عندما خاض جورج بوش الابن انتخابات الرئاسة الأميركية سنة 2000، كانت خبرته السياسية محدودة جداً. ففي السياسة الداخلية لم تكن تتجاوز بكثير حدود ولاية تكساس التي كان حاكماً لها. وفي السياسة الخارجية كانت معلوماته شبه معدومة، ويقال انه لم يسافر خارج الولاياتالمتحدة في حياته سوى مرتين: الأولى الى المكسيك - أي عبر حدود تكساس - والثانية الى اسرائيل حيث جال به آرييل شارون فوق الأراضي المحتلة بمروحية عسكرية. ولذلك جمع حوله مجموعة كبيرة من الأكاديميين والسياسيين الأميركيين لمساعدته على فهم الأمور وفي مبارزاته الكلامية مع آل غور، مواجهة أو عبر الاعلام. ووقعت مسؤولية تعليمه الشؤون الخارجية على مجموعة سماها الاعلام "الفلكانيون" The Vulcans نسبة الى فلكان رمز النار عند الرومان. وكان على رأس هذه المجموعة كونداليسا رايس التي أصبحت لاحقاً مسؤولة الأمن القومي في ادارته. كما طغى على المجموعة بعض رموز المحافظين الجدد أمثال بول وولفوفيتز نائب وزير الدفاع حالياً، وريتشارد بيرل الذي عُيّن رئيساً لمجلس سياسة الدفاع التابع للبنتاغون ثم استقال من رئاسة المجلس بسبب علاقاته التجارية ثم من المجلس كلياً، ودوف زاكهايم الحاخام اليهودي الارثوذكسي الذي أصبح مساعداً لوزير الدفاع للشؤون المالية وريتشارد ارميتاج نائب وزير الخارجية حالياً، وروبيرت زوليك الذي أصبح لاحقاً ممثل الحكومة للتجارة برتبة وزير وهو من أكثر المتحمسين لاسرائيل وللحرب على العراق داخل الادارة الأميركية. وعندما تسلّم جورج بوش الرئاسة وعيّن هؤلاء المحافظين الجدد في وظائف حساسة في ادارته، عمل هؤلاء على جلب رفاقهم فامتلأت وزارة الدفاع بهم بسبب وجود بول وولفوفيتز كنائب للوزير فيها الذي جاء بدوغلاس فايت صديقه الحميم واستطاعوا أيضاً، بسبب صداقاتهم الشخصية وحماستهم لافكارهم، اختراق وزارة الخارجية بشخص جون بولتن نائب وزير الخارجية لشؤون التسلح والأمن الدولي الذي بدوره جاء بدايفد وورمسر مساعداً له، وهو صديق حميم لريتشارد بيرل انتقل وورمسر في تشرين الأول/ اكتوبر الماضي إلى فريق نائب الرئيس ديك تشيني مساعد خاص للشؤون السورية. وتروي أحدى الموظفات في البنتاغون أن في أحد الأيام كانت مجموعة المحافظين الجدد في البنتاغون في انتظار قرار من لجنة في الكونغرس تنظر في تعيين أحد رفاقهم في مجلس الأمن القومي، وعندما وافقت اللجنة على التعيين علت الهتافات داخل البنتاغون وكأنهم في مباراة كرة القدم وقد أدخل فريقهم هدف الفوز في الدقائق الأخيرة للمباراة. وتخوف الكثيرون في ادارة بوش من هذا التجمع للمحافظين الجدد الذي سمي بالعصبة السرية Cabal، وحتى وزير الدفاع نفسه، دونالد رامسفيلد، فكر بالاستقالة في الأشهر الأولى من عهد الرئيس بوش "لأن الليكوديين احتلوا المبنى" بحسب قوله، أي أنهم سيطروا على الوزارة. لكن هذا التخوف زال بعد 11 ايلول سبتمبر 2001، عندما أمسك رامسفيلد بزمام الأمور في البنتاغون، وبعد أن قام المحافظون الجدد ببناء تحالفات مع التيارات المتطرفة الأخرى داخل الادارة بمن في ذلك رامسفيلد وتشيني ووزير العدل جون أشكروفت الذي يمثل اليمين المسيحي وكان القاسم المشترك الأساسي بينهم رغبتهم في شن