمثل في "مجموعة الطليعة" أقوى مواقعه النقابية. وما زال الاخوان يسيطرون على هذا الاتحاد حتى الآن. ثم دخل الاخوان والسلفيون الانتخابات البرلمانية في العام 1981 وحقق كل طرف مقعدين برلمانيين. وفي انتخابات 1985 ارتفع مجموع مقاعد الاسلاميين الى ستة. وفي هذه المرحلة حصل السلفيون على واجهة رسمية تمثلت في "جمعية احياء التراث الاسلامي" ليصبحوا متساوين مع الاخوان. غير أن كل خطوة نجاح إسلامية كانت تعني مزيداً من التنافس والخلاف بين الشقين الاخواني والسلفي وتجلى ذلك في منافسة السلفيين للاخوان في الانتخابات الطلابية والبرلمانية معاً. وشهدت هذه المرحلة امتداد التأييد للاسلاميين بين ابناء القبائل وتمكن الاسلاميون - خلافاً لليبراليين - من جذب القبليين وادخالهم في صف المعارضة السياسية. وفي الثالث من تموز يوليو 1986 حل أمير الكويت مجلس الأمة البرلمان وجمد العمل بالدستور. ووجدت الجماعتان الاسلاميتان ان عليهما مواجهة واقع سياسي فريد يلزمهما مد اليد والتعاون مع مجموعات مختلفة عقائدياً مثل اليسار الليبرالي والشيعة والتجار الوطنيين من أجل مواجهة السلطة واستعادة الحالة الديموقراطية. وعلى رغم ان ذلك تم بقدر ما من النجاح فإن تلك المرحلة كشفت الكتلة الاسلامية سياسياً من الداخل ووضعت القيادات وقراراتها موضع التقويم، وخلقت - خصوصاً عند الشق السلفي - تساؤلات عما إذا كان التحالف مع الاضداد عقائدياً مسموحاً به في منهج الجماعة. وفي العام 1989 برز انشقاق صغير في جماعة الاخوان بقيادة الدكتور عبدالله النفيسي الذي طرح مع أفراد آخرين تساؤلات عن منهج الجماعة السياسي وعلاقتها بالتنظيم العالمي للاخوان المسلمين، لكن هذا الانشقاق لم ينتج جماعة موازية أو بديلة. غير أن الانشقاقات الأكثر أهمية جاءت في جانب السلفيين إثر تداعيات حرب تحرير الكويت ووقعت بين فصائل التيار السلفي في منطقة الخليج، وكذلك لأن السلفيين الكويتيين وجدوا ان المنهج المستورد من الخارج حول الضوابط الشرعية للعمل السياسي يكاد يكون مستحيل التطبيق في الكويت. وفي العام 1996 جرى تجميد علاقة الشيخ عبدالرحمن عبدالخالق ب"جمعية احياء التراث" بسبب اعتراضه على "منهج الدعوة والارشاد" وجسد هذا القرار تغلب الاتجاه الذي يقوده الحركي العماني الأصل عبدالله السبت داخل الجمعية. وبرزت بعد ذلك انشاقات في هذا الاتجاه فقامت مجموعة من السلفيين بقيادة الشيخ حامد العلي وبجهود الاكاديمي النشط عبدالرزاق الشايجي بتأسيس "الحركة السلفية العلمية". ونجحت هذه الحركة في اجتذاب نسبة من قواعد السلفيين في الكويت كما أن مواقفها السياسية والفكرية كانت أقرب الى الاخوان من بقية السلفيين. وفي انتخابات عام 1996 أوصلت الحركة أول نوابها الى البرلمان وهو الدكتور وليد الطبطبائي. وأصبح السلفيون في الكويت أربع مجموعات: مجموعة "احياء التراث" وتتضمن داخلها اتجاهين سياسي ودعوي، مع وجود فصيل لا يزال مرتبطاً بالشيخ المؤسس عبدالرحمن عبدالخالق، ومجموعة "الحركة السلفية العلمية"، ومجموعة ثالثة تحت قيادة استاذ الشريعة فلاح مندكار وهي تميل الى الانعزال ومقاطعة الشأن السياسي والتزام مراجع فقهية محددة ويطلق على أفرادها اسم "المداخلة" نسبة للشيخ ربيع بن هادي المدخلي الذي كان يزور الكويت قبل سنوات للتبشير بمنهجه. وهناك مجموعة رابعة مناقضة للمجموعة الثالثة ولها أفكار متطرفة في معاداة الحكومات لكنها محدودة الانتشار. الاسلاميون في انتخابات 1999 في الانتخابات الراهنة يمكن احصاء 23 مرشحا للجماعات الاسلامية منهم 13 للاخوان المسلمين الذين أصبح اسمهم منذ العام 1991 "الحركة الدستورية الاسلامية"، و8 مرشحين لسلفيي "احياء التراث"، ومرشحين اثنين ل"الحركة السلفية العلمية". لكن هناك ايضاً 7 مرشحين اسلاميين مستقلين لا ينتمون الى مجموعة محددة ما يرفع العدد الاجمالي الى 30 مرشحاً اسلامياً لنصفهم تقريباً فرص جيدة في النجاح. ويتبنى كل الاسلاميين الطرح المعارض للحكومة في ندواتهم الانتخابية ويتناولون القضايا ذاتها التي يتناولها مرشحو المعارضة الآخرون مثل البطالة والاسكان والمشاكل الاقتصادية والهدر في المال العام، حتى انه يصعب احياناً التمييز بين الاسلامي والليبرالي من المرشحين. ويلاحظ ان الشعارات الدينية خفتت في خطاب المرشحين الاسلاميين عما كانت عليه في سنوات مضت ربما لأن الحكومة أفشلت معظم مشاريع الأسلمة التي طرحها النواب الاسلاميون في مجلسي 1992 و1996 وخلقت جواً من اليأس في إمكان تمرير مثل هذه المشاريع. كذلك فإن الصحافة التي يهيمن عليها الليبراليون نجحت في فرض أولويات الاتجاه الليبرالي على العمل البرلماني الكويتي. وشهدت الحملة الانتخابية الحالية تكرار "المنبر الديموقراطي" الذي يعبر عن اليسار الليبرالي هجومه على الاسلاميين وخصوصاً "الحركة الدستورية الاسلامية" من خلال صحيفة "الطليعة" التي اتهمت "الحركة" بالتآمر على النظام الكويتي والاتصال بأطراف خارجية وركزت رواياتها المزعومة عن التجاوزات والأخطاء على أبرز مرشحي "الحركة" مثل مبارك الدويلة وناصر الصانع. وردت الحركة ببيانات شديدة اللهجة ركزت على التذكير بحملة التفجيرات التي قام بها يساريون عام 1969 وعلى إدانة القضاء الكويتي ل"الطليعة" في كثير من قضايا القذف والتجريح التي رفعت ضدها. ويخوض الاسلاميون حملة انتخابات 1999 في ظل إجراءات حكومية محتملة ضدهم تمثلت بالتلويح باغلاق فروع ولجان خيرية لجمعيتي "الاصلاح الاجتماعي" و"إحياء التراث" بدعوى مخالفتها للقانون، وكذلك بعد مواجهة في شأن مرسوم حقوق المرأة الذي أصدره الأمير وعارضه رموز من الاسلاميين. ويتحدث إسلاميون عن تحرك حكومي مزعوم لاستهداف مرشحين مثل مبارك الدويلة ومحمد العليم ووليد الجري بسبب مواقفهم في المجلس السابق. وكما هو الحال في سنوات مضت لم يتوصل الاسلاميون الى تنسيق متكامل لدخول مرشحيهم الانتخابات لذا فانهم يتنافسون في أكثر من 5 دوائر ما يضعف من فرصهم في النجاح. وعلم ان الانتخابات الحالية شهدت تنسيقاً محدوداً باتفاق الحركة الدستورية وسلفيي "احياء التراث" على دعم كل طرف لثلاثة مرشحين للطرف الآخر في ست دوائر انتخابية لا يتوافر فيها تنافس بين الجانبين. وفي ما يأتي عرض لأوضاع الاسلاميين في أهم دوائرهم: الدائرة الثانية الضاحية: صلاح عبدالجادر مرشح الحركة الدستورية له فرصة جيدة للفوز بالمركز الثاني ووافق السلفيون على دعمه. الدائرة الثالثة الشامية: الصورة ذاتها من الدائرة