كانت مفارقة أن الاجراءات الأميركية ضد الجمعيات الإسلامية الكويتية بدأت بجمعية "احياء التراث الإسلامي"، التي كان منظروها وشيوخها رموز الاتجاه السلفي التقليدي أكثر الإسلاميين الكويتيين انتقاداً لأسامة بن لادن وطروحاته "الجهادية"، والأقوى تحفظاً عن نظام حركة "طالبان" وأكثرهم رفضاً لمبدأ الخروج على الحكومات. وعلى رغم هذا "الاعتدال"، على الجمعية أن تكابد المشاق، بعدما وقعت في هوة الشكوك الأميركية، التي تدرج أي نشاط خيري إسلامي في دائرة الإرهاب أخذاً بالظن والشبهة. ومع أن رئيس الجمعية طارق العيسى رفض الإعلان الأميركي عن تصنيف فرع الجمعية الاغاثي في باكستان ضالعاً بتمويل الإرهاب، وأبلغ الصحافة ردوداً تفصيلية على ادعاءات وزارة العدل الأميركية، يعلم الجميع أن تهمة الإرهاب يسهل اطلاقها، لكن دحضها صعب جداً في عالم ما بعد 11 أيلول سبتمبر 2001. ومع انزعاج التيار السلفي التقليدي في الكويت من هذا التطور، يمكن القول إن انزعاج الحكومة الكويتية لا يقل عنه، وهي تعلم أن ليس بإمكانها مجاراة المطالب الأميركية المتوقعة لاتخاذ اجراءات أخرى ضد الجماعات الإسلامية القوية في الكويت، والتي تحتفظ بعلاقة حسنة مع الحكومة، وبرهنت خلال عقدين من العمل السياسي أنها تعمل من داخل النظام لا من خارجه. المطيري و"المشبوه" وإذا لم تنتج عن مسألة "احياء التراث" أزمة عاجلة بين الحكومة والإسلاميين، فإنها سكبت الوقود مرة أخرى على علاقة الإسلاميين بالليبراليين. إذ جاءت الاتهامات الأميركية بعد يوم على تصريحات للدكتور حاكم المطيري، الأمين العام ل"الحركة السلفية"، وهي تنظيم انشق عن التيار السلفي عام 1996 ويميل إلى التشدد ضد الحكومة والليبراليين. وحذر المطيري من "خطورة التحالف المشبوه بين بعض رموز التيار الليبرالي والقوى الدولية والتحريض المستمر من هذه الرموز لضرب العمل الخيري الإسلامي". وصرح المطيري، وهو مدرس في كلية الشريعة، إلى "الحياة" أمس بأن "علمانيين كويتيين اختلقوا معلومات ضللوا فيها جهات غربية، وحرضوها ضد لجان العمل الخيري الكويتي وجمعياته". وزاد: "بات واضحاً أن الاجراءات ضد جمعية احياء التراث هي أولى ثمار هذا التحريض". وكان ليبراليون، مثل وزير النفط السابق الشيخ سعود ناصر الصباح، ووزير الإعلام السابق الدكتور سعد العجمي والأمين العام ل"التجمع الديموقراطي الوطني" الدكتور أحمد بشارة، حذروا من أن عدم اتخاذ الحكومة موقفاً متشدداً من الجماعات الإسلامية سيكون ثمنه خسارة الموقف الأميركي المتعاطف مع الكويت في مواجهة التهديد العراقي لها. وأكدوا أن جمعيات العمل الخيري قنوات تستخدم لتمويل "جماعات متطرفة". وأعلن ناشطون ليبراليون تشكيل وفد أهلي سيزور الولاياتالمتحدة نهاية الشهر الجاري، لتحسين العلاقات التي تأثرت، بحسب اعتقادهم، بعدما تكشفت علاقة مواطنين كويتيين بتنظيم "القاعدة" بزعامة أسامة بن لادن، وهو الوفد الذي هاجمه الإسلاميون قائلين إن بعض المشاركين فيه سيعمل لتأجيج المشاعر الأميركية ضد الإسلاميين في الكويت. وربما يكون موضوع "احياء التراث" وعلاقة الإسلاميين بالإرهاب على رأس محادثات وفد من الكونغرس الأميركي وصل إلى الكويت ليل أمس، وسيلتقي مسؤولين في الحكومة وفي مجلس الأمة البرلمان. وذكر ان فريقاً أمنياً أميركياً سيصل في موعد لاحق، للبحث في ملابسات الاتهامات الموجهة إلى جمعيات كويتية بتمويل الإرهاب. أما الكويتيون فلربما يسعون من خلال هذه الاتصالات إلى تأمين الافراج عن بعض مواطنيهم الذين أسروا في أفغانستان، ويتهمون بالقتال مع حركة "طالبان".