الحرب على العراق. واستطاع المحافظون الجدد تدريجاً ادخال أفكارهم في صلب السياسة الخارجية الأميركية من خلال اقناع الرئيس الأميركي بها. ويقول ريتشارد بيرل بشيء من التعالي: "عندما اجتمعت للمرة الأولى مع بوش علمت أنه يختلف عن البقية. مسألتان كانتا واضحتين، الأولى هي أن معلوماته كانت محدودة، والثانية أن كان له من الثقة بالنفس ما يسمح بأن يسأل الأسئلة التي تظهر أن معلوماته محدودة". ولكن لم يكتب النجاح الكامل للمحافظين الجدد في هذا المجال الا بعد 11 أيلول 2001. وقال السيناتور الديموقراطي جوزيف بايرون العضو البارز في لجنة الشؤون الخارجية في تموز الماضي: "الآن المحافظون الجدد هم الرابحون. لقد استولوا على قلب الرئيس وعقله فهم يتحكمون بأجندة السياسة الخارجية". يقول المحافظون الجدد أن أميركا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي أصبحت القوة الوحيدة في العالم ويجب الابقاء على هذه الحال لأطول مدة ممكنة ومنع أي دولة أخرى من الوصول الى أي نوع من تعادل القوى مع الولاياتالمتحدة، حتى لو اضطرت هذه الأخيرة الى اخضاعها بالقوة. وعلى الولاياتالمتحدة أن تفرض هيمنتها على العالم وتفرض السلام الأميركي Pax Americana عليه وتغير الأنظمة في البلدان المعادية بالقوة اذا ما دعت الحاجة تماماً كما فرضت الامبراطورية الرومانية السلام الروماني Pax Romana داخل امبراطوريتها. وللوصول الى هذا الهدف هناك بعض المبادئ التي يجب أن تتبعها: أولاً، الأحادية: فالنظام العالمي الذي وضع بعد الحرب العالمية الثانية والذي يترك القرارات الدولية الحاسمة للتوافق داخل مجلس الأمن في الأممالمتحدة أصبح بالياً ويجب تغييره. الاقتراحات المطروحة لاعادة تنظيم مجلس الأمن من خلال توسيع عضويته وزيادة عدد الدول الدائمة العضوية فيه والتي لها حق النقض ليست مجدية بل بالعكس تذهب في الاتجاه المعاكس لما هو مطلوب. فالولاياتالمتحدة يجب أن تتعاون مع مجلس الأمن فقط في الحالات التي يساندها المجلس فيها واذا لم يحصل هذا التعاون المطلق من قبل المجلس فعليها أن تتصرف منفردة، أو مع أي تحالف ممكن، خارج اطار الأممالمتحدة. وفي مقال لريتشارد بيرل نشر في جريدة "الغارديان" الانكليزية في آذار مارس 2003 بعنوان "الحمد لله على وفاة الأممالمتحدة" يشرح الكاتب هذه الفكرة ببعض التفصيل اذ يترك للأمم المتحدة المساعدات الانسانية وحفظ الأمن "وأن تكون منبراً للثرثرة على ضفاف نهر الهدسون. اما أن تترك القرارات السياسية والعسكرية لدول أمثال سورية والكاميرون وانغولا وروسيا والصين وفرنسا فهذا خطأ خطير". ثانياً، الاستباقية: فالولاياتالمتحدة لا تستطيع أن تنتظر أن تهاجم لكي تقوم بأي عمل عسكري، بل عليها، بسبب الأخطار المحدقة بها، بخاصة لجهة العمليات الارهابية المحتملة، كتلك التي حصلت في 11 أيلول 2001، أن تستبق الأمر وتضرب أي دولة غير صديقة قد تشكل خطراً عليها من خلال اقتناء أسلحة الدمار الشامل أو إيواء مجموعات قد تضرب الداخل الأميركي أو المصالح الأميركية في الخارج. ويقول ناوم تشومسكي، الكاتب الأميركي الليبرالي المعروف، ان مبدأ الاستباقيةPre-emption تحول الى مبدأ الوقائية Prevention في تصريحات