يصرّ المخرج السوري نجدت أنزور على نجاح تجربة الفنتازيا في الدراما السورية، نافياً في الوقت نفسه ان يكون نجاحه مرتبطاً بها. ويقول ان الأعمال التاريخية التي أخرجها تقدم دليلاً على ذلك. ويدافع أنزور عن ابرازه جسد المرأة وأنوثتها في بعض الأعمال معتبراً ان حضور المرأة بأنوثتها يدخل في سياق العمل. "الحياة" التقت أنزور وكان هذا الحوار: في عملك الدرامي الأخير مسلسل "البحث عن صلاح الدين" كان هناك ابتعاد عن اسلوب الفنتازي الذي اصطبغت به اعمالك الاخيرة، وعلى وجه الخصوص: "الجوارح" و"الكواسر" و"البواسل"، ما جعل البعض يعتقد ان هذا العمل كان مجرد رد فعل بسبب الوضع الفلسطيني القائم والانتفاضة. - إذا رجعنا الى التاريخ، فأنا اول من قدّم الدراما الاجتماعية المستوحاة من التاريخ المعاصر في سورية في بدايات انتشار الفضائيات عبر رواية حنا مينة "نهاية رجل شجاع". بعدها قدّمت عملاً تاريخياً معاصراً هو "اخوة التراب"، فلماذا ينسى الناس؟ إذا كان الأمر كذلك، لماذا كان هذا الخروج من الواقع الى الفنتازيا؟ - لأن الواقع اصبح فنتازيا، كما ان هذا اللون هو فن، وتستطيع ان تقدم بعض الافكار عن طريق هذا اللون الجديد، وهو بحث عن شكل جديد من اشكال الفنون التلفزيونية، وسبب الاستمرار في هذا اللون هو النجاح الذي حققه. هل يُفهم من كلامك السابق ان في ذلك خضوعاً واستجابة لرأي الجمهور، أم انك مقتنع بالشرط الفني؟ - اول عمل قدمته في حياتي "نزهة على الرمال"، كان في الأردن، ويتحدث عن فترة الاحتلال البريطاني للأردن، فأنا اول ما قدمت نفسي للمشاهد العربي من طريق الأعمال القومية الوطنية الملتزمة، والفنتازيا هي مرحلة، وهي ايضاً ليست فارغة من هذا التوجه الذي كان موجوداً فيها من خلال الاسقاطات الموجودة بهذه الأعمال. يرى البعض ان الإبهار البصري الذي حققه الجو الفنتازي في الدراما التي تقدمها، سيطر على المشاهد، وأخفى بعض العيوب في النص الدرامي على مستوى الحبكة او تسلسل الاحداث، اي انه كان بمثابة الحجاب. - هل كل ما يقدم على الشاشة متقن من حيث النص!. ان 99 في المئة من المسلسلات التلفزيونية فارغة من المحتوى، او تدور على فكرة صغيرة جداً، والفكرة لا تحتمل 20 او 30 حلقة، ومع هذا يعملون منها معنى كبيراً. انا الذي قدمته هو المتعة، لأن مهنتنا هي مهنة متعة ومشاهدة في الدرجة الأولى، تتزامن وتتوافق مع نص يحتمل بعض الافكار وليس كل شيء. أما كان من الاجدر ان يتجاور الإبهار البصري والمقدرة الفنية، مع النص الجيد والقوي للخروج بعمل متكامل؟ - اعطني امثلة لكي نحدد الموضوع. في مسلسل "البواسل" كان هناك ضعف في الحبكة الدرامية، وتركيز وتطويل في بعض القصص الجانبية التي لا تمت لجوهر النص بصلة، فقط من اجل تغطية الفراغ وملئه. - هذا يرجع للكاتب، فلست انا الذي كتبت "البواسل"، والكاتب هو الذي يدافع عن وجهة نظره. انا عملت عملاً مع الكاتب نفسه خارج سياق هذه السلسلة اسمه "الموت القادم من الشرق"، وأثار ضجة كبيرة وكتبت عنه الصحف الاسرائيلية. ان هذه الأعمال ليست فارغة من المضمون وإنما هي نوع من الفنون. ان اهم شيء هو انني أخضعت المسلسل التلفزيوني لفن التجريب، وهذا كان امراً يخاف منه الكثير ويترددون في الإقدام عليه. الآن اصبح المجال متاحاً لأي فنان لأن يجرب، حتى في الفن التلفزيوني. هذا التجريب بعد هذه الأعمال ألا تخاف ان يتحول الى نمطية مكررة وجامدة؟ - إذا كانت ستكون مكررة او مقلدة، فستكون من الآخرين، وليس مني أنا. فأنا دائماً اقدم شيئاً جديداً والآخرون يقلدون. فأنا لا اقلد نفسي، وتحديداً الجوارح والكواسر والبواسل هي سلسلة، مثل ما تشاهد في المسلسلات الأميركية والأوروبية. هناك سلسلة وهناك موضوع يريد ان يكتمل، وهناك رغبة شعبية جماهيرية لمعرفة ما الذي سيحدث. لو رجعنا الى هذه السلسلة الثلاثية تحديداً، ألا ترى ان غياب بعض الوجوه وتنوعها من مسلسل لآخر، أضعفها وقلّل من قيمتها الفنية؟ - لا أبداً، فالفن المرئي يريد ان يوصل مضموناً وفكرة، والشكل يتحكم به المخرج مثلما يريد. والممثل هو عنصر من عناصر هذا العمل وليس عنصراً أساسياً فقط. لا يمكنك ان تشتغل بدونه، هذه شخصية مكتوبة ومفترضة وممكن لأي ممثل ان يقوم بها. لو أنك كنت توثق شيئاً ما فمن الممكن ان اختلاف الممثل يؤثر على العمل، لكن طالما انه عمل مفترض فليست هناك أي مشكلة. في "الموت القادم الى الشرق"، كان المسلسل متكاملاً على مستوى الإخراج والموضوع، في حين كانت الثلاثية تعتمد على عوامل عدة قد يكون بعضها هامشياً في إبراز النص والعمل، كالتركيز على الجسد الأنثوي وجماليته. - طبعاً، فالموضوع كان مختلفاً، كما انه من قال ان الجسد ليس شيئاً جميلاً، أو ليس من المفترض ان يظهر. القضية ليست موقفاً ضد الجسد الأنثوي، بقدر ما يتساءل المتابع عن مغزى التركيز على هذا الجسد في بعض المشاهد، فالمتابع للكواسر مثلاً يلحظ بعض الإغراء الأنثوي لدى بعض الشخصيات في العمل. - هذا يأتي في سياق المضمون، فشخصية مثل بثينة، ما هي أدواتها غير الإغراء، هل تحمل السيف وتحارب!، هي ادواتها كأنثى الاغراء، وطبيعي ان يدخل ذلك في سياق العمل. الأنثى في الدرجة الأولى تستعمل انوثتها ثم تأتي امور اخرى. ألا يقود ذلك لتعامل مادي مع الأنثى، محولاً إياها تحفة ونوعاً من الزينة، اكثر منها فاعلة فنياً في العمل؟ - الأنثى كانت فاعلة جداً، فعلى سبيل المثال كانت بثينة اهم عنصر درامي في العمل وتركت اثراً كبيراً جداً. ان الذين يطلقون آراء كهذه لديهم غايات شخصية. من خلال تجربتك الدرامية وعملك الأخير "البحث عن صلاح الدين" ما هي الآليات الفنية التي تعمل عليها من اجل تطوير عملك الإخراجي؟ - أنا دائماً أبحث عن صيغة فنية جديدة، عن حلول اخراجية وبصرية مختلفة، وأنتقي موضوعات تستطيع ان تعالج مشكلاتنا من دون فرض على المشاهد وهذا ما يُكسب عملي احتراماً. فليس في اعمالي اي وصاية، وإنما فيها تركيز على جوانب معينة يجب ان نركز عبرها كفنانين على قضايا مهمة تمس مجتمعنا وتاريخنا ومواقفنا السياسية. في الوطن العربي قدر لا بأس به من القدرات الفنية والجمالية من موسيقيين وكتّاب ومخرجين وممثلين ومصممي أزياء وراقصات، التي لو تكتلت مع بعضها وتعاونت لكان بإمكانها ان تخرج بعمل فني متكامل، لماذا لا نلحظ تعاوناً فاعلاً في هذا المجال؟ - لا مشكلة لديّ في هذا الصدد. لكن ما يجب معرفته هو ان اهمية الفن وجماله هي في تنوعه، وفي ألا يكون لدينا فريق واحد طوال الوقت. فالتنوع والتناغم يوجدان هذه الحال وهذا البستان الجميل عندما تتعاون مرة مع مارسيل خليفة مثلاً أو كركلا او سواهما، فعبر هذا التنوع يبتعد العمل عن النمطية ويعيد تشكيل هذا العمل في شكل جميل على الشاشة. ما الذي تسعى له في اعمالك: تكريس لقطرية وسورية الدراما، أم لفنيتها؟ - أنا ادافع فقط عن الدراما السورية، ولو راقبت اعمالي ستجد ان هناك مساحة كبيرة للفنانين العرب. انا ادعو الى الدراما العربية، وأطلب من اخواننا المصريين ان يشاهدوا اعمالنا على الشاشة المصرية، كما نشاهد نحن اعمالهم على الشاشة السورية. هذا الانتشار العربي الحاصل للدراما السورية يأتي من إيماننا في سورية بهذا العمق العربي وقومية رسالتنا، فنحن تربينا على الحس القومي ونرفض الاقليمية بكل اشكالها. المتابع للدراما العربية يراها في حال ضعف وانحدار، ما سبب ذلك؟ - التمسك بالاقليمية، ودعم التعامل مع الاعمال العربية كصيغة واحدة. على ما تقدم، هل التمسك بالاقليمية بإمكانه ان يلغي الشرط الفني؟ - لا، لكنه سيلغي الشرط الموضوعي. لأضرب لك مثالاً معاكساً لكلامك، وإن كان في حقل السينما، الذي هو حقل فني ايضاً لست ببعيد عنه. فالسينما الإيرانية سينما قومية ومع هذا فهي سينما قوية وتحصد الكثير من الجوائز، وقوميتها لم تلغِ شرطيها الفني والموضوعي. - إيران دولة واحدة، وليست عالماً عربياً يتكون من دول. العالم العربي قوته بتنوعه وبهذا النسيج الجميل، وعندما نتخلى عن هذا النسيج نفقد قدرتنا على المواجهة.