في دورته الثامنة، يضع برنامج مهرجان حقوق الإنسان السينمائي في لندن مشاهده أزاء خيارات سينمائية وتوثيقية سياسية من الدرجة الأولى. ويبدو أن منظمي هذه التظاهرة دفعوا باتجاه تقديم موضوعات حارة ما زالت وسائل الإعلام العالمية، المرئية والمقروءة، تلوك تفاصيلها وتبعاتها السياسية والقانونية والعسكرية. فبعد عام على غزو الولاياتالمتحدة الأميركية وحلفاؤها العراق وتغيير نظامه السياسي بالقوة، اختير الشريط الوثائقي "ضباب الحرب" للأميركي أيرول موريس، ليكون فيلم الإفتتاح وبداية حملة لجمع التبرعات والتواقيع المناهضة للحرب. ولعل أختيار شريط موريس، الفائز بأوسكار أفضل شريط وثائقي هذا العام، جاء في محله، كونه يعيد تمثل سنوات حرب فيتنام والتورط الأميركي في وحولها وعبر لقاء مطول أجراه المخرج مع روبرت مكنمارا، الشخصية الخلافية الذي عمل تحت ادارتي الرئيسين كنيدي وجونسون. ولعله المعادل الواقعي للإسقاط الفيتنامي لما يجري على أرض العراق، حيث زجت أميركا بثقلها العسكري والدولي لخوض حرب تحت ذريعة أسلحة الدمار الشامل، الا انها وبعد عام لم تظفر بدليل واحد يؤكد ظنونها. القضية الفلسطينية وتعقيداتها، حضرت في هذه الدورة بقوة وفي عدد من الأشرطة الوثائقية والفيديوية، وأقتفت يوميات العذاب والموت والإذلال الذي يعيشه الشعب الفلسطيني على أرضه. فيقدم المخرج الفلسطيني ميشيل خليفي، وبالتعاون مع الاسرائيلي ايال سيفان، شريطهما "الطريق 181" المأخوذ عنوانه من قرار التقسيم الصادر عن الأممالمتحدة في العام 1947. يأخذنا الشريط في رحلة، غلبت على حوارات شخوصها روح التلقائية في أحاديثهم للكاميرا. من ميناء أشدود الى حدود غزة في الجزء الذي أطلق عليه "الجنوب". ومن لود الى القدس في "الوسط". فيما يتنقل الشريط في جزء "الشمال" بين مدينة روش حيان، قرب جدار الفصل العنصري الذي أقامته أسرائيل أخيراً، وصولاً الى الحدود اللبنانية. ليخلص المخرجان الى ان مشكلة الشرق الأوسط، الأكبر والأقدم، هي صنيعة سياسية يمكن حلها إذا توافرت ارادة السلام الحقيقي. ويقدم هاني ابو أسعد شريطه الفيديوي "فورد ترانزيت"، متابعة ليوميات سائق تاكسي، يدعى رجائي، يعمل على خط رام اللهالقدس، والطرق الملتوية التي يسلكها نتيجة الحواجز الأسرائيلية. تجتمع في تاكسي رجائي شخصيات عادية وأخرى معروفة منها حنان عشراوي وعزمي بشارة والمخرج الاسرائيلي غولدبيرغ. ويترك ابو أسعد لهذه الشخصيات حرية الإفصاح عن قناعاتها الشخصية والسياسية والحياتية، الا ان آراء رجائي وقناعاته وأحلامه، تبقى الأهم في واقعيتها، وفي مقاربة السياسة. ونتابع في شريط "فردوس مفقود" لإبتسام مرعانة، قصة احدى القرى الفلسطينية الساحلية المطلة على البحر الأبيض المتوسط، والتي أحتلتها اسرائيل بعد حرب 1948. التبرير الدرامي لزيارة مرعانة الى تلك القرية، هو في حقيقته معرفة سر الشابة سعاد. ليكتشف المشاهد ان سعاد خالفت قناعات تلك القرية، وانتمت الى منظمة التحرير الفلسطينية، وسجنت فترة طويلة، وهاجرت الى الخارج من بعد. ينتقل الشريط الى لندن، حيث نتعرف الى الوجه الحقيقي لسعاد جورج، الدكتورة في القانون. وعلى رغم تحقق طموح سعاد، الا انها ترى ان ما حققته كان على حساب ذاكرة وتاريخ شخصيين. وفي لفتة تضامن مع الجرح الفلسطيني، وعبر وثيقة ادانة صارخة يعرض شريط "رصاصة واحدة" لنوريت كيدار الذي يكشف وللمرة الأولى كيفية اختيار عناصر القناصة، وتدريباتهم العملية، والعناية التي تحيطهم بها الدولة. وعبر لقاء طويل مع أحد افراد القناصة، ما زال عاملاً ضمن القوات المسلحة الاسرائيلية، يتعرف المشاهد الى عمليات قتل الفلسطينيين بدم بارد. فيما يأخذنا شريط "تفصيل" لآفي مغربي الى متابعة يوميات العذاب والخراب الذي يعيشه الفلسطيني تحت سلطات الاحتلال. ومثله شريط "من المستحيل" لآن ماري جاسر. وستكون المخرجة الايرانية سميرة مخملباف ضيفة شرف وسيعرض شريطها "في الساعة الخامسة بعد الظهر"، بمثابة تكريم لها وللسينما الأفغانية، كونه ينطق باسمها.