الثانية ولكنها للسلفيين هنا بمرشحهم خالد السلطان وهو نائب سابق ورمز مهم في جمعية احياء التراث. الدائرة الخامسة القادسية: النائب السابق أحمد باقر مرشح السلفيين ومدعوم من "الدستورية" وفرصته في النجاح كبيرة. الدائرة السادسة الفيحاء: تنافس بين السلفيين بمرشحهم النائب السابق فهد الخنة و"الدستورية" بمرشحها محمد المقاطع، وفرصة الخنة أفضل بكثير لكن في الدائرة كذلك مرشحان ليبراليان قويان هما النائبان السابقان مشاري العنجري ومشاري العصيمي. الدائرة السابعة كيفان: صراع معقد بين مرشح "الحركة السلفية العلمية" النائب وليد الطبطبائي وبين مرشح "الدستورية" وليد الوهيب وبين مرشح السلفيين أحمد الدعيج في مقابل الليبرالي خالد الصانع ومرشحين آخرين، وفرص الطبطبائي هي الأرجح. الدائرة الثامنة مشرف: النائب السابق اسماعيل الشطي مرشح "الدستورية" ويحتفظ بفرصة جيدة للنجاح أما مرشح السلفيين علام الكندري ففرصته أضعف، لكن الدائرة تضم أيضاً مرشحين أقوياء مثل الاسلامي الشيعي حسن جوهر والمستقل أحمد المليفي. الدائرة التاسعة الروضة: النائب السابق ناصر الصانع مرشح "الدستورية" وفرصته في النجاح كبيرة ويدعمه السلفيون أيضاً. الدائرة العاشرة العديلية: مرشح "الدستورية جاسم العمر يجرب حظه مجدداً والمنافسة قوية من الليبرالي سامي المنيس والمستقل صالح الفضالة والشيعي يوسف العلي. الدائرة الثانية عشرة السالمية: النائب السابق مخلد العازمي اسلامي مستقل ونجاحه شبه مضمون. الدائرة الثالثة عشر الرميثية: مرشح "الدستورية" جمال الكندري يعيش أفضل ظروفه بانقسام وتشتت منافسيه المرشحين الشيعة، والسلفيون يدعمونه وفرصته في النجاح كبيرة. الدائرة السادسة عشر العمرية: مرشح "الدستورية" مبارك الدويلة يخوض منافسة قوية مع مرشحي الخدمات مبارك الخرينج وبراك النون. الدائرة الثامنة عشر الصليبيخات: مرشح "الدستورية" عبدالله العرادة يكرر محاولته ضد مرشحي الخدمات خلف العنزي وراشد الهبيدة وفرصته في المركز الثاني جيدة. الدائرة التاسعة عشر الجهراء الجديدة: مواجهة بين السلفيين بمرشحهم مفرج نهار المطيري و"الحركة السلفية العلمية" بمرشحها عواد برد العنزي. وهناك أيضاً الليبرالي أحمد الشريعان ومرشح الخدمات منيزل العنزي والنتيجة غامضة. الدائرة العشرين الجهراء: مرشح "الدستورية" محمد البصيري ينافس للمرة الثالثة نائبي الخدمات طلال العيار وطلال السعيد وفرصته تتحسن كل مرة. الدائرة الحادية والعشرون الأحمدي: الاسلامييْن المستقلين وليد الجري وخالد العدوة يسعيان للاحتفاظ بمقعديهما فيما يسعى مرشح الخدمات سعدون العتيبي لانتزاع مقعد والاحتمالات متقاربة. الدائرة الثانية والعشرون الرقة: مرشح "الدستورية" مبارك صنيدح يعاني من انقسام قبيلته "العجمان" أمام منافستها قبيلة "العوازم" لكن فرصته لا زالت جيدة. الدائرة الثالثة والعشرون الصباحية: النائب السابق محمد العليم مرشح "الدستورية" يواجه مرشح السلفيين جاسم الكندري في مقابل ثلة من المرشحين الأقوياء والنتيجة يحسمها التحالف القبلي الأقوى لا الدين. الدائرة الخامسة والعشرون أم الهيمان: مرشح "الدستورية" النائب والوزير السابق جمعان العازمي يحتفظ بفرصة قوية في النجاح.