خلال عقدين من الزمن، بعد تخرجه ممثلاً في المعهد العالي للفنون المسرحية، شارك فارس الحلو في عشرات الأعمال التي شكلت في معظمها تجارب مفصلية" في المسرح اشتغل في "سكان الكهف" مع فواز الساجر، وفي السينما مع محمد ملص في فيلم "الليل" وفي "صندوق الدنيا" مع أسامة محمد، وسواهما. وفي الدراما التلفزيونية قدم عشرات الأعمال بدءاً مما يعتبره بعضهم بداية نهضة الدراما التلفزيونية السورية، "نهاية رجل شجاع" لنجدت أنزور، إلى عمله مع دريد لحام في "أحلام أبو الهنا" وصولاً إلى المسلسل الأكثر إثارة للجدل "بقعة ضوء"، الذي قدم الجزء الثالث منه في رمضان الماضي. الممثل الحلو، وهو أحد الأبطال البارزين ل"بقعة ضوء" يرفض الاعتراف بأن المشاهدين انفضوا عن العمل الذي منحوه ثقتهم طوال ثلاثة أعوام، لكنه في الوقت نفسه يتحدث عن المشكلات الكثيرة للعمل، وعبرها يسلط الضوء على مشكلات الدراما التلفزيونية السورية، هذه التي يرى موتها، "لأنها ببساطة ترفض أن تصدق أن الحياة قد أدركتها". هنا نص حوار أجرته "الحياة" مع فارس الحلو. هل تعتقد أن الدراما التلفزيونية يمكن أن تلعب دوراً في طرح المشكلات الحقيقية للمجتمع السوري، تلك المتعلقة بالفساد والبيروقراطية والإصلاح؟ أليس هذا ما ادّعاه مسلسل "بقعة ضوء"، وأنت أحد أبطاله البارزين؟ - طبعاً، كل الدرامات المحلية في العالم تستقي أفكارها ومواضيعها من واقع حال مجتمعها بالدرجة الأولى، وهي بالتالي تشكل صورة إعلامية فنية عن مشكلات سياسية واجتماعية واقتصادية يضيق بها صدر مواطنها. و"بقعة ضوء" جزء من سلسلة المسلسلات السورية النقدية اللاذعة التي تحاول أن تصيب مكامن الخلل والضعف في إدارات البلد، كما هي بالضبط، عندما يحاول أن يسخر من حال الاستسلام والبلادة الشعبية المتواطئة مع حركة الفساد الإدارية من خلال الاكتفاء بالصمت أو بالاحتجاج الخافت الصوت. هذا ما كنت آمله من عملي في هذا المسلسل، والذي التزمت به قدر الإمكان، ولكن ضغط الرقابة العنيف على الحركة الإبداعية الشبابية في المسلسل، ومحاولة بعض الكتّاب والممثلين استمالة أفكار الشركة المنتجة، جعلا بعض اللوحات تعرج عن مسار المسلسل في بعض الأحيان. ولكن ألا تعتقد أنكم تجرّأتم على المواطن وانتقاده أكثر من التوجه إلى المسؤول؟ - مادة الكوميديا بالعموم تستقى من الإنسان سواء كان مسؤولاً أم مواطناً، وأرى أن نسبة انتقاد المواطن أكثر من المسؤول هي نسبة منطقية، حتى أنني أرى في الأمر إيجاباً ما" لعل هذا المواطن المبتور يفعل شيئاً غير الانفعال. ذكرى طيبة كيف تفسر انفضاض المشاهدين عن الجزء الثالث من "بقعة ضوء"؟ وهل للأمر علاقة ما بتخليكم عن طرح المشكلات المشار إليها؟ - أنا لا أعترف بانفضاض المشاهدين عن مسلسل له ذكرى طيبة في نفوسهم. فهم أحبوه وتابعوه منتظرين منه الجديد. أما أن هذا المسلسل لم يقدم ما هو مأمول منه فهذا بحث آخر. وشأنه هنا شأن مسلسلات الدراما السورية والعربية كلها، فقد ظهر جلياً لمتابعها واقع حالها الكئيب خلال عروضها الرمضانية، فهي لم تستطع أن ترتقي إلى واقع الأزمة التي تعصف بالمنطقة، حتى أنها لم تستطع أن تصور أو تجسد إلا شذرات من بؤس الحال الاجتماعية والسياسية وبجهد جهيد وبطريقة مفبركة. ومردّ ذلك أن الدراما، وهي المكبّلة بقيود سلطوية كبيرة في زمن الهدوء والأمن، لا