كبار المسؤولين الأميركيين أي من القول بضرب الدولة التي تهدد أمن أميركا الى ضرب الدولة التي قد تهدد، ولو بعد سنوات، الأمن الأميركي، أي قبل أن تشكل تهديداً حقيقياً. ثالثاً، الاستثنائية: يعترض الكثيرون على هذا التفكير بالقول ان العالم سيدخل في الغوغاء اذا ما دخلت فكرة الاستباقية أو الوقائية في القانون الدولي، اذ أن أي دولة سيكون لها الحق بضرب أي دولة أخرى تعتقد أنّها تشكل خطراً عليها أو قد تشكل خطراً في المستقبل. وجواب المحافظين الجدد هو ان هذا قد يكون صحيحاً فقط اذا ما دخل هذان المبدآن في القانون الدولي. الا أن هذين المبدأين لا ينطبقان سوى على الولاياتالمتحدة، القوة العظمى الوحيدة في العالم راعية "السلام الأميركي". وهذه الاستثنائية أصبحت واضحة في كثير من السياسات الأميركية كإصرار الولاياتالمتحدة على أن قرار انشاء المحكمة الجنائية الدولية يجب أن يستثني المواطنين الأميركيين من أي محاكمة أو كرفضها اقرار اتفاقات دولية حثت العالم على اقرارها كاتفاقية التخلص من كل أنواع التمييز ضد المرأة، أو اتفاقية الحظر على استعمال الألغام أو تطبيق اتفاقات جنيف حول معاملة أسرى الحرب وغيرها. رابعاً، مساندة اسرائيل: من المعروف أن القسم الأكبر من المحافظين الجدد هم يهود مساندون لليمين المتطرف في اسرائيل. ففي سنة 1996 أعدّت مجموعة منهم سلسلة دراسات حول السياسة الاسرائيلية كانت أهمّها دراسة بعنوان "الانفصال الكامل مع الماضي: استراتيجية لضمان الوطن" قام بتسليمها ريتشارد بيرل باليد الى بنيامين ناتانياهو. وتقترح الدراسة أن تقوم اسرائيل بتحالف مع الأردن وتركيا لمحاصرة سورية واضعافها والعمل على ترتيب حرب أميركية ضد العراق لسحبه من المواجهة مع اسرائيل وحرمان سورية من العمق الاستراتيجي العراقي. الا أن ناتانياهو، على رغم تبنيه الكثير من توصيات الدراسة اعتبر أن الوقت لم يحن بعد للعمل على تنفيذها. ومن الذين شاركوا في هذه الدراسة ريتشارد بيرل ودوغلاس فايت ودايفد وورمسر وزوجته ميراف. ولعلّ اكثر ما يعبر عن شغف المحافظين الجدد باسرائيل هو تاريخ مواقف بيرل السياسية في الموضوع، فهو ساند الغزو الاسرائيلي للبنان سنة 1982 وعمل جاهداً لنقل السفارة الأميركية من تل أبيب الى القدس، وكان مديراً لجريدة "الجيروزالم بوست" الاسرائيلية، ومستشاراً لمنتجي الأسلحة الاسرائيلية، وعضواً في المجلس الاستشاري للمركز اليهودي لشؤون الأمن القومي أحد أركان اللوبي الاسرائيلي الليكودي في واشنطن بالاضافة الى دوره الرئيسي في كتابة الوثيقة المذكورة أعلاه. وفي أيلول 2002 قام بيرل بعرض اقتراح للاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط لزملائه في البنتاغون واستعمل خريطة للشرق الأوسط تظهر كل فلسطين كاسرائيل وكل الأردنكفلسطينوالعراق كمملكة هاشمية. هناك مؤشرات كثيرة بدأت تظهر تدل الى أن سيطرة المحافظين الجدد على "قلب جورج بوش وفكره" وعلى سياسته الخارجية بدأت تتلاشى. فالحرب على العراق لم تجر كما وعده المحافظون الجدد ولم تستقبل قوات التحالف بالورود بل هناك مقاومة فعلية أوقعت حتى اليوم، وبحسب تصريحات الجيش الأميركي، أكثر من 600 قتيل. أما عدد الجرحى الذين اصيبوا