في اليمن لا مشكلة بسبب السمنة لأنها في الأصل غير موجودة ولعل المشكلة تكمن في غيابها. فاليمنيون تميزوا عبر التاريخ بتركيبة جسمانية خفيفة ورشيقة تسمح لهم بالتكيف مع صعوبة التضاريس وبناء المدرجات الزراعية وإعمار المساكن المعلقة قرب قمم الجبال. يتميز الجسد اليمني عموماً بنحافة إجبارية في عمر الشباب قد تكون عائدة أيضاً إلى تخزين القات بحسب ما يؤكد الكثير من الأطباء والإختصاصيين. لكن يبدو ان اليمنيين لا يحبون النحافة التي يحسدون عليها. فخلال جولة داخل أروقة جامعة صنعاء تحدثت الطالبات بقلق عن ضعف أجسادهن قياساً إلى الفتيات في الدول العربية الأخرى. وتقول أمة الرزاق. ج. إنها تتمنى أن تصبح بدينة وهي قلقة من التكوين الرمزي الهش لبنيتها الذي يصيبها بإحباط دائم. وتضيف: "لست وحدي في هذه الحال بل فتيات يمنيات كثيرات يحلمن بجسد يملأ العين ويحقق طموحاتهن في الزواج السريع". وتؤكد أمة الرزاق أن أخواتها المتزوجات أصبحن أفضل حالاً منها بعد عدة سنوات من الزواج والحمل، لكن ليس إلى الحد الذي يجعل منهن بدينة". وعلى عكس أمة الرزاق وزميلاتها، يرى أحمد الشاحذي أن السمنة مرض وليست دليلاً على الصحة. ويقول إنه لا يفضّل الفتاة البدينة التي تبدو وكأنها تعاني التخمة. ويتطلع أحمد وهو من أعضاء نادي "النحفاء جداً" إلى فتاة رشيقة القوام لا تحمل أرطالاً من اللحوم والشحوم التي تصيبها بالأمراض. الوضع في اليمن ليس حلماً للبدناء والنحفاء فحسب ولكنه واقع فرضه التكوين الطبيعي للجسد وأملته الظروف البيئية التي جعلت الخيارات محدودة. ويؤكد عبدالرحمن سلام طالب أن النحافة ليست مرضاً بل تعكس الصحة والعافية، مشيراً إلى أن التغزل بالفتاة في اليمن يلمح أحياناً إلى عودها الذي يماثل غصن البان، ويضرب مثلاً على ذلك تكوين جسم البطل اليمني العالمي في الملاكمة نسيم حميد كشميم الذي لا يتمتع ببنية ضخمة لكنه حصد مكانة عالمية في رياضة الملاكمة. ويرى عائد وهو شاب لم يتجاوز وزنه 45 كيلوغراماً أنه لا يرى غضاضة في النحافة إذا كانت غالبية المجتمع كذلك، لكنه يعترف ببعض النكات والملاسنات التي تطاول وزنه في السوق وداخل أروقة الجامعة. ونظراً لهذا الوضع لا تنتشر في اليمن مراكز التخسيس وشفط الدهون كما لا يعرف اليمنيون أدوية وقف الشهية. وبإستثناء بعض مراكز الرياضة والسونا داخل الفنادق الكبيرة التي تلبي إحتياجات الزبائن من غير اليمنيين فإنه لا أثر تقريباً لإهتمام الناس بتخفيض أحجامهم. وبعد جهد كبير عثرنا في صنعاء على شاب بدين يدعى أمجد يصل وزنه إلى 95 كليوغراماً وهو رقم مثير للإنتباه في اليمن. ويقول أمجد إن السمنة منتشرة في أسرته كلها. هو لا يمضغ القات وربما لهذا السبب يشعر بتميز يوقعه في الإحراج كثيراً بسبب سخرية أقرانه منه. ويقول الإختصاصيون اليمنيون إن مركب القات الكيماوي والصيدلاني هو مادة الكافيين أو الكافينون أو