طل الصبح ولك علوش/ سبقونا هالحصادة/ هات المنجل والمنكوش / والحقني بالزوادة... "علوش" هي إحدى أغنيات الألبوم الجديد للمطرب السوري علي الديك وأكثرها انتشاراً. أغنية تراثية تتحدث عن الفقر والحصاد والعلاقة بالأرض، وربما كان ذلك هو سبب اكتساحها للمبيعات في الأراضي الفلسطينية على حد تعبير موقع www.musicananet.net في تقرير خاص له حولها. من مسجلات سيارات الشباب الفارهة في أرقى أحياء دمشق، يتعالى صوت علي الديك مغنياً الفقر والريف الجميل بلهجة ساحلية أصيلة، وجد فادي 22 عاماً وهو من عائلة دمشقية عريقة، في البداية صعوبة في فهمها، ويقول: "إن انتشار مثل هذه الأغنية ليس سراً بنظري، فهي من النوع الصاخب الذي يعطيك الرغبة بالحركة والدبكة وفي إمكانك الاستماع إليها من دون تركيز. في البداية سألت إحدى الصديقات عن معاني بعض الكلمات، ووجدت أنها ترسم لك لوحة حقيقية عن الحياة البسيطة للريف الساحلي". ويضيف: "كل شيء جديد يضرب بين الشباب، إضافة إلى أن الإذاعات التي نسمعها في كل مكان في السيارة والتاكسي وحتى الميكروباص، تساهم في شكل كبير في انتشار أي أغنية حتى وإن لم تكن جميلة". في محلات بيع الكاسيتات والبسطات المنتشرة في أماكن متعددة من دمشق، يتردد الكثير من الشباب، يومياً أحياناً، لشراء آخر الألبومات العربية والأجنبية. محمد 19 عاماً، ينفق ما يزيد على نصف مرتبه شهرياً لشراء كل ما هو جديد، حتى أن غرفته تحوي ما يزيد على الألف كاسيت من المنوعات العربية في شكل خاص، وهو يقول عن مجموعته "أشتري كاسيتات عمرو دياب وكاظم الساهر وهاني شاكر دوماً، أما أسعار الكاسيتات فتراوح بين 50 و200 ليرة سورية، وهناك الكثير من البسطات في أماكن الكراجات وسوق الحميدية ومنطقة البحصة التي تبيع الكاسيت ب25 ليرة سورية فقط حتى بعد صدور قانون الحماية". جوني 28 عاماً صاحب محل لبيع الاسطوانات المدمجة في دمشق، يؤكد إقبال الشباب الكبير على سماع موسيقى التكنو والهاوس والشل آوت والهيب هوب والراب... حتى ان منتجي الأغاني العربية صاروا حريصين على تضمين أغانيهم جملاً موسيقية منها، من أجل زيادة انتشارها، مثل أغنية "ما صار" لهيفا وهبي وهي عبارة عن موسيقى تكنو مع دربكة". وىضيف: "هناك مجموعة من المطربين العرب مثل عمرو دياب، هاني شاكر، كاظم الساهر، أصالة والأجانب مثل انريكه اغلاسياس، ريكي مارتن، وست لايف، برتني سبيرس... لا يتغير الطلب على كاسيتاتهم، وهناك مجموعة أخرى من الكاسيتات أو الأغاني التي تلعب المحطات الفضائية الغنائية دوراً كبيراً في انتشارها الواسع، فكثيراً ما يسألني الشباب عن أغنية لا يعرفون اسمها ولا من يغنيها ولكنهم يعرفون الفيديو كليب الخاص بها والذي غالبا ما يكون فيه الكثير من الإيحاءات الجنسية". في المحل، يسأل شاب في مقتبل العمر عن "سي دي" لجون بون جوفي، وكان جواب جوني له بأنه "ممنوع" إضافة إلى منع كل ما له علاقة بموسيقى الميتال والهيفي ميتال. ويقول جوني: "ليس هناك من سبب معلن لمنع هذا النوع من الموسيقى، وقد قيل لي بأنه إجراء احترازي اتخذ بعد الاشتباه بوجود مجموعة من عبدة الشيطان في لبنان والخوف من انتقال الظاهرة إلى سورية". ويتابع: "ليس هناك قائمة واضحة بالموسيقى أو المطربين الممنوعين، وأحياناً تختلط الأمور فيمنع مطربون ليس لهم علاقة بالميتال أو غيره مثل جون بون جوفي وأحياناً ألتون جون". وعلى الضفة الأخرى بدأت الأغاني الدينية والآيات المرتلة من جانب مجموعة من الشيوخ، الانتشار بين الشباب، والاستماع إليها لم يعد يقتصر على فترات معينة من السنة مثل شهر رمضان، بل إن وجودها بين مجموعة الكاسيتات الخاصة بأي شاب صار أمراً طبيعياً، ولا سيما أنها تعتمد في تكوينها على جمل موسيقية معروفة بين الشباب، أو على نغمة أغنية دارجة، مما يمنحها السهولة ويقربها من الذوق الشبابي العام. هذا إلى جانب الانتشار المحدود للموسيقى الصوفية. خليط كبير من الأغاني والكاسيتات والأسماء الجديدة التي تكثر يومياً، يتعاطى معها الشباب بأريحية، فهم يسمعونها ويهتمون بجديدها، رافضين كل ما يطلق عليها من صفات تقلل من شأنها. ويسأل أحدهم لماذا يتهم كل من يسمعه الشباب بالهبوط إذا كان الشباب أنفسهم سعداء به ويرقصون على نغماته؟ "ولماذا يجب علينا دوماً أن نرد على الاتهامات من قبيل جيل "فارغ" لا يسمع الطرب الأصيل ولا يبحث في الأمور المهمة ولا يقرأ الكتب الضرورية؟ والواقع أن الإجابة الصريحة لأي شاب أو فتاة عن سؤال "هل تقرأ أو تقرأين؟" هي لا. ولم تعد هذه الاجابة محرجة، لأنها لا تعني أبداً عدم المعرفة. فالشباب وإن كانوا لا يقرؤون الكتب إلا أنهم يمتلكون مصادر متنوعة للحصول على المعلومات، حتى أن الكتاب صار طرفاً خاسراً على الأغلب أمام التلفزيون والكومبيوتر والموبايل وما تقدمه من طرق سهلة وسريعة للمعرفة. فمن غرف الأخبار الحقيقية على شاشة التلفزيون، والافتراضية على شبكة الإنترنت، صار في إمكان الشباب سماع الكثير من التحليلات والأخبار، من دون أن يكلف نفسه عناء البحث في الكتب والجرائد والمجلات. بلهجة ملؤها الحسرة والأسف يتحدث آلاف الآباء والأمهات عن مكتباتهم المنزلية التي يفخرون بها، والتي لا يكترث لما فيها الأبناء والبنات، ففي عالم مفتوح الأبواب، يتجه الشباب إلى تحرر أكبر من الأيديولوجيات والانتماءات، ولم تعد هناك حاجة ماسة لقراءة عشرات الكتب عن نشوء الأحزاب مثلاً، كما أن وتيرة الحياة المتسارعة والحاجة لساعات مضاعفة للدراسة والعمل لن تشجعهم على قراءة روايات نجيب محفوظ على سبيل المثال لا الحصر. أثناء معرض الكتاب العربي التاسع عشر الذي يجرى سنوياً في دمشق، ويعتبر أكبر تظاهرة في هذا المجال، تحدث أحد أصحاب دور النشر عن مبيعاته التي لم تتجاوز الخمسين كتاباً طوال فترة المعرض، ذلك على رغم احتواء جناحه مجموعة من العناوين المهمة والمشوقة. وكان واضحاً إقبال الشباب والشابات على شراء الكتب الدينية مثل كتب رمضان البوطي، وهبة الزحيلي ويوسف القرضاوي، إلى جانب كتب المعلوماتية والاتصالات. وعلى الجانب الآخر كانت كتب دور النشر المصرية قد وجدت لها سوقاً ممتازة بين الشباب، خصوصاً كتب الدين، والكتب الشعبية مثل "كيف يسخر المصريون من حكامهم"، "اضحك مع المتزوجين" وغيرها، والكتب الخاصة بالريجيم والوصفات الغذائية والتي سجلت أثناء المعرض أرقاما قياسية في المبيعات. محمد 26 عاماً طالب في كلية الحقوق في دمشق يعمل بائعاً في إحدى مكتبات دمشق المعروفة، يتحدث عن مدى تأثر سوق الكتاب بالأحداث السائدة وبما يعرض على شاشة التلفزيون، "فأثناء الحرب على العراق وبعدها كثر الطلب على الكتب التي تتحدث عن صدام حسين والنظام العراقي وبعض روايات الكاتب عبدالرحمن منيف، وقبل نهاية العام ومع اقتراب موعد اختيار المشاركين السوريين في برنامج سوبر ستار، كثر لدي الطلب على الكتب التي تحوي كلمات الأغاني العربية. كما أنه ومع حلول الشهر العاشر من كل عام يبدأ الشباب والشابات بالسؤال المتكرر عن كتب الأبراج التي تعاد طباعتها من خمس إلى ست مرات خلال العام". ويتابع قائلاً: "ما ألاحظه الآن هو ازدياد إقبال الشباب على شراء مجموعة من الروايات الحائزة على جواز عالمية مثل رواية "خزي"، أو تلك التي يكتبها كتّاب يُسلَّط عليهم الضوء في التلفزيون تحديداً مثل الكاتب البرازيلي باولو كويلو، كما أنني أبيع وبوتيرة شبه ثابته كتب الكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي". ميراي 25 عاماً تعمل في احدى دور النشر في دمشق تصف أزمة الثقافة حالياً بأنها أزمة كتاب وليست أزمة قراءة". هي من الذين يحبون القراءة كثيراً ولكنها لا تشتري الكتب من دمشق، "فالكتاب الجديد الذي أقرأ عنه في الصحف العربية وعلى شبكة الإنترنت أجده في بيروت بعد أسبوع من صدوره، بينما تجده في دمشق بعد شهرين من تاريخه وقد لا تجده أبداً إذا كان ممنوعاً". تضيف قائلة: "لا تهتم الدولة بالكتاب في شكل كافٍ، كما أنه ليس هناك إعلان جيد للكتب الصادرة حديثاً، ما المانع أن تملأ إعلانات كتاب جديد شوارع دمشق تماماً كما تملؤها إعلانات مساحيق الغسيل، وكيف للشباب أن يعرف بكل ما هو جديد في هذا المجال من دون أي إنذار أو إعلان"؟