بدأت التحقيقات في سلسلة تفجيرات "11 آذار مارس الاسباني" تتشعب، باتجاه "المصالح الانتخابية للاحزاب السياسية الاسبانية" التي تتنافس على ثقة المواطنين في انتخابات تشريعية عامة غداً الاحد. كما يبدو ان تشعباتها طاولت المصالح الانتخابية الاميركية التي وجدت في "مكافحة الارهاب" ناخباً مهماً في الخريف المقبل. وعلى رغم القناعة السائدة لدى المسؤولين الاسبان وأجهزتهم الأمنية بأن "ايتا" هي وراء هذه الاعتداءات، فإن الكلام على تبني "القاعدة" المسؤولية، ساهم في خلق اجواء البلبلة التي دفعت "اذكياء السياسة" الى استغلالها. وعلى رغم ان كل الاحتمالات واردة، فإن امس، كان يوم الاشاعات التي وصلت الى الحديث عن "انتحاري عربي الملامح" عثر على جثته المشوّهة داخل احد القطارات. وربما جاء هذا الاعتقاد بسبب وجود مغاربيين في عداد القتلى. وتحاول وزارة الداخلية الاسبانية إحكام السيطرة على الاشاعات التي سيكون لها تأثير مهم ومباشر في نتائج الانتخابات. فالمهرجانات الانتخابية التي كان من المنتظر ان تنتهي منتصف ليل امس، توقفت بقرار من الاحزاب السياسة، ما جعل الارض اكثر خصوبة للاشاعات. وكان رئيس الوزراء الاسباني خوسيه ماريا اثنار حذراً في انتقاء تعابيره لدى اشارته الى الفاعلين، قائلاً انهم "ينتمون الى المنظمة الارهابية التي نعرفها في اسبانيا"، كما ان وزيرة الخارجية آنا بالاثيو كانت جازمة في ان الاعتداءات من اعمال "ايتا". وفي المقابل، سارع الاميركيون الى تحميل تنظيم "القاعدة" مسؤولية الاعتداءات الارهابية وتصدر هذا التأكيد الصفحات الاولى لكبريات الصحف الصادرة في الولاياتالمتحدة وبعض افتتاحياتها. لكن المعطيات كافة لدى الاجهزة الاسبانية تشير الى منظمة "ايتا" الارهابية التي لم تتجرأ هذه المرة على اعلان مسؤوليتها بسبب تشقق في داخلها بين مؤيد لعمليات من هذا النوع، ومعارض كان يفضل تحذير اجهزة الامن قبل حصول الانفجارات كما كانت تفعل "ايتا" دائماً. وتشير الاجهزة الى ان من بين تلك المعطيات ان الديناميت الذي تم استعماله في التفجير مشترى من اسبانيا علماً انه ليس من النوع نفسه الذي سرقته المنظمة الباسكية من مخزن فرنسي واستخدمته في اعتداءاتها، لكن الامر المشابه هو ظاهرة وضع هذه المتفجرات في حقائب تحمل على الظهر، الامر الذي درج عليه ناشطو "ايتا". الامر الثاني يكمن في المعلومات التي حصل عليها المحققون الاسبان من شخصين ينتميان الى المنظمة تم اعتقالهما منذ اكثر من اسبوع عندما كانا ينقلان 500 كيلو من المتفجرات. وكانت في حوزتهما خرائط لخطوط القطارات التي تفجرت. ثالثاً، اعتقلت الشرطة الاسبانية في الرابع والعشرين من كانون الاول ديسمبر الماضي عضوين في "ايتا" كانا ينويان تفجير محطة شامارتين للقطارات في مدريد وهي التي تلي محطة اتوتشا. وأخيراً، الامر الذي يعرفه الذين يعيشون في العاصمة الاسبانية هو ان وجود رجال الامن في مدريد وضواحيها تعزز في شكل بارز عشية الاعتداءات. وأقامت الشرطة حواجز عدة في مداخل المدينة ومخارجها، في خطوة وجدت تفسيرها في مقال كتبته صحيفة "ا ب ث" الواسعة الانتشار مساء الاربعاء نُشر صباح الخميس وقبل ساعات من الاعتداءات اشارت فيه الى "احتمال حصول انفجار كبير ومهم يوقع عدداً ضخماً من القتلى". ويذكر ان مدير هذه الجريدة هو شقيق مستشار رئيس الوزراء للشؤون الامنية وهما باسكيان، اي ان اجهزة الامن كانت تعرف بإمكان حصول اعتداءات لم تتمكن من كشفها. في مطلق الاحوال، لن تعلن قبل يوم الاثنين المقبل، هوية الذين قاموا بهذا العمل الاجرامي، حتى لو تمكنت اجهزة الامن من تحديدها وعلى رغم ان رئيس الوزراء وعد امس بالافصاح عنها، ذلك ان لهذه المعلومة تأثير مباشر في نتائج الانتخابات. واذا صح ان "القاعدة" قامت بهذه الاعتداءات، فإن المجتمع الاسباني سيعاقب الحزب الشعبي بسبب تحالف رئيسه اثنار مع الاميركيين في حربهم على العراق وسيفوز الحزب الاشتراكي الذي عارض هذه الحرب. اما اذا كانت منظمة "ايتا" وراءها، فإن المجتمع سيتعاطف مع الحزب الشعبي الحاكم وسيصوت الى جانبه فيستعيد الاكثرية الساحقة. وفي ظل غياب المهرجانات الانتخابية، فإن كلا الحزبين يحاول ايصال الانباء التي تصب في مصلحته الانتخابية الى الناخبين.