لعل من اهم مميزات الدراما السورية عبر تاريخها قدرتها على تجديد مكوناتها وإعادة إنتاجها، إذ لم تخل ساحتها يوماً من الممثل القدير والمخرج الماهر والمنتج الكفي... الخ، لكن ربما كان احد اسباب ازمتها هو فشل هذه المكونات احياناً كثيرة في الالتقاء والتقاطع. عبدالمنعم عمايري واحد من جيل الممثلين الشباب، الباحثين عن إعادة ترتيب اوراق الدراما السورية، والإفادة من خاماتها المتوافرة، للارتقاء بها الى المرتبة التي تستحقها. "الحياة" استطاعت ان تنتزع هذا الحوار من الفنان عمايري على رغم اعتقاده بأن الفن وسيلته الوحيدة للتعبير عن ذاته، وعلى رغم محاولاته الابتعاد من الصحافة والإعلام. بدأت بانطلاقة قوية في مسلسل "الثريا" وجسدت فيه شخصية "وفائي"، ما تأثير هذه الانطلاقة في مسيرتك الفنية؟ - بشّر مسلسل "الثريا" للمخرج هيثم حقي بقدوم ممثل جديد قادر على اداء الأدوار الصعبة، وكانت الخطوة الأولى التي سنحت للدخول في ادوار ذات ثقل نوعي، وتجسيد شخصيات مركبة وغير مستهلكة. ألا تعتقد انك قدمت شخصيتين - هما عماد في "ايامنا الحلوة" ووديع في "ذكريات الزمن القادم" - شبه متماثلتين وبالكاد يمكن الفصل بينهما؟ - لا أوافقك الرأي. لم أقدم شخصية تشبه الأخرى، لكنني ابحث دائماً عن شخصية جديدة، ويظهر هذا جلياً من خلال انتقائي أدواري، وبخاصة في هذين الدورين، اذ اختلفت الشخصيتان اختلافاً جذرياً، ولا تقاطع بينهما، فشخصية عماد مسحوقة وبسيطة ارتبطت مشكلاتها بالحياة وبقضاياها الاجتماعية داخل منزلها، بينما شخصية وديع مريضة نفسياً، وتعاني عقدة طبقية، وتستحوذ عليها رغبة تملكية، اضافة الى انها تتمتع بوعي ثقافي واجتماعي، وما يجمع الشخصيتين انتماؤها الى طبقة اجتماعية فقيرة، قد يكون التشابه في اسلوبية فن التمثيل، وشكل التعبير في حركة الجسد او حركة العين، وهذا طبيعي جداً، لأنني اقدم نفسي اضافة الى الشخصية الفنية. هذا يؤكد لنا ان الظهور المتكرر للفنان في ازمنة متقاربة ينعكس سلباً عليه؟ - من يعتقد غير ذلك مخطئ، ولا يقع الخطأ على الممثل وإنما، على خطة توزيع اوقات عرض العمل، وبخاصة في شهر رمضان، نحن نعمل ثلاثة اعمال في السنة ويصادف عرضها مجتمعة في شهر رمضان، ولذلك على الممثل تقديم شخصيات مختلفة عن بعضها بعضاً، وأن يعي ماذا يقدم تجنباً للوقوع في مطب النمطية، وتنويع الممثل لشخصياته هو تحد لذاته. ويساهم المخرج الى حد كبير في تكريس نمطية الممثل، وذلك عندما يستسهل اختيار الممثل المعروف بتأديته لشخصية ما فنان جاهز، فلا يخاطر في اعطائه دوراً مختلفاً، وبالتالي تلتصق به تلك الشخصية طوال عمره الفني. لكن هناك مخرجين يتسم اسلوبهم الإخراجي بالاعتماد على الممثل، وإظهار طاقات لم يظهر فيها من قبل؟ - هناك اسلوب اخراجي يميز كل مخرج عن غيره، وهو يعلم مسبقاً بإمكانات الممثلين، وعندما اعمل مع مخرج خبير مثل هيثم حقي اعرف سلفاً انه يستطيع اقتناص تلك اللحظات المخبأة عندي اكثر من اي مخرج آخر، وهذا ما لاحظناه في مسلسل "ذكريات الزمن القادم"، إذ ظهرت مقدرات فنية عالية لبعض الممثلين لم تكن لتظهر لولا وجود مخرج جيد. ومن جهة اخرى، لا أؤمن بأن المخرج هو الذي يكتشف الممثل فقط، وإنما الممثل قادر ايضاً على اكتشاف المخرج وهي مسألة شراكة. وكما ان مهمة المخرج، وهي اصعب مهمة في مجال العمل الدرامي، استفزاز الطاقات الجسدية والصوتية والعوالم الداخلية للممثل، فمهمة الممثل ايضاً ان يقدم ويضيف إليه، لأنه في النهاية يعمل ضمن منطق الممثل. المخرج والممثل رسخ بعض المخرجين السوريين ظاهرة الاكتفاء بممثلين معينين او تكرار التعامل مع ممثلين دون غيرهم، فما رأيك؟ - المخرجون انواع: مخرج باحث عن قدرات جديدة، ومخرج باحث عن ممثل مناسب للدور المناسب، وآخر باحث عن ممثل لهذه الشخصية، وآخر ايضاً باحث عن ممثل يرتاح إليه، على سبيل المثال: ظهر مخرج مهم وله ثقله الإخراجي في السنوات الأخيرة لا يعمل إلا مع ممثلين محددين والسبب معروف انه يحبهم وتجمعه بهم صداقة على رغم ان الساحة الفنية السورية مملوءة بممثلين موهوبين، وعلى درجة فنية استثنائية، وهناك مخرج ينتظر من مخرج آخر ان يكتشف مواهب جديدة حتى يتعامل معها، وهناك نوعية من المخرجين لا تختار الممثل بل المنتج هو من يختاره، وهناك من يفصّل المخرج والممثل والإنتاج وكل ما يتعلق بالعمل على مقاسه فيظهر فضفاضاً. وبالتأكيد احترم النوعية الأولى من المخرجين الذين يختارون الممثل المناسب في الدور المناسب، وكثر هم المخرجون الذين لا تربطني بهم معرفة سابقة وأحرص على التعامل معهم، وأنا أنتمي الى هؤلاء المخرجين، وأرى ان المسألة معادلة تبادلية، فمثلما هو يختارني انا ايضاً أختاره، او ارفض التعامل معه، حتى ولو كان ممثلاً او شركة إنتاجية. سبق ان رفضت عملاً تلفزيونياً بسبب ممثلة، فهل هذا صحيح؟ - نعم، ورفضت اعمالاً كثيرة بسبب ممثلة لم ار فيها ادنى مواصفات التمثيل، قد تكون جيدة في مكان آخر ولكني لا أعمل في مسلسل ارى فشله مسبقاً. فالشريك اساسي، والعمل سيسقط حتماً اذا كان احد الشريكين ضعيفاً، وأشبه الحال بلعبة الشطرنج، فإذا كان احد اللاعبين ضعيفاً ستظهر اللعبة ضعيفة، وسوية العمل الفني ترتفع مع وجود شريكين قويين. ألا تخشى البدائل الكثيرة؟ - هناك شروط فنية ومادية لا أتنازل ابداً عنها، لأنني احرص على تقديم شخصيات تحترم ذوق المشاهد، وأدرك انه ليس من الصعوبة بالنسبة الى الشركة ايجاد بديل، مثلاً بعد ان وافقت الشركة على شروطي في مسلسل "ابناء القهر"، استغنت عني ببساطة عندما وافق زميلي مع احترامي له، على ان يؤدي الدور بلا اي شروط، ولا يعنيني ذهاب الفرصة بقدر ما يعنيني ماذا اريد وعما ابحث؟ هناك شروط فنية ومادية يجب ان تتحقق، وأنا لا أخجل من شروطي، ولا عيب فيها، لأن ما اقدمه يأخذ من عمري وراحتي وجهدي المتواصل، ولأنني في الوقت ذاته احترم شروط القائمين على اي عمل فني اشارك فيه. شاركت في "بقعة ضوء" وفي اكثر من لوحة كوميدية ناقدة، وحققت نجاحاً، كيف تنظر الى فن الكوميديا الذي شغل حيزاً جيداً في الدراما السورية؟ - ينتمي "بقعة ضوء" و"عالمكشوف" الى نوع واحد له علاقة بالحلقات المنفصلة والمكثفة، والمعتمدة على القصص القصيرة، ويختلفان في المعالجة والأسلوب، وأنا لا أحبذ ولا أفكر في نوع العمل الفني الذي سأقدمه، ولا أفضّل الفصل، وما يهمني هو ما ستقدمه الشخصية، وعندما أذهب للعمل اذهب لأقدم شخصية تتمتع بسمات معينة لا لكي اقدّم كوميديا، وما أمتعني في "بقعة ضوء" شخصياته. وشكّل هذا العمل امتحاناً لقدراتي كممثل، لأن الشخصيات تكثف خلال عشر دقائق ما تريد قوله في مسلسل مؤلف من ثلاثين حلقة، في محاولة للبحث عن شخصيات تدور في فلكنا طوال حياتنا، اما اذا وضع الممثل في أولوياته انه سيقدم شخصية كوميدية ليضحك فإن أدواره ستبدو باهتة، وتفقد عفويتها. قد تظهر الابتسامة في اي عمل درامي، حتى ولو كان العمل ميلودراما قاسية كما في "ايامنا الحلوة"، فهناك لحظات عند عماد حملت النقيضين، الابتسامة والحزن. عندما نرى هذه الشخصية التي تعيش في بيئة مسحوقة تذهب الى فندق خمسة نجوم وتأكل بالشوكة والسكين، يدعو هذا المشهد الى الابتسامة. تتسم غالبية شخصياتك الفنية بالهدوء وأحياناً كثيرة تحمل المعاناة والحزن، كيف للممثل استحضار هذا المخزون الداخلي؟ - الإنسان مزيج هائل من المشاعر، فمثلاً شارلي شابلن كان رجلاً حزيناً جداً، لكنه من اكثر الشخصيات الفنية التي اثارت الضحك فينا، الفنان حساس جداً ويتأثر في شكل كبير بالأشياء من حوله، وثمة روابط بين الممثل وشخصيته الحقيقية، روابط تظهر في لحظات محددة، ويستحضرها بسرعة، لذلك تشبهني شخصياتي في جانب كبير منها، فعندما أؤدي الشخصية استحضر حزني الداخلي، وأعتقد ان الأمر مرتبط بصدق الممثل مع نفسه، فأنا في مثل هذه الظروف لا أستطيع إلا ان اكون حزيناً، وعندما يكون الفنان حزيناً ولا يظهر حزنه او فرحه، فهذا يعني ان بينه وبين دوره التمثيلي مسافة. ألا تعتقد ان البطولة الفردية باتت واضحة في اعمالنا الدرامية التلفزيونية؟ - إن كنت تشيرين الى مسلسل "ذكريات الزمن القادم"، أؤكد لك ان الإشارة غير دقيقة، ومن يقرأ نص العمل سيجد ان كل شخصياته لها الثقل ذاته. صحيح ان شخصية مطر هي المحرك الأساسي وهذا طبيعي في الهرم الدرامي، وهي من شروطه، لكن هذا لا ينتقص ابداً من جهود الممثلين الآخرين، فكل واحد منهم قدم شخصية متميزة جداً، وأجاد دوره مثلما اجاد الفنان جمال سليمان دور مطر ابو ربيع، وقدم شخصية اختلفت جذرياً عن كل ادواره السابقة، فما يميز الدراما السورية هو اعتمادها على العمل الجماعي، ولا اظن انها ستتخلى عن شيء ميزها، وشكل احدى نقلاتها النوعية. قيل إنك متأثر بالفنان بسام كوسا؟ - أحترم كل ما يقدمه الفنان بسام كوسا، وهو من الفنانين الاستثنائيين، لكنني أؤكد انني لم أتأثر سوى بأفلاطون وأمي، وبالتالي انا متأثر بما حولي. يتهمك البعض بأنك مشاكس، فما رأيك؟ - لست مشاكساً، وليس كل من أبدى رأيه في مسائل تتعلق بمهنته يعني انه مشاكس، كل ما في الأمر انني حريص على ظهور العمل الذي اشارك فيه بصورة جيدة، ولا أتدخل في ما لا يعنيني، وأبدي رأيي باللباس الذي ترتديه شخصيتي الفنية، ولوكيشن التصوير، وارتأيت انه لا يتناسب مع بيئة الشخصية. اقول رأيي بصراحة، وعلى رغم ان الصراحة تزعج احياناً لكن لا بد منها. تحضر حالياً لعمل كوميدي مع الفنانة امل عرفة، فهل نتأمل ولادة ثنائي فني في الدراما السورية؟ - لم أشتغل مع الفنانة امل عرفة إلا نادراً، حتى بعد زواجنا، وأحب العمل معها ممثلة شريكة، وعلى رغم ذلك لا أفكر بالثنائية لا معها ولا مع اي فنانة، ومحسوم الأمر بالنسبة إلي، وهو مرتبط بالمصادفة وطبيعة الدور. وكما جمعتنا المصادفة في "امرأة في الظل" قد نجتمع في عمل آخر، وكما ذكرت ما زلت أقرأ نصاً من تأليف الفنانة امل عنوانه "عشتار"، والشخصية جميلة جداً ومختلفة على كل الصعد، احببتها وسأقدم شكلاً جديداً عما قدمته سابقاً، وأقرأ نصاً للمؤلفين نجيب نصير وحسن سامي يوسف وسيخرجه فهد ميري. مسرح وسينما تعتبر نفسك فناناً مسرحياً، وخضت اول تجربة مسرحية "كتابة وإخراجاً"، فها هي فكرة الإخراج مطروحة ضمن مشاريعك، وبخاصة بعد ان وجد بعض ممثلينا ضالتهم في فن الإخراج التلفزيوني. - اختياراتي نابعة من دراستي في المعهد العالي للفنون المسرحية، وأنا اخرج المسرحيات التي اكتبها فقط، وكانت اول تجربة احترافية في مسرحية "صدى" التي حصلت على جوائز عربية وعالمية، وعلى ذهبية المسرح التلفزيوني في قرطاج، اضافة الى جماهيريتها، ولدي تجربة اخرى "فوضى" لكنها لم تر النور بسبب البيروقراطية التي تفرض نفسها على كل عمل ابداعي، وما زلت أنتظر، لكنني لا افكر مطلقاً في الإخراج التلفزيوني، وليس كل ممثل ناجح يمكن ان يكون مخرجاً او العكس، فالنحات يستطيع ان يرسم بالريشة ويكون مصوراً، لكنه نحات واهتمامه منصبٌّ على فن النحت وتقنياته. كيف وجدت السينما بعد ان قدمت دوراً بسيطاً في فيلم "نسيم الروح" للمخرج عبداللطيف عبدالحميد؟ - لا أعرف السينما، والدور الذي تذكرينه لم أظهر فيه إلا في مشهد واحد، وهذا غير كاف لمعرفة ما معنى السينما الحقيقية للأسف. ويشعر الممثلون لدينا بالحزن لحال السينما السورية التي لم تستطع تجاوز ازمتها حتى الآن.