وسط حالة من الذهول لم تقلل منها الانتقادات الحادة لمستوى الحراسة المتوافرة لميناء اشدود البحري، الذي يعتبر مرفقاً "استراتيجياً" وكان هدف العملية التفجيرية الفلسطينية المزدوجة الاخيرة، ما زالت اجهزة الامن الاسرائيلية عاجزة عن الكشف عن الطريقة التي تمكن من خلالها منفذا العملية من التسلل من قطاع غزة المحكم الاغلاق والوصول الى الميناء وتنفيذ العملية "النوعية" التي اعتبرتها مصادر عسكرية اسرائيلية انتصاراً لاستراتيجية المقاومة ومقدمة لاطلاق عمليات مماثلة او "اكبر حجماً". وفيما أطلق رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون يد الجيش الاسرائيلي لتنفيذ عمليات اغتيال "تستهدف الرموز الفلسطينية من القمة الى القاعدة" وتوسيع نطاق عدوانه على الشعب الفلسطيني، انقسم الاسرائيليون ما بين مؤيد لخطة شارون للانسحاب من قطاع غزة ومعارض لها، كما يتبين من تصريحات زعماء اليمين الاسرائيلي الذين دعوا شارون الى "الكف عن الحديث" في هذه المسألة قبل ساعات قليلة من مناقشة هذه الخطة في البرلمان الاسرائيلي الكنيست بمشاركة شارون يعقبها تصويت ب"الثقة" في الحكومة الاسرائيلية، ومعسكر ثالث اكد ان "اي جدار تبنيه اسرائيل مهما كان عاليا لن يكفي لمنع شخص مفعم بارادة كافية" من الوصول الى هدفه. توقعت مصادر عسكرية اسرائيلية ان تشهد الساعات والايام القليلة المقبلة تصعيدا غير مسبوق في الاعتداءات الاسرائيلية على الفلسطينيين بما يشمل اغتيال القيادة السياسية ل"حركة المقاومة الاسلامية" حماس، وذلك بعد ساعات قليلة من الغارة الجوية الاسرائيلية على غزة فجر الاثنين واستهدفت محلات وورش حدادة في حيي النصر والزيتون واسفرت عن اصابة أربعة فلسطينيين بينهم طفل واغرقت اجزاء واسعة من المدينة في الظلام. وتلا ذلك عملية اغتيال في مدينة رفح استهدفت مسعد ارميلات في منزله، بالتزامن مع توغل عسكري اسرائيلي في طولكرم ومخيم بلاطة فيما باشرت سلطات الاحتلال ببناء مقطع جديد في جدار الفصل في مدينة القدسالمحتلة بالقرب من ضاحية البريد. وفي تطور لاحق، اطلقت قوات الاحتلال النار باتجاه حشد من المتظاهرين الفلسطينيين في قرية بيت لقيا بالقرب من رام الله خرجوا احتجاجاً على بناء الجدار في اراضيهم، ما ادى الى اصابة 25 فلسطينيا بجروح مختلفة من بينهم مواطن اصيب بعيار ناري في الفك. واستخدم الجيش الاسرائيلي المروحيات الحربية لتفريق المتظاهرين. واكدت مصادر عسكرية اسرائيلية ان عمليات الاغتيال ستطاول زعماء حركة "حماس" بمن فيهم الشيخ احمد ياسين الزعيم الروحي للحركة والناطق باسمها عبدالعزيز الرنتيسي وكلاهما كانا نجيا من محاولات اغتيال في الصيف والخريف الماضيين. وقالت المصادر ان العملية الاسرائيلية المقبلة ستكون "غير اعتيادية" لان عملية اشدود استهدفت هدفا استراتيجيا. واشارت المصادر الى ان قرار تصعيد الاغتيالات اتخذ اثر مشاورات اجرتها الاجهزة الامنية المختلفة وبعد اتصال هاتفي بين شارون ورئيس اركان جيشه موشيه يعلون مساء الاحد. ونقل عن مسؤول عسكري كبير القول: "يجب ان ننُزل لهم