أظهر التيار المحافظ مدى قوته في مؤسسات الحكم في إيران عبر محاصرته الإصلاحيين من جهات عدة يكفي كل منها لأن يكون مصدر إحراج... فإخراج لقسم كبير من التيار الإصلاحي. وأدى تحالف النفوذ المحافظ مع جهات عليا في مطبخ القرار الإيراني إلى تضييق الخناق السياسي حول الإصلاحيين. إذ أن مجلس صيانة الدستور المؤلف من ستة فقهاء من رجال الدين وستة حقوقيين، كانت له الكلمة الفصل في أمر الترشيحات للانتخابات البرلمانية المقررة في 20 من الشهر الجاري. ولفتت المراقبين الصلابة التي تمتع بها رئيس المجلس آية الله أحمد جنتي الذي بقي على مواقفه في رفض ترشيحات أعداد من الرموز النشطة الإصلاحية خصوصاً في حزب "جبهة المشاركة" الذي سقط أمينه العام محمد رضا خاتمي تحت مقصلة الإقصاء إضافة إلى شخصيات بارزة من واضعي استراتيجيات التيار الإصلاحي مثل بهزاد نبوي نائب رئيس البرلمان وأحد أبرز وجوه منظمة "مجاهدي الثورة الإسلامية" المتحالفة مع الرئيس محمد خاتمي. لكن الضربات القاسية التي تلقاها حزب "جبهة المشاركة" و"منظمة مجاهدي الثورة" لم تنسحب على بقية القوى الإصلاحية، إذ إن معظم المرشحين البارزين في "جماعة علماء الدين المناضلين" التي ينتمي إليها خاتمي تم قبولهم، خصوصاً رئيس البرلمان مهدي كروبي الذي يتولى الأمانة العامة لهذه الجماعة. كما أفلت رسول منتجب نيا من مقصلة الإقصاء في اللحظات الأخيرة لإعادة درس ملفات الترشيح وهو عضو في الشورى المركزية للجماعة. أما أبرز الفائزين داخل دائرة القوى الإصلاحية فكان حزب "كوادر البناء" القريب من الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني وهو حزب يوصف بأنه يقف على يمين الإصلاحيين بعدما كان يقف سابقاً على يسار المحافظين. ولجأ الحزب إلى ما يشبه السكوت المقصود بعدما فهم الإشارة سريعاً من قطب السياسة الإيرانية هاشمي رفسنجاني الذي فقدت بعض الأحزاب والقوى الإصلاحية ثقته بعدما جعلته هدفاً لسهامها في الانتخابات البرلمانية السابقة قبل أربع سنوات عندما ترشح وفاز بصعوبة دفعته إلى تقديم استقالته من عضوية البرلمان. ويأمل المحافظون في إعادة جذب "كوادر البناء" إلى صفوفهم إذ إنهم يريدون الدفع بمرشحين معتدلين إلى الانتخابات البرلمانية على أن يكون هؤلاء من ذوي الاختصاص كما حصل في الانتخابات البلدية التي استطاع فيها المحافظون انتزاع مجالس بلدية مهمة مثل مجلس العاصمة طهران. ولعب الحظ العاثر دوراً سلبياً ضد الإصلاحيين. إذ إن لغة التشدد التي ووجهوا بها أصبحت لغة السياسة العالمية بدءاً بالبيت الأبيض وسياسة "إما معنا وإما ضدنا" وصولاً إلى سياسة العلمانيين في المحافظة على علمانية أنظمتهم كما في منع الحجاب في المدارس الفرنسية بدعوى الحفاظ على العلمانية. واستطاع المحافظون تثمير الواقع الدولي وحراجة الموقف الأميركي في العراق لمصلحتهم، فأمسكوا بخناق الإصلاحيين عبر كل المؤسسات القانونية إلى جانب تشبث مجلس صيانة الدستور بمواقفه. وفي هذا السياق يتردد أن كل الأسلحة المحافظة شهرت: تدخل مجلس خبراء القيادة ليطلب من المرشد الأعلى العمل على إنهاء الأزمة، وتدخلت المحكمة العليا لتعتبر أن من واجبات رئيس الجمهورية إجراء الانتخابات، وتدخل القضاء ليحذر من أنه سيلاحق قضائياً كل الذين يخلون بالانتخابات، وتدخل الحرس الثوري ليلوح بالبدائل إذا ما تقاعست الحكومة عن إجراء الانتخابات أو استقالت. ومن كل هذا خرج المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي قوياً من الأزمة بتأكيد أنه صاحب الكلمة الأولى والأخيرة. فيما خرج الرئيس خاتمي مثخناً بالجراح، وتعاطى مع الأزمة بمنطق رجل الدولة وابن الثورة ومدركاً أن طريق الإصلاحات شائك وطويل. أما أبرز المتفرجين فكان الناخب الذي سيكون لكلمته في صناديق الاقتراع صدًى مدوٍ، إذ إن المشاركة الواسعة أو الانكفاء أو الفتور أو الحماسة للانتخابات ستكون لها تأثيرات مباشرة في الوضع الراهن وستكون بمثابة تجربة لا بد أن يتلقف الجميع معانيها على أعتاب تحضيرات إيران للانتخابات الرئاسية في العام 2005، مما يعني أن "البرلمانيات" ستكون مؤشراً مهماً إلى ما سيكون عليه مستقبل "الرئاسيات".