} روما - "الحياة" - تعاني النساء الايطاليات بكثرة من ظاهرة الزيادة في الوزن وهناك 25 في المئة يعانين من البدانة المفرطة. وتطاول هذه المشكلة مراهقة واحدة بين كل 30 مراهقة، ويضرب الوزن الزائد في عموم ايطاليا بنسبة تتراوح بين 14 و18 في المئة في مقابل 25 في المئة في عموم أوروبا، كما تنتشر هذه الظاهرة في المناطق الجنوبية الفقيرة وتتقلص في مدن الشمال الصناعي الغني، وتصيب النساء بنسبة تقل عن الرجال حين تبلغ نحو 39 في المئة. وتسبب السمنة أضراراً صحية كبيرة تعكس نفسها على حركة الجسم واضعاف نشاطه وزيادة العبء على اجهزته الحساسة، وتعرضه للعديد من الأمراض خصوصاً أمراض القلب وضغط الدم والدهون والسكري والسرطان. وتعاني المرأة الايطالية بعد سن الأربعين من هذه الظاهرة، مع انها تسمع على الدوام من المقربين اليها ومما تمطره وسائل الاعلام من مجلات وصحف وتلفزيون بأن جاذبيتها تكمن في ما لو انقصت من وزنها من خلال طرقها أبواب النحافة وتغيير عاداتها الغذائية القديمة، واعتمادها برامج تخسيس ونحافة من اجل الوصول الى ما هو نموذجي في أوروبا المتمدنة. والمرأة الايطالية تصرف ساعات طويلة في المطبخ، تجلس مع أفراد عائلتها ساعات طويلة الى المائدة تصل بعض الاحيان الى خمس ساعات، وذلك طقس مهم تحرص غالبية الأسر الايطالية على مزاولته، مأخوذة بإعداد وأكل الأطباق الشهية وفي مقدمها السباكيتي والمعكرونة بمختلف أنواعها وبمئات الوصفات. الدكتورة باتريسيا انكراساني المتخصصة بعلوم الأغذية تقول ل"الحياة": "ان المشكلة تكمن في رأس المرأة التي تخوض نضالاً يومياً بينها وبين المرآة لأن زيادة عدة كيلو غرامات في الوزن بعد الانجاب وبعد التقدم في السن لا تعني على الاطلاق مشكلة تستدعي تقيؤ ما تأكله في كل مرة أو تناولها ذلك الكم الكبير من السموم من عقاقير التنحيف التي لا تعد ولا تحصى، أنا اعتقد بأن المشكلة تكمن في إمكانية المراقبة والتحكم، ففكرة نحافة الجسم تخفي القدرة على السيطرة والتحكم". ولم تعد السمنة مشكلة فردية، انما تحولت الى مشكلة وطنية تبحثها الجامعات للوصول الى حلم الرشاقة باعتبارها خطر يهدد جمال المرأة. وعلى رغم الأخطاء التي تقع فيها كثيرات بسبب لهاثهن وراء اعلانات تخسيس الوزن وتناول الأطعمة المصنعة الخطرة على الصحة، وزيارة المقتدرات لمراكز التجميل وتناول حبوب ومشروبات التخسيس من دون رقابة صحية، الا ان المشكلة قائمة في معظم البيوت الايطالية، والتي يشاهد افرادها اكثر من 750 شبكة على الانترنت متخصصة بطبيعة الغذاء. الأطباء الايطاليون يقرّون ان الوزن الطبيعي لجسم الانسان له مدى واختلافات بسيطة، ومتوسط الوزن يختلف بحسب الطول، وكلما صغر السن تكون الزيادة في الوزن نسبتها اكثر وتقل بزيادة العمر لتقف عند مستوى معين في سن الشباب، ويظل ثابتاً في تأرجح بسيط بين الزيادة والنقصان بحسب حال الشخص الصحية ونشاطه البدني والذهني وعاداته الغذائية. وتضيف الدكتورة باتريسيا: "من قال بأن ذوق الرجل يتحدد بهذه النسبة من الكيلوغرامات الضئيلة التي تشيع لها اعلانات فتيات الموضة، وكيف لامرأة طولها 170 سنتم ان يكون وزنها دون الخمسين كيلوغراماً. مجتمعنا لا يتسامح والرغبات المتطيرة للأفكار التي تتعلق