يمكن لها أن تكون أكثر حرية في زمن الأزمات والعواصف. الدهشة والخيبة والمفاجأة، والذهول الذي أصاب سكان الأرض، بذوبان نظام قمعي حديدي وشرس ببساطة شديدة وبطرق قديمة وصدئة، أصاب أيضاً الدراما وسائر الفنون، ووضعها في حالة ارتباك قصوى، فقد عجز الخيال الدرامي عن تصور أحداث دراماتيكية بهذا الحجم الفانتازي، وبالتالي بدت الدراما فقيرة وعاجزة عن مواكبة هذا الواقع الذي سبقها بأشواط كبيرة. ومع علمي وإدراكي لهذه الظروف الصعبة التي تكتنف عمل المسلسل فقد سعيت وزملائي إلى العمل بجهد مضاعف لكي يقف العمل على قدميه، من دون أن آمل بتقديم الخوارق، لأن هذه قد سبقنا إليها الغزاة الأميركيون والنظام العراقي البائد. سنة الممثل ما هو المميز إذاً في الدراما التلفزيونية السورية لهذا العام؟ - أعتقد بأن هذه السنة كانت سنة مميزة للممثلين السوريين على حساب هزالة النصوص الدرامية، فقد أثبتوا حضورهم في شكل لائق، ولهم الفضل في إعطاء الدراما السورية المريضة جرعة مقوية للاستمرار. وهل يمكن لممثل أن يقف على أرض بهذه الهشاشة؟ - لقد انتهى السؤال والسجال الطويل حول أولوية عناصر نجاح العمل الفني التلفزيوني" هل هو النص أم الممثلون أو المخرجون؟ انتهى لمصلحة النص الدرامي بالدرجة الأولى، وبات من المعيب نقاش هذا الأمر بعد الآن، فكلنا يعلم أن النص الجيد ينتج عملاً فنياً معقولاً، ولو كان بممثلين عاديين. بينما العكس ليس صحيحاً" عندما يقوم ممثلون موهوبون بالتصدي لتنفيذ نص رديء! وهذه السنة تحديداً قام الممثلون السوريون بجهد مضاعف لينقذوا أنفسهم من أدوارهم الفنية الضعيفة، فتجلت بعض أدوارهم بجمال فني مقبول أمام هزالة أدوارهم وضعفها التقني. هل تعني أن الممثل السوري كلّي القدرة؟ باعتباره يتدخل في الإنتاج، وأحياناً يدير عجلته، كما تحول معظم الممثلين إلى كتّاب تلفزيونيين؟ ألا يشكل ذلك سبباً في ما سميته هزالة النصوص الدرامية؟ ماذا تقصد إذاً بأنها سنة الممثل السوري؟ - هزالة النصوص الدرامية سببها قلة المفهومية والمسؤولية والثقافة لدى العاملين فيها، من لجان رقابة فكرية مرتشية أو شركات إنتاج بخيلة أو محطات تلفزيونية تقبل عرض أي شيء كان. يريدون إلغاء العمل الجيد لأنه بتصورهم يتنافى مع طبيعة الربح السريع والقليل الجهد، فبات معيار المسلسل الجيد لديهم هو المسلسل الممطوط الذي يزيد على 30 حلقة ليمتد عرضه من شهر الصيام إلى أيام العيد، وأحياناً إلى ما بعد العيد بحسب التوفيقة، وأيضاً أن تكون مواقع قصة العمل معدودة ومحدودة وقريبة من بعضها، بغض النظر إن تطلّب الموضوع غير هذا الشرط، أضف إلى هذا محاولتهم الإقلال قدر الإمكان من عدد الممثلين والكومبارس، والأخطر من هذا وذاك أنهم يبحثون عن مواضيع مهمة ليعملوا على تسطيحها وتقديمها بوجهات نظر متخلفة وغير مسؤولة. وسط هذه المواصفات السيئة يعمل الممثل السوري، فهل ننتظر منه أن يقدم الجديد والمميز والأفضل؟ على رغم هذا لمعت أسماء في رمضان الماضي، ولكن ما حصل هو استثناء لن يتكرر ولا يمكن اعتماده مثلاً. ولا بد هنا من الإشارة، والتحية، لزملائي الممثلين الذين أبدعوا في مسلسلات رمضان في شكل عام، وفي حلقات المسلسل النقدي "بقعة ضوء" في شكل خاص، فكانت الطبائع التي ابتدعها الممثلون، والجودة الفنية العالية التي قدمت بها، أهم بكثير من تقنية أدوارهم الضعيفة، والكل يذكر عبدالمنعم عمايري وأيمن رضا وكاريس بشار وخالد تاجا وسامر المصري، والكثير من الشباب الواعد مثل سامر كاسوحة وعبدالرحمن عيد والظريفة نبال جزائري، وغيرهم. كما لا يمكن إغفال بعض الكتّاب الشباب المبدعين وغير المعروفين، الذين قدموا جماليات جديدة في الكتابة الدرامية مثل عدنان عودة، موفق مسعود، اياد شربجي، روز ياسين، فقد لمست لديهم تميزاً إبداعياً عن الآخرين. ما الذي فعله الممثل السوري في موقعه كمنتج؟ - لست أرى غضاضة في أن يقوم الممثل بإدارة شركة أو أن يكتب سيناريو أو أن يخرج عملاً، فالساحة مفتوحة لكل الرغبات والطموحات ما دام أهل الاختصاص غائبين. ولكن للأسف الشديد لم يخطر على بال أحد منهم أن يؤسس لأعراف أو لتقاليد لصناعة دراما تليفزيونية سورية، حتى أن بعضهم أعاق في شكل مباشر نمو وتطور الدراما، وهؤلاء كانت أذيتهم أقسى بكثير من الآخرين، فالممثل هو من أكثر العارفين بمتطلبات العمل الفني الجيد، وتنازله عنها ومساومته لها وهو في مركز القرار، يعطي للمنتج هامشاً أوسع لمساحة استهتاره بالعمل الفني ويكرس لديه قلة احترام لأصول العمل. لقد أضاعوا فرصة تاريخية لتطور درامي نوعي، وبات سلوكهم وهم أصحاب القرار مثالاً سيئاً يحتذيه الآخرون، وارتكبوا بنرجسيتهم المتخلفة جريمةً بحق الفن الدرامي السوري. أضاعوا فرصة لن تتكرر، لهم أو لغيرهم، فنحن نعيش مفصلاً تاريخياً سياسياً واقتصادياً وفنياً حاداً، وبات المستقبل أكثر غموضاً. إننا نشهد انتهاء مرحلة وبداية أخرى، والأكيد أن هؤلاء سيخرجون من الحياة الفنية حتى ولو علقوا السيرومات. فن وسياسة بمناسبة الحديث عن الممثل السوري، أجد أن بعضهم دائم التباهي بأن الدراما التلفزيونية السورية استطاعت أن تسحب البساط من تحت الدراما المصرية. هل تجد ذلك منصفاً؟ وقد أثبتت تظاهرة ثقافية دمشقية أخيراً مهرجان دمشق السينمائي أن التقابل بين نجوم التمثيل في مصر وزملائهم في سورية كان مضحكاً للغاية! - ما يسمونه تفوق الدراما السورية على المصرية قام على ضعف الأخيرة في مرحلة من مراحلها، فقد بهتت مواضيعها الفكرية وتكررت معالجاتها الدرامية إلى الحد الذي باتت مكشوفة فيه للمتلقي. ولكن من منا ينكر أعمالاً كبيرة ومهمة قدمتها الدراما المصرية في مرحلة ضعفها، وما زالت إلى الآن أرقى بدرجات من كثير من أعمالنا المحلية المغلولة الفكر والطرح" "أوان الورد"، "ليالي الحلمية"، "أرابيسك"، "الليل وآخره"، "العائلة"، وغيرها كثير؟ ما من شك في أن للإعلام دوراً سلبياً في هذه التصنيفات المتخلفة، فالإعلام الفني، كما الرسمي الذي يمجد فرداً بعينه من دون أي اعتبار للشركاء متقاطعاً مع عقلية شعبية قائمة على إلغاء الآخر وعدم تقبل الشريك، كرس مسألة التفرد والوحدانية، مما جعل هذه التصنيفات برأيي ساذجة وغبية. فهو يكرس طريقة في التفكير والإلغاء إلى درجة جعلت الناس تتابع الدراما المصرية بشغف ولكن من دون أن تعترف بها. وأنا بصراحة لا أستغرب من هذه التقولات فالعقلية العربية التي تعودت لقرون طويلة على حكم الفرد الواحد الأحد عاجزة عن أن تكون موضوعية لتتصور بيسر حكماً جماعياً كما في العراق الآن. هل يزعجك الاعتراف بأن الكوميديا السورية لم تعد تضحك أحداً؟! بعض رموزها من الممثلين صار مكروراً. بعض هذه الكوميديا مبتذل، وبعضها الآخر راح يقحم في الكوميديا ما لا تحتمله. - الكوميديا أنواع، وما يمكن أن يضحكني ليس بالضرورة أن يضحكك أو يسرك، فالكوميديا مزاج شخصي وفن مخاطبة قد لا يروق للبعض تبعاً لمزاجه أو أفكاره أو قناعاته. من منا لا يتذكر المسلسل الكوميدي الرديء "أهلاً حماتي" ونفورنا منه؟ ألم يره البعض علامة كوميدية ظريفة؟! ألم يحبه بعض العامة؟! أشاطرك الرأي في نفور الناس من بعض ممثلي الكوميديا، ولكن ما العمل؟ هل يتوقف هؤلاء عن التمثيل؟ ومن يملك الحق في إيقافهم ما دام هناك من يستمزجهم ويدفع لهم؟ إمتاع الناس فنياً لا يأتي إلا بدءاً من احترام الفنان لنفسه أولاً وتقديم الدعم الفني اللازم له ثانياً. هذان أمران مهمان لتقبل الإمتاع لدى الناس، فكيف لفنان يزدريه الناس أن تتقبل منه كوميديا؟ وكيف لفنان محبوب أن تتقبل منه كوميديا من دون دعم فني مناسب له؟ عورة الدراما قلت لي من قبل إنك تشعر بأن الدراما السورية تودع زمنها الذهبي. على أي أسس تبني استشرافك هذا؟ - لا أتذكر بأنني ذكرت كلمة "ذهبي"، فأنا غير مقتنع بأنها وصلت إلى مرحلة ذهبية. وهي لم تستطع تجاوز خطوط الممنوعات والمحظورات، بل على العكس من ذلك، فقد تراجعت عما كانت عليه في السبعينات من حرية في التعبير والتمثيل. أين مسلسلات قمع المرأة؟ أين مسلسلات المخدرات؟ للأسف مع كل النتاج الضخم للدراما السورية إلا أن أغلب أعمالها المميزة كانت تلك التي حملت إبهاراً بالصورة على حساب الموضوع الذي ازدادت سذاجته، فكانت هذه الحيلة حلاً موقتاً لستر عورة الدراما السورية التي تفتقد الحرية بكل أصولها. وهذا الأمر لاحظه المشاهد، لاحظ التراجع الهائل في مواضيع المسلسلات النقدية السورية من "مرايا" إلى "بقعة ضوء" و"عالمكشوف". ولاحظ التحول من أعمال كبيرة مثل "خان الحرير" و"الثريا" و"الزير سالم" و"أيامنا الحلوة" إلى مسلسلات عادية لا تعنيه لا من قريب ولا من بعيد، كالمسلسلات التاريخية التي قرفها المشاهد واحتج عليها من دون أن يسمعه أحد. ولكن الأحداث الجديدة التي طرأت على المنطقة، والتحولات الهائلة في الأنظمة العربية وهتك كبريائها وصلفها مع بروز الأصوليات الدينية المنبثقة من الفقر والخواء والإحباط سيجعل تجار السلطة والفن يدركون أن المرحلة المقبلة ستكون مختلفة، وأن مسلسل الهروب إلى التاريخ أو تقديمه كما الطريقة المدرسية لم يعد مجدياً وأن معالجة الواقع باتت أمراً إجبارياً، وأنه آن الأوان لأن يقدم تاريخنا المخفي الذي نعاني من جرائمه إلى الآن. آن لنا أن ننشر غسيلنا العفن في ضوء الشمس قبل أن نختنق من رائحته الكريهة. طبعاً أنا أتكلم عن الأذكياء منهم وهم قلة. لذا ستجد الأميركيين يسعون لإقامة محطات تلفزيونية موجهة للعرب تطرح قضاياهم في شكل حر لعلها تكسب ثقتهم. وسيكسبون. لأن هامش الرقابة عندهم أوسع بكثير من هامشنا وحتى نصل إلى هامشهم نحتاج الى سنوات طويلة. السوق الفني الآن مرتبك وهو لا يملك قرار التغيير بانتظار الأمر السياسي. أشعر بالرهبة من الأيام المقبلة. ستكون امتحاناً للحرية. هل يضحك منتجو الكوميديا؟ مَن مِن الكوميديين يضحكك؟ - أعتقد أن منتجي الكوميديا وصانعيها لا تضحكهم إلا الأمور الحقيقية. وأما عن نفسي فأكثر ما يضحكني هي قصص تفاصيل الأطفال وغبائي في بعض الأحيان. وأكثر الفنانين إضحاكاً لي هو يوسف وهبي.