الرؤوس"، مضيفاً ان توقيت عمليات القتل مرهون بالمعلومات الاستخبارية بهذا الشأن. واشارت المصادر الاسرائيلية ان سياسة الاغتيالات والتصفيات التي ينتهجها الجيش ضد قادة "حماس" متواصلة ولكنها حافظت على "تقنين منخفض ونار هادئة" في الفترة الاخيرة. وقدرت المصادر الامنية الاسرائيلية ان تسعى منظمات المقاومة الفلسطينية الى تصعيد عملياتها في الفترة المقبلة لتؤكد ان "الجيش الاسرائيلي يهرب" من القطاع فيما يرى الجيش انه "يجب الانسحاب بعد تنفيذ سلسلة من العمليات العسكرية انطلاقا من موقف القوة وليس الضعف وللحفاظ على الردع". الجيش الاسرائيلي: عملية كبرى قريبة وفي ضوء عملية ميناء اشدود، اكدت صحيفة "معاريف" العبرية ان الجيش الاسرائيلي "يخشى عملية كبرى" وضخمة بات وقوعها "مٍسألة وقت"، وسينفذها إما تنظيم "القاعدة" ضد اهداف اسرائيلية في الخارج او منظمات فلسطينية في العمق الاسرائيلي. واشارت المصادر الاسرائيلية الى ان العملية الاخيرة "تتطابق واجزاء من السيناريوهات الاكبر خطورة لتفجيرات بالقرب من مناطق حساسة"، وان المنظمات الفلسطينية "لا ينقصها الدافع" لتنفيذ مثل هذه العمليات. وفيما خلصت لجنة امنية بدات في التحقيق في ملابسات العملية الى وجود "تقصيرات" كبيرة في اجراءات الحراسة والحماية الخاصة للميناء، خصوصا وانه جرت محاولة لضرب ناقلة بالقرب من الميناء قبل فترة قصيرة حسب ما كشفت المصادر الاسرائيلية، تساءلت وسائل الاعلام الاسرائيلية عن كيفية تمكن شابين لم يزد عمر كل منهما الثامنة عشرة من تجاوز 150 حارسا تابعين لشركة حراسة خاصة كانت قبل اسبوع فقط اجرت تدريبات في منشآت الميناء لرد سيناريو هجوم محتمل. وكتب المراسل العسكري لصحيفة "يديعوت احرونوت" اليكس فيشمان ان "اي حجة لا تستطيع ان تقزم هذا الاخفاق" في توفير حماية ل"موقع استراتيجي يحوي مواد سامة". واشار الى انه في ضوء ما جرى "يجب اعادة فحص مفهوم الامن في مواقع حساسة من جديد". واوضح ان العبوات الناسفة التي كانت بانتظار الشابين تزن 9 - 10 كيلوغرامات، وهو ضعف وزن العبوة التي يحملها "انتحاري متوسط" وان المواد التي حوتها "مرتجلة" واستهدفت قتل اكبر عدد ممكن من الاشخاص والسؤال هو لماذا قررا تفجيرها في الميناء بدل موقع مكتظ بالناس؟". واشارت مصادر اسرائيلية اخرى الى ان العبوات كانت عبارة عن "متفجرات بلاستيكية شديدة الانفجار وكرات معدنية سميكة وفتاكة" تشبه تلك التي استخدمت في عملية "مايكس بلايس" في تل ابيب العام الماضي. واوضحت ان نوعية المتفجرات تفوق بقوتها تلك التي يستخدمها الفلسطينيون في الضفة الغربية. ولمح بعض الصحف الاسرائيلية الى وجود صلة بين "حزب الله" اللبناني والقائمين على هذه العملية. واسهبت الصحف الاسرائيلية في الحدث عن "جرأة" منفذي العملية. وكتب عوفر شيلح في "يديعوت احرونوت" ان العملية "تذكرنا بان اي جدار مهما كان عاليا لن يكفي لمنع شخص مصمم ويائس ومسلح بارادة كافية". واضاف ان وجه "الارهاب" قد يتغير حين يقوم جدار الفصل الكامل "ولكنه لن يختفي". وتساءل: "هل حقا لا توجد علاقة بين اجتياحات البريج والنصيرات والزيتون وبين التعاون المتصاعد لكل المنظمات الفلسطينية؟ الا توجد علاقة بين اقوال قادة الجيش انهم سيضربون اكبر عدد ممكن حتى يتم تنفيذ خطة فك الارتباط، وبين جسارة من انطلق امس لضرب موقع محصن جيدا مثل ميناء اشدود؟". وحذرت محافل أمنية اسرائيلية من التعاون الوثيق بين "حماس" و"كتائب شهداء الاقصى" التابعة لحركة "فتح"، مشيرة الى ان هذا التعاون تزايد في الفترة الاخيرة واعتبرت ذلك "نجاحا استراتيجيا" لحركة "حماس" في اقامة "ذراع عسكرية مشتركة". وكانت "كتائب عز الدين القسام" و"كتائب الاقصى" اعلنت في البيان الذي تبنتا من خلاله العملية ان "العمليات النوعية المشتركة مع كل الفصائل والقوى شعار المرحلة المقبلة لكنس الاحتلال البغيض". ووصف النائب الاسرائيلي عن حزب ليكود الرئيس السابق لجهاز "شاباك" ايهود ياتوم العملية بانها "ارتقاء بمستوى قامة وليس ارتقاء درجة" في العمليات الفلسطينية ضد الاهداف الاسرائيلية. وقال ياتوم في تصريحات صحافية ان "جرأة الفدائيين لتنفيذ عملية للمرة الاولى ضد هدف استراتيجي لدولة اسرائيل، هي نتاج للانطلاقة التي ادخلتها خطة الانسحاب من طرف واحد في اشرعة الارهاب". وعاد زعماء اليمين الاسرائيلي الى تشغيل اسطوانة ابعاد الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات عن الاراضي الفلسطينية. وقال وزير الزراعة الاسرائيلي يسرائيل كاتس ليكود انه "كان يجب ان يكون عرفات اليوم بعيداً جداً عن حدود السلطة الفلسطينية بعد عملية اشدود". ودعا الى قتل الشيخ احمد ياسين وعبدالعزيز الرنتيسي. أما وزير التجارة والصناعة نائب شارون، ايهود اولمرت، فقال: "نحن لا نثق بالقيادة الفلسطينية الفاسدة التي تدعم الارهاب. علينا القيام بمبادرتنا بمفردنا وفي الوقت نفسه مكافحة الارهاب". على صعيد اخر، هاجم اولمرت الوزراء من حزب ليكود بسبب معارضتهم لخطة "فك الارتباط"، وقال في تصريحات صحافية ان "الوقت يقترب لاتخاذ شارون اجراءات لتنظيم بيته الداخلي"، في اشارة الى وزيري المال والخارجية اللذين يعارضان خطة شارون. وبادرت السلطة الفلسطينية من جهتها الى عقد سلسلة اجتماعات ومداولات في ضوء التهديدات الاسرائيلية الجديدة. وبعد اجتماع مشترك لمجلس الامن القومي الفلسطيني والحكومة في مقر الرئاسة، من المقرر ان يترأس عرفات ثلاثة اجتماعات منفصلة مساء الاثنين للجنة التنفيذية والقيادة الفلسطينية ولجنة مناهضة الجدار الفاصل. وتغيب عدد من الوزراء الفلسطينيين القاطنين في قطاع غزة عن جلسة الحكومة الفلسطينية بسبب اغلاق اسرائيل معبر بيت حانون حاجز ايرز بالكامل. ووصف وزير الخارجية الفلسطيني نبيل شعث قرار شارون الغاء الاجتماع المقرر مع نظيره الفلسطيني احمد قريع أبو علاء بانه "حجة واهية لتصعيد العدوان والاستمرار في البعد عن السلام". وحذر وزير شؤون المفاوضات صائب عريقات من التطورات الخطيرة جراء التهديدات الاسرائيلية بتصعيد عدوانها، مشيراً الى ان "كسر دوامة العنف لا يكون من خلال المزيد من القتل والحصار والاغلاق بل من خلال عملية سلام ذات جدوى".