منذ احداث 11 أيلول سبتمبر 2001، انتظرت دول الغرب، خصوصاً المتحالفة ضد الارهاب، ضربة مشابهة لتلك التي تعرضت لها نيويورك وواشنطن في ذلك التاريخ. وحصل ما كان متوقعاً، اذ ضرب الارهاب مجدداً، مرتدياً هذه المرة "قناعاً باسكياً". وحصد نحو مئتي قتيل وألف جريح سقطوا في عشرة تفجيرات استهدفت قطارات والسكة الحديد في مدريد امس، في الاعتداءات الاكبر من نوعها في غرب اوروبا منذ اعتداء لوكربي الذي اوقع 270 قتيلاً عام 1988. وفي وقت قوبلت الاعتداءات بموجة استنكارات عالمية، تعهد رئيس الوزراء الاسباني خوسيه ماريا أثنار ب"دحر الارهاب تماماً". وضع الارهاب حداً مبكراً للحملة الانتخابية الاسبانية مع وقوع سلسلة من الاعتداءات الدامية المتزامنة في مدريد امس، في اعنف عملية من نوعها عرفتها اسبانيا حتى الآن. وقتل اكثر من 186 شخصاً واصيب اكثر من الف بجروح في سلسلة التفجيرات التي وقعت في قطارات ونسبتها الحكومة الاسبانية الى منظمة "ايتا"، بحسبما افادت فرق التحقيق في مكان الانفجارات. واعدت مصادر قضائية في المحكمة الوطنية هذه الحصيلة استناداً الى معلومات جمعتها فرق التحقيق التي ارسلت الى المحطات الثلاث المستهدفة. واوضحت المصادر ان المصابين توفوا في المستشفيات التي نقلوا اليها. وافاد مصدر في اجهزة مكافحة الارهاب انه تم استخدام الديناميت في التفجيرات. ولم يستبعد المحققون ان تكون بعض العبوات العشر التي انفجرت في اربع قطارات وضعت على السكك الحديد او ارصفة المحطات، فيما وضعت العبوات الاخرى داخل القطارات. والى العبوات العشر التي انفجرت، قام خبراء المتفجرات في الشرطة بتفجير ثلاث قنابل اخرى تم العثور عليها. وتشير الادلة الى ان منفذي الاعتداءات استخدموا نظام توقيت. ولم تحدد كمية المتفجرات المستخدمة. وأفادت مصادر رسمية بأن الانفجارات وقعت جميعاً بين الساعة السابعة والدقيقة 25 صباحاً والسابعة والدقيقة 55 صباحاً بالتوقيت المحلي وهي ساعة الذروة الصباحية لذهاب الموظفين لاعمالهم في العاصمة الاسبانية. وأفادت تقارير بأن بعض الضحايا علقوا بحطام عربات القطار التي دمرت تماماً من شدة الانفجار. وأفاد مراسل الاذاعة الاسبانية أن الشرطة منعت الدخول إلى محيط محطة اتوتشا حيث عثر على عبوات لم تنفجر. وأكد المصدر سماع دوي انفجارات أخرى في محيط المنطقة. وقالت الاذاعة أن حالاً من الفوضى العارمة تسود مواقع الانفجارات. وأخلت الشرطة على الفور منطقة الانفجارات واستخدمت سيارات الاجرة لنقل الضحايا بسبب النقص في سيارات الاسعاف. في الوقت ذاته وجهت الحكومة الاسبانية نداء للمواطنين للتبرع بالدم. وقالت المصادر إن المستشفيات عجت بالقتلى والمصابين. ودعت المصابين بجروح طفيفة إلى الامتناع عن الدخول للمستشفيات لتوفير مكان للضحايا. اثنار واعلن رئيس الوزراء الاسباني ان بلاده ستتوصل الى "القضاء على العصابة الارهابية". واضاف متحدثاً من قصر مونكلوا حيث ظهر ببذلة قاتمة اللون وربطة عنق سوداء حداداً على الضحايا: "لا يمكن التفاوض مع هؤلاء القتلة، وحده الحزم سيمكننا من التوصل