مع انتهاء الدورة الثانية من الانتخابات الإقليمية التي شهدتها فرنسا امس، اتجهت الأنظار الى قصر الرئاسة الفرنسي لمعرفة ما سيستخلصه الرئيس جاك شيراك من نتائج هذه الانتخابات التي كرست تقدم الحزب الاشتراكي المعارض على حزب الاتحاد من اجل الحركة الشعبية الحاكم وحليفه الاتحاد من اجل الديموقراطية الفرنسية. وكانت هذه الانتخابات اظهرت منذ دورتها الأولى الأحد الماضي رغبة الناخبين في تحويلها على رغم طابعها المحلي، الى مناسبة للتعبير عن استيائهم من اداء الحكومة الفرنسية برئاسة جان - بيار رافاران. وبدا منطقياً ان يكون رافاران اول من يتحمل المسؤولية عن ذلك خصوصاً انه صرح بأنه ادرك مغزى التحذير الذي وجهه الناخبون الى حكومته، ما اثار تكهنات حول احتمال إقدام شيراك على استبداله. لكن اوساط الرئاسة سارعت الى قطع الطريق امام مثل هذا الاحتمال، ما ادى الى ترجيح سيناريو آخر قد يدخل حيز التطبيق في الأسبوع الجاري، ويقضي بالإبقاء على رافاران والإقدام على تعديل وزاري واسع النطاق. وكان مسؤولو اليمين اقروا عقب الدورة الأولى التي احرزوا فيها 47،34 من الأصوات في مقابل 15،40 حصل عليها الاشتراكيون وحلفاؤهم اليساريون، انه سيكون من الصعب عليهم قلب الأمور لمصلحتهم من الدورة الانتخابية الثانية. كما ادرك هؤلاء ان جوهر الاستياء الشعبي تجاههم مرده الى السياسة الإصلاحية التي تمثل ضرورة حيوية لفرنسا التي تعاني عجزاً متراكماً ومديونية، لكنها ألحقت ضرراً فورياً بمصالح الفئات الاجتماعية المتوسطة والدنيا. ومن هذا المنطلق، فإن الشعار الذي سيعتمد للتعديل الوزاري المرتقب هو "الحفاظ على التجانس الاجتماعي" والذي يفترض ان يساعد على المضي في الإصلاحات وإنما إعدادها بطريقة تجعل وطأتها اقل قسوة على المواطنين. ويراهن اليمين على إمكان استعادة ثقة الناخبين سريعاً، حيث يظهر ذلك عبر الاستحقاق المرتقب في حزيران يونيو المقبل والممثل بالانتخابات الأوروبية. كما يراهن اليسار على هذه الانتخابات الأوروبية ليؤكد استعادته لموقعه كقوة معارضة فاعلة، وأنه قلب نهائياً صفحة التقهقر وانعدام الثقة بينه وبين الناخبين التي كانت عكستها انتخابات الرئاسة سنة 2002. وقد يكون ابرز ما اسفرت عنه الانتخابات الإقليمية هو إعادتها لتركيز التنافس على السلطة بين اليمين واليسار التقليديين، وعدول الناخبين عن ميلهم لمعاقبة الطبقة السياسية بأكملها من خلال توزيع اصواتهم بين قوى التطرف والقوى الهامشية، على غرار ما فعلوه في انتخابات الرئاسة السابقة.