بفقدان أشياء أساسية في حياة الشخص، وإلا فما هو تفسير ظاهرة الإقبال على تناول الاطعمة الدسمة بكل شراهة يقابلها تناول حبوب التخسيس بصورة لا يصدقها العقل". الرشاقة والقوام المتناسق الجميل، ونضارة الصدر، وعدم اتساع الورك، وبقاء البطن عصية على الاتساع، ووقف تجاعيد الوجه، حلم كل امرأة خصوصاً من صاحبات الأوزان الثقيلة. وما كان ما يتباهى به الرجل والمرأة حتى بدايات الخمسينات من القرن الماضي كما هو الحال في بلداننا العربية باعتبار كرش الرجل وانتفاخ المرأة دلالة الهيبة والرفعة والجاه والغنى والثروة والمال، فان مثل هذه الوصفات لدى الاجيال الجديدة تبدو مضحكة الى حد كبير، بل تعتبرها الغالبية من المتخصصين دليل امراض تجب معالجتها. من زمان كان الأغنياء اكثر سمنة من الفقراء لتمتعهم بالأكلات الشهية، وعلى مدى عصور طويلة كان الناس ينظرون الى السمنة وزيادة الوزن على انها من مظاهر الجمال والأنوثة والثراء، بل ان أذواقنا كعرب لا تزال حتى اليوم تتجه نحو المرأة الممتلئة كما هو الحال في مدن الجنوب الايطالية، لأنها كما نعتقد حال تعويض عما كان آباؤنا وأجدادنا يرون في نسائهم من نحول وضعف جسدي مبالغ فيه نتيجة العوز والفقر، حتى كان الأمل الذي توارثناه برؤية المرأة اكثر سمنة كرمز للعافية التي فقدها الآخرون والتي تغطي رغباتنا. أما اليوم فالأمر تغير، فالفقراء هم من يربون كروشهم بسبب عدم معرفتهم بالتخطيط السليم للوجبات الغذائية، وكذلك الافراط في عدم تناول الغذاء الصحي السليم، كما ان قلقهم الدائم على المستقبل يؤدي بدوره للسمنة وبخاصة ربات البيوت اللواتي عبرن سن الأربعين ويقضين عمرهن داخل البيوت، ويبتعدن بحكم الواجبات المنزلية عن رحمة المشي والحركة وممارسة اي فعل له شأن في تنشيط عضلات البطن والصدر والأكتاف من اجل تخفيف الوزن، او على الأقل المحافظة على نسب معقولة من الزيادة في الوزن. اكثر من 12 في المئة من الايطاليات يجرين عمليات شد الوجه والبطن، وتفتيت الدهون بالطرق الميكانيكية التقليدية، وعمليات شفط الشحوم الزائدة على الوجه والبطن والأرداف والسيقان، وعمليات تدبيس المعدة، وجراحة زرع أربطة السيليكون حول المعدة لتقسيمها الى جزئين لتقليل القدرة على تناول الطعام ومنح الشخص شعوراً بالشبع، اضافة الى عمليات سيليكون الصدر والشفاه، وعشرات العمليات الأخرى التي تطالعنا على شاشات التلفزة والصحف والمجلات المتخصصة. وفي السنوات الأخيرة انتعشت عيادات الأطباء المتخصصين بعمليات التجميل لتحقيق حلم الجميع بالوصول الى جسد رشيق على الدوام، وهو ضرب من المستحيل كما يرى العديد من المتخصصين الايطاليين، لأن الجسد الانساني، هو مثل اللوحة الفنية التي تشيخ وتتشرخ ويعلو ألوانها السواد وتصاب بمرض القدم، وحين تصار الى الترميم، فانه من المستحيل ان تعيد شبابها الأول، لأن عملية الترميم تعني ادامتها أطول فترة تاريخية ممكنة وليس اعادتها الى شبابها، ومن يظن من النساء والرجال ان بامكانه ان يعيد العمل الفني او الانسان بالجراحة وعمليات التجميل وتناول العقاقير والمستحضرات الطبية والعشبية الى ما كان عليه فهو يخطئ في تقديراته، لأن لكل نصيبه في هذه الحياة وما علينا الا ان نحافظ على قدر من اللياقة والرشاقة.