بعاهات دائمة فقد تجاوز ال3000 وهناك ما لا يقل عن 7000 أعيدوا الى أميركا بسبب أمراض مزمنة، نحو الألف منهم أمراضهم عقلية إضافة إلى نحو 10000 قتيل مدني عراقي. وقد تجاوزت الكلفة المالية للحرب كل تقديرات الادارة الأميركية ما جعل العجز في الموازنة كبيراً جداً وطويل الأمد. كل هذا في سنة انتخابية. أضف الى ذلك العزلة السياسة الأميركية التي سببها مبدأ الأحادية فأضحت الولاياتالمتحدة من دون مساندين أكيدين داخل الأممالمتحدة وساءت علاقاتها بحلفائها التقليديين في أوروبا وأصبحت، بحسب استطلاعات الرأي، تعتبر خطراً على السلم العالمي بين شعوب العالم وحتى بين الشعوب الأوروبية. ما هي هذه المؤشرات؟ أولاً: العودة الى الأممالمتحدة: فبعد أن احتفل بيرل بوفاة الأممالمتحدة عاد الرئيس بوش اليها فدعا الأمين العام كوفي أنان الى البيت الأبيض لاقناعه بمساعدة الولاياتالمتحدة للخروج من العراق، واحتكمت الولاياتالمتحدة اليها لاقناع آية الله السيستاني بضرورة تأجيل الانتخابات وبدأ مجلس الأمن يستعيد قوته ووظيفته فلم تدخل الولاياتالمتحدة إلى هايتي أخيراً إلا بعد قرار من مجلس الأمن وبمشاركة دول اخرى. وهذا أكثر ما يكرهه ويحاربه المحافظون الجدد وحلفاؤهم. ثانياً: العودة الى أوروبا: فبعد أن اتخذت السياسة الأميركية موقفاً واضحاً من "أوروبا القديمة" عادت الولاياتالمتحدة لتطلب من هذه الدول وروسيا المساعدة المالية والاعفاء من الديون العراقية وارسال جيوش الى العراق ولو من دون جدوى. وهذه العودة تزعج المحافظين الجدد وحلفاءهم ازعاجاً كبيراً. ثالثاً: الاستعانة بجايمس بايكر: فالمحافظون الجدد يعتبرون أن أخطر مجموعة سياسية بالنسبة إليهم هي مجموعة المقربين من بوش الأب التي من أبرز أعضائها جايمس بايكر، ولذلك فمباشرة بعد طلب بوش الأب من بايكر التوسط مع دول "أوروبا القديمة" وغيرها من مديني العراق، وعشية سفر بايكر الى أوروبا قام بول وولفوفيتز بنشر أمر بعدم اعطاء أي عقود للدول التي لم توافق على غزو العراق، بالدرجة الأولى فرنسا وألمانيا، وذلك لاحباط وساطة بايكر. الا أن الدول الأوروبية المعنية عملت على انجاح الوساطة، ولو صورياً الى حد ما، للرد على المحافظين الجدد ثم قامت الادارة الأميركية لاحقاً بسحب القرار بشكل هادئ. رابعاً: لعبة الأشخاص تغيرت: فبعد اعطاء كونداليسا رايس صلاحية الاشراف على الأمور العراقية واعتراضات رامسفيلد القوية بدأ نجم رامسفيلد ووولفوفيتز وتشيني بالهبوط وبدأت أسهم كولن باول وزير الخارجية بالصعود. وفي العراق تغيرت الأمور كثيراً بالنسبة الى أحمد الجلبي، الذي وصفه بعض المحافظين الجدد في مركز أميركان انتربرايز وهو مركز دراسات تابع لهم، بأنه "جورج واشنطنالعراق" تشبيهاً بجورج واشنطن الذي حارب في سبيل استقلال الولاياتالمتحدة وكان أول رئيس لجمهوريتها والذي وصف بدوره وولفوفيتز وبيرل وتشيني بأنهم "أكبر حلفائي وأصدقائي في واشنطن". فقد بدأ الجلبي يخسر من حظوظه في الوصول الى الرئاسة على رغم أن البنتاغون وضعه في مراكز حساسه داخل مجلس الحكم الانتقالي كرئاسة لجنة المال والاقتصاد واللجنة الموكل اليها إزالة آثار حزب البعث في العراق. ومنذ أيام جُمّد عقد لشركة رئيستها صديقة للجلبي من جانب الجيش الأميركي الذي يشرف عليه رامسفيلد ووولفوفيتز رجلان الأول والثاني في وزارة الدفاع. رغماً عنهما؟ خامساً: الكلام الرسمي تغير: فالرئيس بوش عاد الى استعمال كلام منمق بالنسبة الى حلفائه الأوروبيين والأممالمتحدة والمجتمع الدولي وابتعد في خطاب حال الاتحاد الى الكونغرس في كانون الثاني يناير الماضي عن تعابير كمحور الشر ولم يعد يذكر مبدأ الاستباقية في كلامه. ويقول مارك ليونرد في "الهيرالد تريبيون": "هناك مؤشرات الى أن الأممالمتحدة بدأت تستعيد بريقها في الولاياتالمتحدة" وأن المرشح الديموقراطي جون كيري يركز على ضرورة استقطاب الأممالمتحدة وهذا لم يكن، منذ أشهر، ليستقطب أصوات الناخبين. ويضيف: "المسألة الأكثر أهمية هي أن مبدأ الاستباقية يظهر وكأنه اختفى في رمال الصحراء". كل هذه الأمور تزعج المحافظين الجدد كثيراً بل تقوض أسس فلسفتهم ومقاربتهم السياسة الخارجية الأميركية. وقد وصل الأمر الى حد استقالة ريتشارد بيرل من عضوية مجلس سياسات الدفاع التابع للبنتاغون بعد أن كان استقال منذ بضعة أشهر من رئاسته. ويقول بيرل في رسالة استقالته الى رامسفيلد "نحن نقترب الآن من حملة طويلة لانتخابات رئاسية وخلالها ستكون القضايا التي لي آراء قوية فيها موضع نقاش وجدل، وأنا لا أود أن تنسب تلك الآراء اليك أو للرئيس في أي وقت وخصوصاً خلال الحملة الرئاسية". وبمعنى آخر فان بيرل وآراءه - التي لم تخرج يوماً عن الآراء السائدة داخل مجموعة المحافظين الجدد التي يعتبر هو من قياداتها الفكرية - أصبحت عبئأً على الرئيس بوش في حملته لاعادة انتخابه. في كتابه الأخير، "نهاية الشر" الذي أعدّه بالاشتراك مع دايفد فروم صاحب تعبير "محور" في خطاب الرئيس بوش في الكونغرس يشتكي ريتشارد بيرل من أن الكثيرين من النخبة السياسية الأميركية بدأوا "يفقدون أعصابهم" بسبب ما يحدث في العراق ثم يهاجم في أماكن مختلفة ليس فقط أعداء المحافظين الجدد بل أيضاً أفراداً منهم وأصدقاءهم أمثال ريتشارد أرميتاج وريتشارد هاس رئيس التخطيط السياسي في وزارة الخارجية وحتى بوش الأب لأنه حاول ايقاف انهيار الاتحاد السوفياتي وصولاً الى رئيس الاستخبارات جورج تينيت "لأنه فشل وعليه الرحيل" وجنرالات الجيش "الخائفين" بالاضافة طبعاً الى الرئيس الفرنسي جاك شيراك والمستشار الألماني غيرهارد شرودر والرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون وغيرهم. إن مضمون الكتاب كما اسلوبه يشيران الى درجة كبيرة من اليأس. على رغم كل ذلك فان مجموعة المحافظين الجدد ما زالت قوية ويجب عدم الاستخفاف بقدرتها على البقاء. والكثير في هذا المجال يتوقف على نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة. فاذا سقط بوش فلا شك بأن عهد المحافظين الجدد سينتهي ولو لمدة. أما اذ نجح فاما أن يعتبرهم عبئأ سياسياً فيبتعد عنهم ليعود الى أحضان والده ورفاقه واما سيعود الى فكرة الامبراطورية الأميركية ومقوماتها الايديولوجية فتعود الغلبة للمحافظين الجدد ويعود العالم الى عدم الاستقرار الذي رافق هيمنتهم على السياسة الخارجية الأميركية خلال السنوات الماضية. * سفير لبنان السابق في واشنطن.