القاتين، وهي مواد منبهة ومنشطة مثل القهوة أو الشاي أو المتّى أو القرفة، بينما تصنفه منظمة الصحة العالمية بجوهره الكيماوي كمادة مخدرة منذ العام 1973، لاحتوائه على مادتي نوربسيدو فيدرين والكاثين المشابهتين للأمفيتامينات. وتؤكد الدراسات الطبية اليمنية احتواء القات على مادة قابضة قلوية تلغي حموضة المعدة وبالتالي تخفف الشهية، ولهذا فهو "يسد النفس" عن الطعام ويعتبره كثيرون حمية طبيعية. ويركز متعاطو القات على وجبة رئيسة هي الغداء التي يفترض أن تتضمن اللحوم و"السلتة" وهي أكلة شعبية تتكون من أصناف عدة، ويهملون وجبة العشاء تماماً ما يتسبب في عدم إنتظام الوجبات ووقف الشهية. ويقول الإختصاصيون إن مادة القات تثير الشجون والهروب من الواقع والتفكير بالذات والسرحان الذهني والتفكير في أحلام اليقظة والهروب الى الأمام، وعدم مباشرة أي عمل أو أي تغير في الحياة، لأن أثناء تناول الشخص للقات يكون فرحاً ومزاجه جيداً، كما يكون يقظاً نشط الذهن يعمل على تضخيم الأمور ويعطيها أكثر من حجمها، سلبياً في نظرته الى الغد ما عدا الناحية الكلامية. ويرى الأطباء اليمنيون أن تناول القات يشعر الشخص بالانشراح الذهني والراحة الفكرية والنشوة ويسهل المهام أو الإستخفاف بها ويعطي الانطباع بالقدرة على كل شيء، وبعد تناوله يحدث الشرود الذهني وضياع النوم والإنهاك في الصباح. واللافت في الآونة الأخيرة إنتشار ظاهرة تعاطي القات في أوساط النساء اليمنيات، ففي فترة قياسية لا تتعدى ثلاث سنوات تقريباً تنامى عدد الشابات اللواتي يتعاطين وريقات القات، وأثبتت دراسة ميدانية لمجموعة من الطالبات في جامعة صنعاء أن 65 في المئة من الشابات المتعلمات من مختلف المستويات التعليمية يلجأن لتعاطي وريقات القات لقتل الفراغ. وجاء في دراسة يمنية حديثة أن أكثر من 77 في المئة من النساء يخزنّ القات، وأن 25 في المئة من هذه النسبة تراوح أعمارهن بين 25 و34 سنة، و25 في المئة أعمارهن أقل من 25 سنة، أي أن النساء متوسطات العمر أكثر إقبالاً على القات. كما أظهرت الدراسة أن 74.9 في المئة من المخزّنات متزوجات ولديهن أطفال، وتشكل ربات البيوت نسبة 65 في المئة والموظفات 26.2 في المئة، والطالبات 7.3 في المئة. وتكمن خطورة تخزين النساء للقات في اليمن في أنه يخفض وزن المواليد ويجعلهن أقصر قامة حسب العديد من الدراسات. ومن بين المشكلات ارتباط القات بحليب الأم، واتصاله بالجهاز الهضمي والأمعاء وفقدان الشهية والتوتر العصبي، فضلاً عن ان استهلاك القات قد يسبب العقم وانفصام الشخصية. وتؤكد الدكتورة حسنية قادري أن للقات تأثيراً على تغذية المولود، فيكون وزنه قليلاً وهذا يسبب مشكلة كبيرة في التطور والنمو الذهني والجسدي. وترى الدكتورة نورية علي حمد أن القات يحدث انقباضاً في الأوعية الدموية للمرأة الحامل وبالتالي يمنع وصول الدم والغذاء للطفل في شكل طبيعي.