الى وقف هذه الاعتداءات"، من دون ان يذكر مرة اسم منظمة "ايتا". وقال: "اراد الارهابيون الحاق كل اذى ممكن، انها مجزرة. لقد قتلوا العديد من الاشخاص لمجرد انهم اسبان". وتابع: "نعرف جميعاً ان هذه ليست اول محاولة"، مؤكداً: "لن نبدل نظامنا، لا لأن الارهابيين يقتلون ولا من اجل ان يتوقفوا عن القتل". وقال اثنار ان "حكومة الامة تقف الى جانب كل الضحايا. اشعر بألمهم وكأنه ألمي"، مشيراً الى ان السلطات التنفيذية "اتخذت كل الاجراءات لضمان الامن واعادة توفير الخدمات". انتهاء الحملة الانتخابية وأعلنت الاحزاب السياسية الواحد تلو الآخر فور وقوع المأساة انتهاء الحملة الانتخابية. ودعا المرشحون الناخبين الى الرد على القنابل في صناديق الاقتراع، متجنبين في الوقت نفسه اعطاء الانطباع بأنهم يسعون لاغتنام الاعتداءات من اجل تحقيق مكاسب سياسية. وكانت الحملة للانتخابات العامة المقرر اجراؤها الاحد المقبل والتي يرجح فوز الحزب الشعبي الحاكم فيها، تشرف على نهايتها، غير انه تم الغاء جميع التجمعات الختامية الكبرى التي كانت مقررة مساء امس. واعلن مرشح الحزب الشعبي يميني حاكم ماريانو راخوي الذي يرجح فوزه خلفاً لخوسيه ماريا اثنار على رأس الحكومة، انه بعد هذه الاعتداءات "العشوائية والضخمة .. فان الوقت غير مناسب للتحدث عن اي شيء سوى عن الألم الذي ينتابنا والغضب الذي نشعر به حيال وحشية كهذه. انه وقت ندع فيه جانباً كل الخلافات بيننا". كذلك ألغى المرشح الاشتراكي خوسيه لويس رودريغيث ثاباتيرو كل لقاءاته الانتخابية. ودعا المنظمات الاشتراكية الى المشاركة في كل التظاهرات ضد الاعتداءات. كما دعا الناخبين الى "الرد بطريقة متمدنة" على منظمة ايتا بالاقبال على صناديق الاقتراع الاحد". وقال: "يجب ان يعرف الارهابيون بانهم سيتلقون على الدوم المعاملة ذاتها اياً كانت الحكومة، وسيلاحقون الى ان يدفعوا ثمن اعمالهم الفظيعة". واعتبر العديد من السياسيين ان افضل رد ممكن على الاعتداءات سيكون المشاركة في شكل مكثف في الانتخابات المقبلة. وقال غاسبار ياماثارس مرشح ائتلاف "ايثكييردا اونيدا" اليمين الموحد، حول الشيوعيين ان "التصويت لمصلحة حزب ديموقراطي اياً كان هو اقوى رد ديموقراطي ممكن على الارهاب. ومهما كانت نتائج الانتخابات، فان الديموقراطية ستتغلب على الارهاب". واعلنت الحكومة الحداد الوطني ثلاثة ايام ودعت جميع المواطنين الاسبان الى التجمع مساء اليوم، في كل انحاء اسبانيا تحت شعار: "الى جانب الضحايا، مع الدستور، من اجل القضاء على الارهاب". زعيم مناصر ل"ايتا" يتهم "المقاومة العربية"! وقال ارنالدو اوتيخي زعيم حزب "باتاثونا" الباسكي الراديكالي المحظور لعلاقاته مع "ايتا" انه "يرفض التفكير" في مسؤولية المنظمة عن اعتداءات مدريد، ونسبها الى "المقاومة العربية". وأشار اوتيخي في تصريحات نقلتها عنه اذاعة "بوبولار" الشعب في مدينة سان سباستيان عاصمة أقليم الباسك إلى "احتمالات" أن يكون "نشطاء عرب" مسؤولين عن الاعتداءات، "نظراً الى اشتراك أسبانيا في المسؤولية عن حرب العراق".