كولاج موسيقي هجين تتجاور فيه متتاليات لحنية شرقية وغربية يرصد حال فوضى ثقافية يعيشها الشباب الأردني أفرزت منظومة ذوقية أخفقت في ترسيخ توجه فني محدد الملامح يتكئ على الموروث الموسيقي الزاخر. وباتت الذائقة الموسيقية خاضعة لمزاج مرسملي فضائيات المنوعات، وشركات الانتاج الصوتي والمرئي التي تروج لضجيج ألحان صاخبة يتمايل عليها الجسد ونادراً ما تشجي الأذن. ومع اقتحام التقنية البصرية لهيكلية الأغنية وشيوع ظاهرة أغاني الفيديو كليب، تراجع الاهتمام بالمضمون لحساب الأداء الحركي، فطغت الصورة على الصوت، وشغلت متابعة الإثارة عن معاني الكلمات، ومستوى الالحان. ويرصد محمد وليد 24عاماً من خلال عمله بائعاً في الميوزيك بوكس توجهات الشباب وأذواقهم، مبيناً أن اسطوانات عمرو دياب تقف على رأس قائمة الأشرطة الأكثر مبيعاً، فيما يتصدر مغنو الراب من أمثال فيفتي سنت صاحب أغنية In the club وشين باول صاحب أغنية Get Busy لائحة الاسطوانات الغربية. ويضيف أن الأذواق متنوعة وتتأرجح بين الأغاني القديمة والحديثة، العربية والغربية، لافتاً إلى أن بين فترة وأخرى يتهافت الشباب على شراء ألبوم يتضمن أغنية "ضاربة" لا تلبث أن تفقد بريقها مثل أغنية "أخصمك آه" لنانسي عجرم، و"وليه بيداري" لروبي وأخيراً "علوش" لعلي الديك . واللافت أن أغنية "علّوش" ما زالت تتصدر بورصة الأغاني في عمان منذ نحو شهر، إذ استطاعت بنسيجها اللغوي السلس المصحوب بصوت اليرغول آلة موسيقية نفخية الشجي أن تسحب البساط من تحت قدمي الأغاني المغرقة بالغرائزية، ربما لأنها لامست شوق الأرواح الفطري لنقاء الطبيعة البعيد من دنس الرقمية. وتروي علوش ببساطة حكايات الجدة في يوميات فلاح يستيقظ مع تنفس الصبح الأول ليحصد زرعه طالباً من رفيقه أن يلحقه ب"الزوّادة". ويرى بعضهم أن نجاح "علوش" مؤشر على أن الفنون الشعبية قادرة على اكتساح الساحة الغنائية على رغم انحسارها وانخراطها في المشهد السياحي. ويفضل إيهاب 17 عاماً وصديقه منذر الاستماع إلى إمينيم eminem ويصفانه ب"الفنان المبدع" الذي يخاطب الشباب بلغة يفهمونها، ويقدم لهم موسيقى تعبر عما يعتمل في نفوسهم. ويرى إيهاب أن نمط أمينيم في الغناء هو "الأكثر ملاءمة لمعطيات العصر الذي يتسم بالسرعة". ويقول موسى الشاعر 32 عاماً إن بعض الأغاني "تفرض نفسها على المتلقي فرضاً نتيجة عرضها المتكرر على الفضائيات وكثرة بثها عبر موجهات الراديو، فيما تبقى أغان رائعة اللحن والكلمة حبيسة الشريط البني الصامت". ويتساءل عن الدوافع التي تقف وراء تسليط الأضواء على أغان دون غيرها. وينتقد الشاعر الازدياد المطرد في أعداد المغنين معتبراً أنه "مؤشر على هبوط مستوى الأغنية وتخبطها". وتعزو حنان 25 عاماً ارتباك الأغنية العربية الى الانفتاح غير المدروس على الموسيقى الغربية والذي أفقدها هويتها، وحولها إلى "مجرد فقاعة هوائية قصيرة العمر، وعديمة التأثير". وترى ان افتتان بعض الشباب بالإيقاعات الغربية الصاخبة وانزلاقهم في متاهات الربط بين نوعية الموسيقى وتوجهات المعتقد، ناجمان عن أزمة الهوية الثقافية الشاملة التي يعانيها. وتضيف أنه "تجلٍ من تجليات ضعف الانتماء الى الحضارة العربية بكل رموزها بعد سلسلة الهزائم التي عايشها الشباب في مقابل انبهاره بمنجزات الغرب وتفوقه". وعلى رغم الحرب الشعواء التي شنتها أجهزة الرقابة على محال بيع الأشرطة لمصادرة اسطوانات "الماتيليكا" و"الهيفي ميتال" لارتباطها بعبدة الشيطان، ومهاجمة الأديان السماوية، فضلاً عن أن كلماتها تعج بالألفاظ البذيئة، فإنها ظلت متداولة بين الأوساط الشبابية المتأثرة بالاتجاهات الغربية المتطرفة. وتقوم موسيقى "الماتيليكا" و"الهيفي ميتال" على ألحان عنيفة وإيقاعات قوية أقرب ما تكون الى دوي الانفجارات. غير أن هذا التشبيه لا يروق لسنان 17 عاماً الذي يرى أنها "موسيقى صلبة" تفجر طاقاته، وتساعده على تفريغ شحناته الانفعالية، نافياً ان يكون لاستماعه اليها أي ارتباط بتوجهات عقائدية. ويضيف سنان أنه يحصل عليهم عن طريق تحميلها من مواقع خاصة على الانترنت، أو يشتريها من "السوق السوداء للأسطوانات" رافضاً اعطاء المزيد من التفاصيل عن أماكن بيعها.